الشاشة الرئيسيةمقالات

“جُل” رأس المال الأردني… بخيل… بخيل على الشأن العام

المهندس سمير الحباشنة
الغواص نيوز
منذ القدم يتغنى العرب بالكرم، لكنني مع الأسف لا أرى بالمجل لهذه المقولة، اشتقاقها الأردني !

*****
كنت في أواسط تسعينات القرن الماضي، بزيارة إلى الدنمارك، حيث زرت أحد المصانع الكبرى لمشتقات الحديد…
* يعمل في المصنع حوالي 7000 عامل، وله فرعين أخرين واحد في فرنسا والثاني في كندا، عدد من العمال مماثل تقريباً ما هو في الدنمارك، وحين رحل المنشئ لهذه الصناعة العملاقة وفُتحت وصيته وُجد بها ما يلي:
ـ أن يتحول 40% من مُلكية المصانع للعمال.
ـ أن تخصص 40% نحو الأعمال الخيرية والبيئية داخل الدنمارك وخارجها
ـ على أن يتبقى 20% فقط للورثة.
أسوق هذا المثل المغرق في الإنتماء والإنسانية وهو بالمناسبة ليس نادراً بالغرب بل هو سلوك متبع لدى الكثير من أصحاب الثروات .
*****
وحين أقارن ذلك مع الأغلبية من أغنياء بلادنا الذين وفر لهم الوطن كل معاني الاستقرار والتسهيلات، فراكموا من صلب هذا البلد ثروات كبيرة، هذا دون أن يقدموا بطاقة شكر للوطن، على شكل جزء من ثرواتهم لصالح الشأن العام بأشكاله المختلفة.
*****
أن الكثير من “أبنائنا” الذين حققوا ثرواتهم داخل البلاد، يكتنزون المال وأغلبه يودع في مصارف خارج البلاد! او ينفقونه على أشكل من التباهي والفشخرة الاجتماعية الفارغة. وبالمقابل الكثير من مواطنيهم في البادية والمخيم والريف والمدن يشكون شظف العيش وانعدام المساكن، ويصنفون ضمن المعدلات الدولية في خانة الناس الأكثر فقراً.
*****
إنها ثروات تتراكم، في مجتمع يعاني 1.04 مليون من أطفاله الجوع دون ان يتحصلون على وجبة غذاء كافية للنمو والقدرة على الاستيعاب والتعلم. وإن 32% منهم يعانون من فقر الدم المزمن. حيث يقول برنامج الغذاء العالمي ” أن 57% من الأسر الأردنية تعاني من انعدام الامن الغذائي او معرضه له”. خلاف الآلاف الآلاف من الأردنيين الذين يسكنون في خيم المهترئة وليس لهم إلا رحمة ربهم!.
*****
أورد الكاتب علاء أبو زينة في مقاله في جريدة الغد بتاريخ 2/1/2023 ما ورد في تقرير منظمة “أوكسفام” المنشور بداية هذا العام والذي يبين أن :
1) 1% من الأردنيين قد راكموا ثروة خلال الفترة بين عامي 2021-2022 تقدر بستة أضعاف ثروة ال 50% من الأردنيين الأكثر فقرا !.
2) وأن 55 فرداً اردنياً فقط، يملك كل منهم بالحد الأدنى 50 مليون دولار، ثروة تقدر بمجموعيها 14 مليار دولار، تعادل أربعة أضعاف ونصف الثروة التي يمتلكها نصف الأردنيين!.
وأضيفُ وللمقارنة المؤلمة بأن اغلب الاردنيين يتحصلون على حد ادنى للأجور 260دينار، وهو نصف قيمة خط الفقر المطلق للأسرة الاردنية والبالغ 480 دينار شهرياً!
أي فحش مأساوي هذا الذي نعيش به ؟!
وأي منطق ديني أو أخلاقي أو إنساني يقبل بهذا التمايز بين أبناء شعبٍ الواحد؟!
******
والغريب أن هؤلاء الموسرين غير معروفين في المجتمع، فقلة منهم تقدم دعما للفقراء أو للمستشفيات أو للجامعات أو للطلبة المتفوقين أو لأي شكل من أشكال العمل الإنساني. فهم يكتنزون المال ولا نسمع بأسمائهم إلا حين ينتقلون إلى الدار الآخرة، فتمتلئ الصحف بنعيهم وكأنهم قادة أو أبطال أو شهداء، مع أنهم لم يكونوا إلا ماكينات شرهة تجمع المال و تكتنزه وتودعه في مصارف خارج البلاد.
*******
وعليه وللإنصاف لا بد أن أستثني الكثير من أبنائنا المحترمين بما فيهم الذين جمعوا ثروات في المهجر وعادوا بها للأردن وأقاموا عشرات المشاريع الصناعية والسياحية والتعليمية والزراعية، فوفروا عشرات آلاف من الوظائف. فالاستثمار يُولد فرص العمل، وفرص العمل تدحر الفقر وتُحسين المستوى المعيشي للمجتمع. أي ان المطلوب فقط من أصحاب المال ان يوظفو أموالهم بالإستثمار داخل البلد.
*****
وبعد/ إن البلاد اليوم بأسوأ حال، والبطالة بأعلى مستوياتها، والفقر ضارب أطنابه بطول البلاد وعرضها، وأغلب المواطنين لا يجدون القوت المناسب ولا السكن المناسب وتزرق أبدان أطفالهم من البرد القارص.
والغريب اننا نبحث عن الاستثمار الخارجي مع ان تلك الأموال الأردنية الطائلة المكتنزة لو خرجت من مخابئها لغيرت الحال لحالٍ أفضل.
– مطلوب اجراءات من نوع خاص بتحفيز المال الوطني لينخرط في عجلة الاقتصاد ليصبح مالا منتجا.
– مطلوب ان يعاد النظر بالضرائب كسبيل لاعادة توزيع الثروة وعدم تركزها بهذا الشكل البشع حتى تستطيع الدولة ان تستجيب الى متطلبات مواطنيها الأساسية والتميز ضريبياً لصالح رأس المال الإستثماري العامل داخل البلاد وبين رأس المال المكتنز.
*****
وبعد / أذّكر بالآية الكريمة ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ” صدق الله العظيم/ سورة التوبة.
وأن الإنفاق في سبيل الله هو خدمة المعوزين والمحتاجين والإنفاق على شؤون العامة على اختلافها.
والله ومصلحة الأردن من وراء القصد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى