فكر وثقافة

سوق اليمنية في وسط البلد.. ذاكرة شعبية واقتصادية راسخة بالأذهان

تلجأ مختلف شرائح المجتمع إلى سوق اليمنية لبيع الملابس المستعملة (البالة) في وسط عمان القديمة، لشراء الماركات العالمية بأسعار أرخص من غيرها.
ويعد “سوق اليمنية” لبيع الملابس المستعملة الجديدة من أقدم أسواق عمان القديمة وجزء من ذاكرتها الشعبية والاقتصادية، حيث تقع السوق على امتداد جانبي شوارع وسط المدينة: شارع الملك طلال وشارع سقف السيل وشارع الملك فيصل وشارع الهاشمي.
ووفقاُ لما أدلى به الحاج أبو محمد، فإن تسمية السوق بـ “اليمنية” نسبة إلى عدد من الأصول اليمنية، الذين عملوا في بيع الملابس المستعملة (البالة) وخياطة الملابس، حيث بنوا محلات من “سقائف” لعرض بضائعهم فيها، إلى أن نشب حريق هائل في السوق، ما دعا صاحب الموقع أن ينشئ بنايات من الاسمنت ليعود الباعة انفسهم إلى محلات دائمة.
ويشير الى أن السوق يقسم من حيث بنائه الى قسمين؛ قسم ما يزال على الطراز القديم قبل أن يهدم سقفه من الزينكو، فيما القسم الآخر بني في العام 1979. مبينا أن “الاختلاف الذي طرأ على السوق اليوم هو انه في السابق كان يبيع الملابس العسكرية القديمة، أما اليوم فقد اختفت تلك البضاعة، وحل مكانها الملابس المدنية للرجال”.
ويضيف، “يوجد في السوق طريق طولي له مدخلان متقابلان، تصطف على أبواب المحلات العشرات من الخياطين الذين يقومون بخياطة واصلاح الملابس مهما كان نوعها رجالية ونسائية، إضافة إلى محلات كي الملابس وبيع ربطات عنق للرجال”.
إلى ذلك فإن السوق يغلب عليه الطابع الشعبي، لبساطة محلات بيع ملابس المستعملة، والملابس الجديدة وبأسعار زهيدة منذ أكثر من (50 عاما) وتمارس أعمالها القديمة مثل الحلاقة وبيع القهوة في مقهى صغير وبيع الدخان العربي “الهيشي” وغيره من الدخان الشعبي، وفق أبو محمد.
ولا يعجز الخياطون في السوق عن اصلاح أي قطعة ملابس، فإنهم وبسرعة مذهلة يجرون عليها بعض التعديلات لتصبح كانها جديدة، حيث يقومون بعدة عمليات خياطة مثل: توسيع وتضييق وتركيب سحابات جديدة وتقصير وتطويل وصنع جيوب، وإلغاء جيوب وأعمال الحبكة وكي الملابس، وفق لأحد الخياطين في السوق.
ويروي مسعود حسن، أنه اعتاد أن يأتي إلى سوق اليمنية، كي يتبضع لوجود تنوع في البضاعة ذات الجودة العالية”، معتبراً أن لا فرق بين أسعارها وأسعار بضاعة الأسواق الأخرى بقوله، “كنّا في الماضي، حين كانت الحالة المادية ميسورة، نأتي في نهاية كل شهر ونشتري ما يحلو لنا من ملابس وأحذية، أما اليوم فبتنا ندخر المال خلال السنة كاملة كي نوفر المتطلبات الأخرى”.
ويرتاد الطالب الجامعي طيف محمد السوق للاطلاع على ما هو جديد من ألبسة تعرض في محلات متخصصة يأتي إليها، لشراء ملابسه منها وفق ما قال، “أجد من محلات البالة الحل لشراء أفضل الماركات وبأسعار خطت مرحلة الخيالية”، مضيفاً أنه يشتري كل شيء من البالة، ويبحث دائماً عن أخر الصيحات(الموضة).
فيما أعتبر عدي عواد أن البالة عبارة عن “لقطات”، فكثرة المحال توجب على زائرها معرفة خصائص كل محل بمحله منها. فمنها اختصاصه ماركات الجلد المعروفة، ومنها ما يستأثر بالفرو الاصلي، ومنها ما ينوّع في البضاعة.
ويؤكد صاحب محل لبيع الملابس الرجالية المستعلة هشام الحوراني أنه متخصص في بيع البدلات والجاكيتات والبالطو (المعاطف الطويلة الشتوية) المستعملة ذات الصناعة الاوروبية والاميركية، حيث يتميز بالدفء وحسن المنظر والثمن المعتدل.
ويشير الى أن السوق تفتح أبوابه خلال أيام الأسبوع كاملة سابقا، إلا أن الحركة تكون كثيفة في أيام الأسبوع باستثناء يوم الجمعة وأيام الحظر التي فرضتها جائحة الكورونا، فيأتي الزبائن من المناطق كافة، كما يقول، “صحيح أن البضاعة الصينية والمحلية تنافس بضاعتنا، إلاّ أنّها جميعها ليست بجودتها”. ويشدد بفخر، “بضاعتنا أوروبية”.
وتتنوع المصادر التي تأتي منها هذه الملابس. أكثرية الشحنات تصل من أوروبا، بحسب ما ذكر كمال أبو اللبن صاحب محل لبيع الملابس المستعملة في السوق، مبينا أن البضاعة الأوروبية أفضل من الأميركية، لأن الأميركي يبقي القطعة في حوزته إلى أن تخرب.
ويؤكد أبو اللبن أن نوعية البضاعة تحدد على ضوء موقع المحل، ووضع صاحبه الاقتصادي. فبعض المحال تكتفي بعرض الملابس الجيدة نسبياً، فيما لا يتردد آخرون في عرض كل ما يشترونه على قاعدة أن المحتاج تهمه السترة، وليس النوعية، لكن الملابس الأوروبية أفضل وأكثر جودة من الصيني الذي يصدر الى بلادنا، فهي مصنوعة من البترول أما الأوروبي فهو نسيج وجلد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى