فكر وثقافة

“قيود الحركة”.. كبت وإحساس بالعزلة يخترقان حياة الصغار!

الغواص نيوز

حياة صعبة تلك التي يعيشها الأطفال والمراهقون اليوم يعجزون عن فهمها والتأقلم معها. غياب تقبل الأوضاع الراهنة الناتجة عن أزمة “كورونا” وما تحمله من قسوة وتضييق، يمنعهم حتما من استيعاب ضرورة تقييدهم من أجل حمايتهم.
الاضطرار للبقاء طوال الوقت في البيت والابتعاد قدر الإمكان عن المخالطة والاحتكاك بالآخرين، إضافة إلى حرمانهم من القيام باهتمامات وأنشطة كانت تسعدهم وتدخل السرور إلى قلوبهم قبل الجائحة، كل ذلك يسبب لهم العصبية الشديدة والتذمر والإحساس الدائم بالقلق والتسرع والملل وشعور العزلة الذي بات ملازما لأيامهم.
تلك سلوكيات ربما كانت موجودة لديهم سابقا، لكنها بعد ظهور الفيروس وانتشاره تجذرت أكثر وأصبحت أكثر وضوحا، وهذا يجعل إمكانية التواصل معهم أمرا في غاية الصعوبة يتطلب من الآباء والأمهات الصبر والتروي والتفهم وكذلك القدرة على احتواء أبنائهم ومساعدتهم على حل مشاكلهم والتقليل من حدة الآثار النفسية التي قد تلتصق بهم بقية عمرهم وتكون ندوبا في شخصياتهم تسبب لهم الأذى في علاقاتهم ومع أنفسهم أيضا.
الأربعينية إلهام أحمد وهي أم لأربعة أطفال، تجد أن “كورونا كشف الكثير من العيوب والمشكلات التي كنا نتغاضى عنها ونهملها”، تقول “إن هذه الجائحة أجبرت الجميع على أن نضع حياتنا تحت المجهر وننظر لكل ما يحدث معنا بعمق وبجدية أكثر”، لافتة إلى أنها أصبحت تشعر مؤخرا أنها لا تعرف أبناءها أبدا، وأنها غريبة عنهم وغير قادرة على تقبل تصرفاتهم وغضبهم الدائم.
هي تدرك أنهم يمرون بوضع استثنائي لم يسبق لهم أن مروا به من قبل، وتقدر أن هناك أشياء كثيرة افتقدوها بسبب أزمة “كورونا” لم يعد باستطاعتهم الخروج والحركة والذهاب للمدرسة كالسابق، لكنها في المقابل باتت تشعر بالإرهاق والتعب أكثر من أي وقت مضى، وذلك لكون أبنائها يرفضون تقبل الوضع الجديد وتلك القيود التي تمنعهم من أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي بعيدا عن الخوف والقلق.
وتبين أن شجاراتهم زادت في الفترة الأخيرة وأصبحت غير قادرة على ضبطهم والتقريب بينهم، فهم يغضبون لأقل الأسباب ويتخاصمون باستمرار نتيجة تواجدهم مع بعضهم لأوقات طويلة.
وتتفق معها الموظفة إيمان إبراهيم التي بدأت تلحظ أن معظم الأمهات لديهن المشكلة نفسها، وتقول إن هناك حديثا يوميا يدور بينها وبين زميلاتها في العمل يتعلق بتذمر الأبناء من تقييد حريتهن وصعوبة ما يعانينه معهم من نوبات غضب مستمرة وشجارات لا تنتهي. هي عن نفسها ترى أنها مشوشة دائما مهمومة منشغلة بتهدئة الأوضاع بين طفليها اللذين يتشاجران طوال الوقت والخلافات بينهما أشبه بالحرب.
وتبين أن هذا كله يزيد من حالة التوتر الناتجة عن الظروف الاستثنائية التي يمر بها الجميع ويثقل أعباءها هي كأم، إضافة إلى أنه يتسبب حتما في ظهور سلوكيات نفسية على المدى البعيد لدى الأطفال يصعب التعامل معها وتؤذيهم.
ويقول الاختصاصي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة “إن أزمة كورونا فاقمت من حجم الفجوة الحاصلة بين الآباء والأبناء خصوصا المراهقين منهم والأطفال، وهذا حتما وضع الأهل أمام تحديات جديدة تزيد من ضغوطاتهم ومتاعبهم”، موضحا أن رفض الأبناء لتقييد حريتهم وعجزهم عن استيعاب ذلك الكبت والإحساس الدائم بالعزلة يجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم وتتملكهم مشاعر الضيق والقلق ويصبحون أكثر عصبية يميلون للتمرد والعناد في كل شيء.
وذلك لأنهم يكرهون أن يسلبوا حريتهم ويمنعوا من التعبير عن أفكارهم وآرائهم وطرحهم أسئلة يحتاجون لها إجابات تقنعهم وتغرس فيهم روح المسؤولية ضمن حدود معينة دون مبالغة أو تهاون.
ويشير نوايسة إلى أن الأطفال انقطعوا فجأة عن مدارسهم وأصحابهم وأغلب مظاهر الحياة خارج البيت، مبينا أن هذا الحرمان يولد بالطبع حالة من التوتر لدى الطفل كما هي لدى الكبار، وخاصة إذا لم يكن هناك تفسيرات واضحة تحترم قدرات الطفل ومداركه.
وينصح نوايسة بضرورة الاستماع للأبناء والإفساح للحوار النشط معهم وأخذ تساؤلاتهم على محمل الجد، وكذلك إشراك الطفل أو المراهق بالقرارات وتحميله مسؤولية حماية عائلته ونفسه من المرض ما يعزز شعوره بالمسؤولية، وأخيرا عدم إغراق الطفل بالمسؤوليات والمهام الصعبة في هذه الظروف لأن الهدف الأساسي هو تجاوز هذه الأزمة.
وترى الاختصاصية النفسية أسماء طوقان، أن تفشي فيروس “كورونا” والالتزام بإجراءات الوقاية وتطبيقها لفترة طويلة، أثر من الناحية النفسية على الأطفال والمراهقين بشكل سلبي، ما أدى إلى ظهور مشاكل نفسية وسلوكية سواء كان الطفل في سن المدرسة أو ما قبل المدرسة أو المراهقة.
فلكل مرحلة تأثير نفسي سلبي مختلف، وفق طوقان، فمثلا مرحلة ما قبل المدرسة زاد شعورهم بالملل والغضب وضعف في اكتساب المهارات اللغوية والتواصل والاعتماد على الذات بسبب إغلاق العديد من الأماكن التي تتيح لهم فرصة الاحتكاك مع الآخرين، أما في مرحلة المدرسة فقد أصبح الأطفال يشعرون بالضغط النفسي بسبب كثرة الواجبات المنزلية والتعلم عن بعد؛ حيث أصبح أغلب وقتهم منشغلا به وأيضا أثر على التواصل الاجتماعي لديهم البعيد عن محيط الأسرة. كما أن الكثير من الأطفال اعتادوا على العزلة وأصبحوا يظهرون مقاومة أي فرصة لمخالفة غيرهم وازداد تعلقهم واعتمادهم على الأهل بشكل كبير مع تدني القدرة على تكوين صداقات مع أقرانهم وشعورهم بالعجز والإحباط وانخفاض تقدير الذات.
أما في مرحلة المراهقة، فهم بحاجة أكثر للاحتواء والدعم النفسي والمعنوي من قبل الأهل والمحيط الخارجي وخاصة الأصدقاء؛ حيث اعتادوا على مشاركة مشاكلهم معا والفضفضة والتفريغ عما بداخلهم، ولكن مع هذه الجائحة تأثرت هذه العلاقات؛ حيث أصبحوا أكثر عزلة وأشد كتمانا، وإن غياب التواصل بينهم على أرض الواقع انعكس بشكل سلبي عليهم، فالتحدث والتعبير عن النفس وجها لوجه لهما تأثير إيجابي أكبر وأفضل من التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتؤكد طوقان أن إغلاق النوادي الرياضية والترفيهية ضاعف من الشعور السلبي للأبناء؛ حيث كانوا يفرغون طاقاتهم من خلالها ويعبرون عن أنفسهم ويزيدون ثقتهم بأنفسهم أيضا.
أما مشاعر الغضب والعصبية لدى الأهل، فقد ازدادت وأصبحوا أقل تحملا وصبرا على أطفالهم لزيادة الأعباء عليهم من الناحيتين المادية والنفسية، فنرى أن أفراد الأسرة بأكملها يعانون من القلق والحزن والاكتئاب وأصبحوا أكثر مهاجمة لبعضهم بعضا. الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى