الشاشة الرئيسيةمحليات

عمالة الاطفال … ظاهرة مزعجة ام وجع مستديم؟

الدكتور الصحفي عبدالمهدي القطامين

الغواص نيوز

يداه الصغيرتان تنوءان تحت حمله الحديدي الذي يكاد ان يقصف ظهره، ثمة ملامح للتعب والإعياء تبدو على محياه ومهما حاول أن يبتسم تظل وجنتاه ملطختان “بالسخام وبرادة الحديد والكاوتشوك” فيجد أنّ الاستسلام أقرب الطرق للنجاة بينما معلمه (هكذا يسميه) ما فتئ يلقي عليه الأوامر المتتابعة ولا يجد أمامه إلا الإذعان لما يطلب منه، فثمة خمسة دنانير ستطير من بين يديه إن قال (لا) في نهاية العمل المكثف الذي يستمر من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء.
“أحمد ” الطفل الذي ضمّه سوق العمل مبكراً ولم يتجاوز بعد الثانية عشرة من عمره لا يدرك أبداً أن هنالك حقوق ناظمة حرّمت عمل الأطفال، وقوانين وشرائع محلية وعالمية تدين عمله؛ لكنه أمام الحاجة يلجأ للبحث عمّا يقيم أود عائلة مكونة من سبعة أفراد هو أكبرهم من الذكور، حيث والده مقعد عاجز عن العمل هكذا أخبرني حين غافلت صاحب الورشة وسألته لماذا يعمل في هذه السن المبكرة؟، ولماذا لا يذهب إلى المدرسة؟، لكنه أجاب: لا مصدر دخل لأهلي سواي، وكما ترى أنا هنا من مطلع الشمس إلى مغيبها كي أحظى بخمسة دنانير في اليوم اشتري بها خبزاً وطعاماً لإخواني وأخواتي ووالدي المقعد العاجز عن العمل.
“أحمد” مهدد مثل أكثر من ثلاثين طفلاً يعملون في المنطقة الحرفية بالاستغناء عنه من قبل (معلمه)؛ إلا إذا يمّم كل يوم صوب ورشة الميكانيك في المدينة الحرفية على مدخل مدينة العقبة الشمالي وهناك تتلقفه أعمال الميكانيك اليومية في الكراج الذي يحرص صاحبه كل يوم على تفقد أحمد، فإذا تأخر لأيّ سبب؛ فإن يوميته ذلك اليوم ستكون في مهب الريح، وسيعود في المساء خالي الوفاض وأفواه جائعة تنتظره على أحرّ من الجمر.
وبحسب التقرير الصادر عن وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية المستند إلى آخر عملية إحصاء تمت في المملكة، ونتائج مسح عمل الطفل الذي نفّذ عام 2016 من قبل دائرة الإحصاءات العامة، فإنّ عدد الأطفال في المملكة بعمر (5-7) البالغ عددهم (4030384) طفلاً يعمل منهم (69661) طفلاً، ويبلغ عدد الأطفال العاملين في أعمال خطرة حسب نتائج المسح (44917) طفلاً.

وتقوم وزارة العمل الأردنية بدور مهم في محاربة ظاهرة عمالة الأطفال استناداً إلى استراتيجيتها الوطنية التي وضعت لهذا الغرض، فيما تشير إحصائيات الوزارة للنصف الأول من العام الحالي 2022 بأنّ عدد حالات عمل الأطفال التي تم رصدها من خلال الجولات التفتيشية بلغ (172) طفلاً، وقد وجهت الوزارة لأصحاب العمل الذين يشغّلون الأطفال (59) إنذاراً لتصويب الأوضاع فيما تمّ تحرير (49) مخالفة لأصحاب أعمال تمّ إنذارهم سابقاً ولم يلتزموا، وتتراوح قيمة المخالفة على كلّ صاحب عمل ما بين (300) إلى (500) دينار.
وعلى الرغم من أنّ الأردن يعتبر من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي وهي اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين التابعين لها، والاتفاقيات التابعة لمنظمة العمل الدولية (اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم (138)، واتفاقية أسوأ أشكال عمل الأطفال (182))، فما زالت ظاهرة تشغيل الأطفال مستمرة في العديد من المهن الحرفية واليدوية بدافع الحاجة الاقتصادية لعائلة الطفل، وهو الأمر الذي يلاقي في الكثير من الأحيان الإغضاء من قبل الجهات المعنية بتنفيذ القانون خوفاً من قطع مصدر دخل العائلة.
…. ولكن رغم ذلك فإنّ الظاهرة موجودة ومشاهدة لكلّ من يزور مناطق العمل على الرغم من معرفة صاحب العمل بأنه ينتهك القانون، حتى أن المخالفات التي تقوم بها الوزارة لم تردع أصحاب الأعمال عن تشغيل الأطفال في سن مبكرة.
يقول المحامي أحمد اشتيوي بأنّ الدولة الأردنية وضمن سعيها للحفاظ على حقوق الطفل وحمايته استنّت مؤخراً (قانون حقــوق الـطفـل لسنة 2022) والذي جاء استجابة للتعديلات الدستورية الجديدة التي أكدت على حماية الطفولة، ولتعزيز حماية الأطفال ورعايتهم من خلال إيجاد تشريع ينظم العلاقة، وينسق بين الجهات العامة والأهلية والخاصة المعنية بالطفل، أو المكلفة بتقديم خدمات له وفقاً للتشريعات النافذة.
ويوضح اشتيوي بأنّ المادة (21) من القانون نصت صراحة على محاربة ظاهرة عمالة الأطفال أو تعريضهم لأيّ خطر أو أيّ شكل من أشكال العنف والاستغلال أو الاتجار بالبشر أو تعريض الطفل للاستغلال الاقتصادي بما فيه إجبار الطفل على العمل أو التسول.
ويؤكد أنّ هذا القانون يقدم الحماية كاملة للطفولة كنصوص. داعياً إلى أن يتم تطبيق نصوص القانون في كافة الحالات التي تنتهك فيها خصوصيات الطفل وحقوقه من قبل أيّ جهة للقضاء على ظاهرة عمالة الأطفال التي تؤدي إلى التسرب من التعليم؛ بما يفاقم خطورة نشوء جيل غير متعلم وغير قادر على مجاراة ما يحدث من حوله من تقدم وتطور في كافة مناحي الحياة .
ويشير تقرير مشترك لمنظمة العمل الدولية واليونيسف صدر في نهاية عام 2021 إلى ارتفاع عمالة الأطفال حول العالم إلى (160) مليون طفل -أي بزيادة قدرها (8.4) مليون طفل خلال السنوات الأربع التي سبقت سنة التقرير، وقد ساهمت جائحة كورونا بزيادة أعداد الأطفال الملتحقين بالعمل تحت ضغط الحاجة الاقتصادية وتراجع مداخيل الأسر التي توقف أربابها عن العمل جراء الجائحة.
وتثور الكثير من التساؤلات وسط الجهات المهتمة بعمل الأطفال سواء المحلية أو الدولية عن الأسباب الحقيقية لعمالة الأطفال، لكن جلّها يتمحور حول الأسباب الاقتصادية، فالطفل المرفّه والذي تمتلك عائلته دخلاً مناسباً يكفيها أعباء المعيشة لا يلجأ أطفالها أبداً للشغل أو العمل بل ينحصر عملهم الرئيس في التحصيل العلمي ومتابعة دراستهم، وإذا كانت كلّ تلك الجهات تسعى إلى القضاء على ظاهرة عمل الأطفال، فإنّ أولى الخطوات تبدأ من الاهتمام بالأسر المعوزة والتي تعيش تحت خط الفقر عبر تفعيل صناديق التنمية الموجهة للأسر الفقيرة، ورفدها بالمخصصات اللازمة للإنفاق منها على تلك الأسر، وإلا ستظل ظاهرة عمالة الأطفال ظاهرة مؤرقة للأطفال وللمجتمع، وتؤدي إلى الخروج المبكر من التعليم الذي هو حق لكلّ طفل على وجه هذه الكرة التي باتت تنفق على التسلّح والقتل والتشريد عشرات أضعاف ما تنفقه على التنمية المجتمعية ومحاربة الجوع المؤدي إلى استفحال الظاهرة في كافة المجتمعات، وتحديداً المجتمعات الشرقية والمجتمعات في الدول الأكثر فقراً والاقل تنمية والأكثر ديوناً لمختلف الجهات المقرضة والتي باتت تتحكم في مصير الشعوب بشكل عبثي ودرامي في آن واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى