الشاشة الرئيسيةمحليات

ضغوطات “كورونا” تحول ردود الأشخاص لـ”قنابل موقوتة”

لم تمر أزمة فيروس “كورونا”، إلا وتركت تأثيرها على نفسية كل فرد، وزادت من ضغوطاته ومتاعبه، لتصبح ردود فعله على أي أمر متسرعة وخارجة عن السيطرة والتحكم، وإن كان الأمر بسيطا.
الشعور بالقلق المستمر طوال الوقت، أفقد الكثيرين هدوءهم واتزانهم وجعلهم دائمي العصبية والتوتر يثورون لأبسط الأسباب وقد يسيئون أيضا لبعضهم، كل ذلك يحدث، من دون أن يشعروا أو يكترثوا بحجم الألم الذي يشيعونه في القلوب.
“كورونا”، كأزمة، لم تبق شيئا على حاله اصطدمت بأدق التفاصيل، كما جاءت على طباع الشخصيات وغيرت فيها أيضا، وجعلت من ردود الأفعال قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة ودون أي مقدمات أو حتى تبريرات مفهومة مقنعة تفسر حقيقة تلك الانفعالات المؤذية غالبا.
الموظف حازم محمود يصدمه مؤخرا التحولات التي بات يلحظها في شخصيته وسلوكه مع الآخرين. يقول إن هناك اختلافا كبيرا طرأ على شخصيته في الفترة الأخيرة نتيجة شعوره الدائم بالضغط والإرهاق وجراء انتشار فيروس “كورونا”.
تلك المشاعر لم تعد تفارقه نهائيا، فقد جعلت منه شخصا عصبيا لا يستطيع أحد التكلم معه أو مناقشته في أي موضوع لأنه سرعان ما يثور ويبدأ بالصراخ، لافتا إلى أنه قبل ظهور الجائحة كان يعرف بهدوئه وردوده المتزنة الرصينة، هو يرى بأن كل شيء حوله بات يستنزفه ويستفزه ويبعده تدريجيا عن نفسه وعن طباعه.
ويبين أن زملاءه في العمل أصبحوا ينزعجون من عصبيته وردوده السريعة غير المحسوبة والتي كثيرا ما تتسبب في أذيتهم. ويعترف حازم أنه لم يعد قادرا على تحمل الوضع الحالي الصعب وما يرافقه من إحساس دائم بالخطر، وهذا حتما كله يدفعه للتعاطي مع الأشخاص والأحداث بطريقة مغايرة تماما لطبيعته الهادئة والحكيمة التي تمتاز بقدرتها على استيعاب الكثير والصبر على أمور قد تكون في مجملها متعبة بالنسبة له، إلا أنها في نظره تهون أمام تحديات “كورونا” وتفاصيلها القاسية التي تحكمت بحياة الجميع.
لكل شخص قصته الخاصة مع “كورونا” تتشابه مع غيرها وإن بدت مختلفة ظاهريا، مؤكدا أن ضغوطات “كورونا” وتأثيراتها طالت الجميع لم يفلت أحد منها.
وتعاني الخمسينية أم أسامة أيضا من المشكلة نفسها؛ إذ لم تمر أزمة “كورونا” مرور الكرام، بل كانت لها بصمة في كل شيء حولنا، كما تقول، الضغوطات الكثيرة التي لا تنتهي وطول المدة والغرابة في كل ما يحدث أمور جعلت منها عبئا ثقيلا وهاجسا مقلقا يزعزع سكينة الأفراد واتزانهم.
وتوضح أنهم كعائلة متحابة متماسكة يحترمون بعضهم بعضا ويؤمنون بالحوار كوسيلة تفاهم لم يسلموا جميعا من تأثيرات الجائحة على حياتهم. وتلفت إلى أنها في الفترة الأخيرة أصبحت تشعر أن ردود أفعال أبنائها اختلفت كثيرا، فهم لم يعودوا أبدا كالسابق وأصبحوا هجوميين ينفعلون على أبسط الأشياء وأحيانا حتى من دون أسباب.
هي أيضا تغيرت، ففقدت شيئا من هدوئها وباتت عصبية باستمرار، تنتظر الآخر على زلة بسيطة، كما أن ردودها السريعة هذه وغير المحسوبة أثرت على علاقتها بزوجها ولم تقتصر فقط على أبنائها.
ويرى المتخصص النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن الإنسان بطبيعته مع وجود ضغوطات أو أزمات لا يمكنه التعامل معها فكريا وثقافيا بالشكل الصحيح بسبب عدم مرونته وتكيفه غير الكافي، وبالتالي تصدر عنه ردود سريعة غير منضبطة.
ويذهب الى أن الشخص يختلف في تقبله الضغوطات وتحمله، كل حسب قدراته ومهاراته وطاقته الاستيعابية ودرجة التوازن النفسي التي يتمتع بها، موضحا أنه يستنكر تماما تعليق كل الأخطاء على شماعة “كورونا” رغم أنه لا ينفي تأثيرها الكبير على الأشخاص والمؤسسات والدول.
ويشدد على ضرورة التعامل مع الأزمة بطرق جادة وبموضوعية والابتعاد عن المبالغات وتحميلها مسؤولية كل شيء يحدث، مؤكدا دور الواعي في الخروج من المأزق وتخطي كل التحديات الناتجة عن “كورونا”، وذلك بالصبر وتقدير الأمور جيدا والالتزام بالقوانين والتيقن بأنها مرحلة مؤقتة لا بد لها أن تنتهي.
ويقول الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان “إن انتشار وباء كورونا وما رافقه من إجراءات ترك آثاراً متعددة نفسية واجتماعية وصحية واقتصادية، كما كانت له آثار سلبية على مختلف القطاعات”.
وربما من أخطر الآثار التي بدأت بالظهور؛ الآثار الاجتماعية والنفسية لارتباطها بالجوانب الأخرى، ويتمثل ذلك بأمور عدة منها ردود الأفعال والتصرفات التي يبديها البعض تجاه مواقف بسيطة سواء داخل الأسرة أو مع زملاء العمل، وخصوصاً عندما تكون هذه التصرفات من أشخاص عرفوا بالهدوء والاتزان.
الظروف الصعبة، كانتشار وباء “كورونا”، تتطلب تفهم هذه الظروف ومتطلباتها وأنها ظروف مؤقتة تتطلب إجراءات وقائية والمسؤولية فيها مشتركة بين الجهات الرسمية والأفراد، وإدراك ذلك يجعل لدى الشخص استعدادا للصبر والتحمل لتجاوز المرحلة.
والصبر قيمة أخلاقية عظيمة تجعل الإنسان قادراً على تحمل تقلبات الحياة ويكون أكثر قدرة على مواجهة الصعاب والتعامل مع المشكلات، والصبر كذلك يجعل من صاحبه أكثر توازناً واعتدالاً ويقلل من تعرضه للضغوط النفسية.
الضغوط النفسية تسبب الشعور بالقلق والانفعال، ما يؤثر ليس فقط على نفسية الشخص وصحته بل وعلى علاقاته مع الآخرين، وحتى يستطيع الشخص التخفيف من الضغوطات وأثرها فعليه الاهتمام بإدارة الوقت والاستفادة منه بالنافع من العمل، وإدامة التواصل مع الآخرين حتى وإن كان ذلك بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي والتقليل من متابعة أخبار “كورونا” وأعداد الوفيات والإصابات وتخصيص وقت للرياضة والترفيه ضمن ما هو متاح.
ووفق سرحان، من المهم أن يتفاءل الشخص بالمستقبل وأن الظروف الصعبة مؤقتة، ونظرة التفاؤل والاستبشار بالمستقبل تجعله يتوقع الأفضل وأكثر قدرة على التحمل ويكون أكثر نجاحاً في حياته وعلاقاته مع الآخرين.
وفي المقابل، فإن هذه الظروف تتطلب من الجميع استيعاب الآخر والتجاوز عن الزلات والهفوات، وقدرا أكبر من التسامح والمغفرة، وهي صفات الكبار، فالعلاقات تقاس بعمرها وقدمها، وعلينا جميعاً أن لا نسمح لظرف طارئ أن يتحكم في علاقاتنا، فالشدائد تدعونا الى التحمل، والقدرة على امتصاص غضب الآخرين لا يعد تنازلاً، بل هو حكمة وحسن تصرف، وهو مطلوب أكثر في ظروف الشدة.
كما يؤكد سرحان أن التجاوز عن أخطاء الآخرين يترك أثراً طيباً في النفوس ويدفع الشخص إلى مراجعة نفسه وتصويب خطئه وقد يدفعه إلى الاعتذار عن الخطأ، وأن علاقتنا الاجتماعية مهمة وهي رصيد ثمين يصعب تعويضه، لذا ينبغي الابتعاد عن مواقف الاستفزاز والنقاشات الحادة.
وفي كل الأحوال، فإن التفكير قبل الحديث يساعد على تقنين ردود الأفعال، وعدم التعرض للتعب والإرهاق لفترات طويلة ومغادرة المجلس عند الشعور بالغضب لفترة من الوقت والاستماع للآخرين والمبادرة للاعتذار في حالة الإساءة للآخرين.( الغد )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى