اللقاح و”مفطرات رمضان”.. قضية تتصدر الجدل

مع تزايد وتيرة الإقبال على تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا في مختلف دول العالم، عمدت غالبية دور الإفتاء في العالم الإسلامي إلى إصدار فتاوى تؤكد أن اللقاح “لا يعد من المفطرات في الصيام”، كما أكدت ذلك دائرة الإفتاء العام الأردنية.
وأوضحت دائرة الإفتاء أن “أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا، لا يعد من المفطرات في شهر رمضان المبارك”، وهو الأمر الذي يؤرق الكثير من الأشخاص المقبلين على أخذ اللقاح خلال الفترة المقبلة بالتزامن مع حلول شهر رمضان، كونه العام الأول الذي يتم فيه أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا”.
بيد أن دائرة الإفتاء كانت قد أوضحت في فتواها الخاصة بهذا الشأن أن “من تظهر عليه أعراض جانبية جراء المطعوم ولا يستطيع معها الصيام، فيجوز له حينها أن يفطر لأخذ الدواء المناسب، وعليه قضاء ما أفطر، لقوله تعالى: “فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ”.
هذه الإجازة، تناولها كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث عبر البعض ممن حصلوا على اللقاح ولم يحدث لديهم أعراض جانبية، أن اللقاح لا يسبب مخاطر صحية، فيما رد آخرون بأن هناك حالات حدثت لديها أعراض جانبية وقوية، واحتاج الفرد لعناية ومسكنات لأيام عدة.
هذا الحوار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دفع بالكثير من دور الإفتاء في مختلف الدول الإسلامية لإصدار توضيح مفصل حول الرخص التي يمنحها الشرع للإنسان في إفطار أيام من شهر رمضان المبارك، بحسب الحالة الصحية التي يمر بها، حيث صدرت فتوى عن مفتي عام السعودية، قال فيها إن لقاح كورونا ليس مفطرا للصيام.
في حين صرح الإفتاء العام في الأزهر “في مصر” أن “لقاح كورونا لا يفطر الصائم في نهار شهر رمضان، كون اللقاح يدخل الجسم عن طريق الحقن، وليس الفم، وأن جميع لقاحات كورونا التي أنتجتها الشركات العالمية مثل فايزر، وسبوتنيك V، وغيرهما، تعمل عن طريق حقن لتحفيز جهاز المناعة وإعداده للتعامل مع فيروس كورونا داخل جسم الإنسان”.
وفي الوقت ذاته، عمد كثيرون إلى نية تأجيل الحصول على اللقاح إلى ما بعد شهر رمضان المبارك، خوفاً من حدوث أعراض جانبية تستدعي حصولهم على العلاج الطبي، واضطرارهم إلى الإفطار في رمضان، في الوقت الذي يرى فيه آخرون أن تقديم الصحة بات أمرا واجبا، كون الحصول على اللقاح قد يساعد على الحد من انتشار الجائحة وعدم نقل العدوى للآخرين.
أستاذ الفقة والشريعة الإسلامية الدكتور منذر زيتون، يقول في هذا الشأن، إنه لا يوجد في الدين تكليف إلا من خلاله تحقيق مصلحة فُضلى للناس والمجتمع ككل أو درء مفسدة، لذلك قال العلماء إن أحكام الشريعة “مُغياه” أي أنها ذات غاية سامية، وهذا يلخصه قول الله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، فالدين هو دين رحمة.
لذلك، يبين زيتون أنه إذا ما كان الحكم الشرعي لم يؤد إلى تلك المصلحة وإنما أدى إلى مفسدة، فالعلماء قالوا إن هذا التكليف يوقف ولا يجوز العمل به، لأنه سيؤدي إلى غاية لم يقصدها الشرع ولا يريدها، وبالتالي الصيام مثلاً واجب وتكليف شرعي، لأنه يؤدي إلى منافع للناس من صحة ورفع مستوى الروحانية، وتقليل التمسك بالمادة وتقريب الناس إلى الله والمغفرة من الذنوب.
ولكن، في حال أدى الصيام إلى ضرر بالناس، فهنا شرعاً لا يجوز العمل بالتكليف ولا يجوز الصيام، لأن ذلك سيؤدي عكس المقصود منه أصلاً، والدين لا يُشرع المفسدة، وبالتالي هذه قضية مهمة بأن الأشخاص الذين “يعاندون الوضع الصحي لهم ويصرون على الصيام بوجود أعراض مرضية” هو أمر غير مقبول، كما يؤكد زيتون، بل إن الشخص لا يؤجر هنا على صيامه.
ووفق زيتون، فإن العلماء حددوا للدين خمسة مقاصد وهي؛ “حفظ الدين، النفس، والنسل، والعقل، والمال”، وأي فعل يؤدي إلى مفسدة في هذه المقاصد فلا يجوز العمل به، والصيام في هذه الحالة غير مقبول، ولا ينبغي للإنسان أن يتشدد في حق غيره وحق نفسه، والله تعالى قال “لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة”، والله أرحم من بعض الناس على أنفسهم، وعلى الإنسان أن لا يعمل على شيء مضر.
وينصح زيتون الأشخاص الذين لا يستطيعون الصيام أو يكون ذلك بـ”مشقة”، أن يكونوا رحماء بأنفسهم كما كان الله رحيما بكم، والله يحب أن تؤتى رخصه وأن يفطروا نهار رمضان، وإذا استطاعوا القضاء بعد رمضان فذلك أمر عظيم وله الأجر، وإن لم يستطيعوا فعليهم دفع فدية من طعام مسكين، وهنا يكون تحقق الأمر دون ضرر ولا ضرار.
استشاري الأمراض الصدرية والتنفسية الدكتور عبدالرحمن العناني، يؤكد أهمية تعريف معلومة مهمة لمرضى كورونا الذين قد يصابون خلال شهر رمضان بأن الصحة الجسدية تقتضي الإفطار أيام الإصابة بالمرض، لما لذلك من أهمية في حماية المريض من تطور حالته الصحية للأسوأ، كونه بحاجة إلى تناول السوائل بشكل متكرر ودون توقف، حتى لا تتضرر الكلى والجهاز التنفسي لديه.
ويبين العناني أن مريض كورونا قد يصاب بتراكم “البلغم”، ما قد يسبب إغلاق في القصبات الهوائية، ويضاعف ضيق التنفس لدى المريض، وهذا أمر كذلك دفع بمفتي عام المملكة الدكتور عبد الكريم الخصاونة إلى إجازة إفطار مصاب كورونا في رمضان، والقضاء بعد رمضان، وقال “على المصابين بكورونا الإفطار في رمضان إذا أخبرهم الطبيب بذلك وأن لا يغتروا بقوتهم”.
ولمن تلقى اللقاح، أكد العناني أن هناك حالات قد تصاب بمضاعفات بسيطة ومتفاوتة جراء أخذ المطعوم، بحسب مناعة الجسم، وهنا يحتاج الشخص إلى مسكنات ألم، لمن لديه القدرة على التحمل وأخذ المسكنات خلال المساء والإفطار، كان له ذلك، ولكن هناك حالات تستدعي الحصول على المسكنات طيلة النهار، ليساعدهم على تجاوز الحالة التي يشعرون بها من ألم، وهي أمر مؤقت لا يتجاوز بضعة أيام، بعكس مريض كورونا الذي يحتاج للأدوية والسوائل طوال اليوم.