دولي

هل تستغني “الجزيرة” عن نجوم شاشتها الإعلاميين كُرمى الرياض

“رأي اليوم”-
بالنظر إلى التوقيت، تبدو دعوة مدير قناة “الجزيرة” أحمد اليافعي مُوظّفي القناة، الاستعداد، لعام جديد من الإنجاز، نحو انطلاقة مُتجدّدة، لافتةً، وتدعو إلى ترقّب ومُتابعة الشاشة القطريّة، والتحوّلات التي قد تدخل على سياساتها التحريريّة، في ظل الأنباء الواردة عن قُرب مُصالحة خليجيّة، أو مُصالحة سعوديّة- قطريّة على الأقل.
“الانطلاقة المُتجدّدة” التي ستكون موضع مُراقبة، بالأكثر للدول الخليجيّة المُتخاصمة مع قطر، لم تكن مُجرّد دعوة تقليديّة يتلوها مدير المحطّة مع نهاية عام، ودخول آخر جديد، بل جلبت معها تعيينات جديدة، شملت مُدراء جُدد، وفي مناصب تُمثّل عصب التغطية الإخباريّة القادمة، والتي ستضع النقاط على الحروف، بخصوص مُهاجمة دول خليجيّة بعينها، والتوقّف عند أخرى، وفقاً للمصالح القطريّة، وإن كانت القناة تُحاول تقديم نفسها على أنها شاشة عربيّة، تتّسم تغطياتها بالحياد، وهو ما ثَبُت بُطلانه، مع ميلان كفّة سياسات المحطّة وفقاً للدوحة، وظهر هذا جليّاً للجمهور العربي مع انطلاق الثورات العربيّة أو ما يُسمّى بالربيع العربي، وأجندات المحطّة التي تباينت من بلدٍ، لآخر.
“الجزيرة”، قامت بإعلان تعيين “طاقم جديد” لغرفة الأخبار التي تعتبر العصب الرئيسي لتغطيتها الإخبارية، وصدر تعيين كل من محمد معوض مديرًا للتحرير، ورائد فقيه مديرًا للتخطيط، وأمان الله غنيم رئيساً لقسم المُراسلين، وهي ثلاثة مناصب مُؤثّرة وفاعلة، وتغيير من يشغلها، يشي بتغييرٍ ما على صعيد السياسات التحريريّة، ونظرًا للخلفيّات التي أتى منها المذكورون، وهي خلفيّات وخبرات إعلاميّة تتّسم بطابع إعلامي غربي أكثر حيادًا، وأكثر مهنيّة، وهذا قد يُحقّق بنظر القائمين على المحطّة الضّخمة، ما تحدّث عنه مدير القناة، في رسالته لمُوظّفيه، حين أكّد على بقاء الجزيرة في صدارة الثقة التي أولاها لها الجمهور.
“الجزيرة” بكُل الأحوال، وبالرغم من تراجع الثقة بها عند قطاع عريض من السوريين، المصريين، البعض في الخليج، نظرًا لسياساتها ضدّ أنظمتهم الحاكمة، إضافةً إلى السعوديين، والإماراتيين، لا تزال تحظى بتأثير إعلامي واسع، بدلالة الرغبة الشديدة من زعماء الخليج المُتخاصمين مع الدوحة، اشتراط إغلاقها تماماً، كشرط من شُروط المُصالحة الـ 13، والعربيّة السعوديّة معنيّة أكثر من غيرها بوقف الضخ الإعلامي على الجزيرة، ضد القيادة السعوديّة، والأمير محمد بن سلمان، وتحديدًا بعد تراجع أسهمه غربيّاً، واتّهامه شخصيّاً، بالوقوف وراء جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
حتى كتابة هذه السطور، لم تتوقّف “الجزيرة” عن مُهاجمة الإمارات وإعداد برامج تقول إنها “تكشف المستور فيها”، والتعامل مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أنه نظام انقلابي، وهو ما يشي بأنّ الدوحة لا ترفع السقف عالياً، بخُصوص حُصول تبدّل إيجابي في الموقف الإماراتي، والمصري منها، في المُقابل توقّف الهُجوم على وليّ عهد السعوديّة، وغابت المملكة بعد تصدّرها عن النشرات الرئيسيّة، القناة القطريّة عرضت أخيرًا على شاشتها برنامجاً جديدًا حمل اسم “المتحرّي”، وحمل ملف الحلقة الأولى تحقيقاً حول خفايا التمدّد الإماراتي على ساحل البحر الأحمر في اليمن، وتطرّق التحقيق وفقاً لمُعدّه، إلى اتّهامات مُوجّهة للإمارات بخُصوص إنشاء مليشيات خارج الدولة، وإقامة سُجون سريّة، واغتيال عشرات المُعارضين لسياساتها في اليمن.
تهدف “الجزيرة” من مُواصلة بث هذه البرامج إلى استهداف سُمعة البلد الذي تستهدفه، وتشويهه إعلاميّاً، والمحطّة القطريّة مُتّهمة أساساً بالوقوف وراء تقويض أنظمة عربيّة، ومُحاولة إسقاطها، كما جرى مع نظاميّ الرئيس السوري بشار الأسد، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، أو مع نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، حيث تغطية “الجزيرة” لمُظاهرات “ميدان التحرير” الشهيرة، كان لها أثر في حينها بإسقاط نظام مبارك، وهو ما يُفسّر حملات الهجوم الحاليّة التي يشنّها الإعلام المصري المحلّي الحُكومي ضدّ قطر، وإعلامها.
وبالعودة إلى التعيينات الجديدة، والتي يُنتظر أن تُشكّل رأس حربة في “معارك” الجزيرة الإعلاميّة القادمة، محمد عوض الذي استلم إدارة التحرير، عمل مُراسلاً في الولايات المتحدة في وسائل إعلام أمريكيّة، ومراسلاً للمحطّة في لندن 2017، ومن ثم جرى نقله إلى الدوحة 2019، وعمل مشرف تحرير في غرفة الأخبار، واليوم عوض الذي يستلم دفّة قيادة وإدارة التحرير بعد عامين من الإشراف، علّه سيُوازن بين خبراته الخارجيّة في مُؤسّسات إعلاميّة غربيّة المُحايدة، وما اكتسبه من خبرات داخل غرفة أخبار الجزيرة “المُسيّسة” على اعتبار تبعيتها لقطر، كما لعلّه سيعمد على استبعاد الصحفيين، والمُحرّرين، الذين كانوا على دفّة قيادة الأخبار المُوجّهة ضدّ السعوديّة، المشهد يحتاج إلى صحفيين بخبرات صحفيّة أكثر حيادًا، وأقل تشدّدًا وولاءً لأطراف بعينها.
يبدو أن طابع الحياد الغربي الذي تتّسم فيه مؤسّسات الإعلام الغربيّة، سيكون مطلوباً هذه الأيّام، بعد حالة استنفار واستقطاب خاضتها غرفة أخبار الجزيرة، وتحديدًا بعد أزمة مُقاطعة قطر، الصحافي رائد فقيه هو الآخر آتٍ من خلفيّة دبلوماسيّة، والذي سيكون مديرًا للتخطيط، وعمل الرجل مُراسلاً للجزيرة مُنذ 2014 من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وقدّم العديد من التغطيات المّتعلّقة بجولات المُفاوضات في الشأن السوري، الليبي، اليمني، لعلّ خبراته بالاطّلاع على التفاوض إلى جانب عمله كمُشرف للأخبار في مقر القناة الرئيسي الدوحة مطلع العام 2019، مطلوبة في “تخطيط” مسار القناة، نحو سياسة إعلاميّة، أكثر دبلوماسيّة، على الأقل على الجبهات التي تتطلّب، تراجع هُجوم القناة، على نظام بلدٍ ما، وقياداته.
أمّا أمان الله غنيم، والذي سيُدير القسم الثالث الأهم، وهو قسم المُراسلين، يشترك مع زملائه الذين يُفترض أنهم سيقودون أوركسترا الجزيرة معاً، بأنه عمل مع كُبرى المُؤسسات الغربيّة، منها “BBC”، رويترز، الوكالة الألمانيّة، واللافت بغنيم دوناً عن زملائه، أنه عمل في قناة “سكاي نيوز” عربيّة التي تتبع سياساتها لأبو ظبي، والمحطّة القطريّة لا تزال في الشّوط الأوّل للهُجوم على الأخيرة (أبو ظبي)، غنيم التحق بالجزيرة العام 2012، وبذلك يمتاز بالأقدميّة عن زملائه بعمله في الجزيرة.
ومن غير المعلوم، إن كانت هذه التغييرات في طاقم غرفة أخبار الجزيرة، ستقتصر على المناصب الإداريّة الإعلاميّة في غرفة الأخبار، أم ستنتقل تلك التغييرات، لتطال وجوهاً إعلاميّة شهيرة من المُذيعين، والمُذيعات، على الشاشة القطريّة، والبعض منها شارك في حساباته التواصليّة بحملات التهجّم التي دارت بين قطر، وخُصومها، ولعلّ بعض الأسماء لا تزال عالقة في الذاكرة السعوديّة، والتي قد يكون استبدالها أحد شروط المُصالحة الجديدة، والتي قد تكون حصريّةً، بين السعوديّة، وقطر، وربّما تشهدها قمّة المنامة، أو عقد بديلها في الرياض، نظرًا لموقف البحرين العلني الذي يشترط التفاوض مع الدوحة قبل التصالح.
سياسات “الجزيرة” التحريريّة القادمة، ستكون موضع تساؤل، حول تموضعها من كُل من طهران، وأنقرة، حيث سياسة مُحايدة من الملف الإيراني على عكس شاشة “العربيّة”، أمّا أنقرة، فيكون لافتاً أن الدوحة بدأت تستضيف أبطال الدراما التركيّة على أراضيها، وقد جرى التسويق لأبطال أحد الأعمال حيث يجري تصوير العمل في الدوحة، الرياض كانت قد طلبت من مُواطنيها بشكلٍ غير رسميّ مُقاطعة كُل ما يتعلّق بتركيا، الدوحة فتحت أراضيها لتصوير الأعمال الدراميّة التركيّة، في دعم واضح منها للإنتاج التركي، هذا عدا عن قنوات المُعارضة المصريّة التي تدعمها في تركيا.
طهران، وأنقرة، كانتا أساساً ضمن شرط التصالح مع قطر إن أوقفت الأخيرة علاقاتها معهما، كما واستضافة ضيوف محسوبين على جماعة الإخوان المُسلمين على شاشة “الجزيرة”، على الأقل قد يكون مطلوباً من الدوحة عدم تقديم الدعم الإعلامي للإخوان من السعوديّة، ومنع ظُهورهم على الشاشات، فالأخيرة كانت قد أوقفت خطباء عن عملهم، لعدم تحذيرهم من الإخوان في خطبهم، وبهذا تشترك المملكة مع الإمارات ومصر، في موقفها من الإخوان، إلا إذا قرّرت الرياض التسامح مع الإخوان، والإفراج عن مشائخهم، وعلى رأسهم الشيخ السعودي الصحوي الدكتور سلمان العودة، فلا بد أن يكون للدوحة مطالب لقبول التصالح في المُقابل، أقلّها الاعتذار السعودي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى