الشاشة الرئيسيةفكر وثقافة

ساق البامبو رواية عربية بنكهة عالمية


د. عبدالمهدي القطامين

منذ قرأت رواية البؤساء لفيكتور هيجو قبل اكثر من 35 عاما وانا انتظر ان تأخذني رواية اخرى الى تلك العوالم التي اوجدها هيجو في روايته الشهيرة حتى تسنى لي قراءة رواية سيقان البامبو لسعد السنعوسي “الكويتي ” فوقفت بين مصدق ومكذب لحجم هذه المعاناة الانسانية التي رصدها سعد في روايته المنشورة اواخر عام 2012 .

” لماذا كان جلوسي تحت الشجرة يزعج أمي؟ أتراها كانت تخشى أن تنبت لي جذور تضرب في عمق الأرض ما يجعل عودتي إلى بلاد أبي أمرا مستحيلا؟.. ربما، ولكن، حتى الجذور لا تعني شيئا أحيانا.

لو كنت مثل شجرة البامبو.. لا انتماء لها.. نقتطع جزءا من ساقها.. نغرسه، بلا جذور، في أي أرض.. لا يلبث الساق طويلا حتى تنبت له جذور جديدة.. تنمو من جديد.. في أرض جديدة.. بلا ماض.. بلا ذاكرة.. لا يلتفت إلى اختلاف الناس حول تسميته.. كاوايان في الفلبين.. خيزران في الكويت.. أو بامبو في أماكن أخرى ” .
رواية سعد هي تساؤل عن الهوية هوية الاسم هوية الوطن هوية الدين فبطل الرواية الذي ولد لام فلبينية واب كويتي بزواج عرفي ظل طيلة الرواية يسأل دون ان يجد الاجابة الشافية فلماذا عمته تصر على رفضه فهل الذنب كان ذنبه ام هو ذنب الاسرة التي ترى نفسها اسرة برجوازية لا يليق ابدا بان يتزوج ابنها من خادمة
وغسان صديق راشد والد عيسى بطل الرواية هو الاخر كان ذنبه ان يكون ممن يطلق عليهم البدون في الكويت وهؤلاء يراهم الاخرون على انهم طبقة هلامية لا تمت بصلة للبشرية وبالتالي فمن غير الجائز ان يتزاوجوا من مواطنين وهو الذي حدث مع غسان حين احب شقيقة صديق عمره راشد ” هند ” .
سؤال الهوية هو هاجس الرواية والانسانية كانت مدار بحث الكاتب الذي ابدع في رواية سلسة رقراقة صافية تنحاز الى الانسان بغض النظر عن دينه وجنسه ومعتقده وان كانت الرواية نالت جائزة البوكر عام 2013 فانني لو كنت ممن يرشحون لجائزة نوبل للاداب لرشحتها دون اي تردد فهي رواية عربية لكنها عالمية من حيث المضمون والدراما .

تدور أحداث هذه الرواية عن شاب ولد من خادمة فليبينيّة تعمل لدى عائلة كويتيّة أحبها الرجل الوحيد لهذه العائلة وهو “راشد”، وقد تزوجها خفية عن أهله. عندما عرف الأهل بسر هذا الزواج والطفل أصرّوا أن يتخلى الزوج عن زوجته وطفله، لأن ذلك، وحسب المجتمع الكويتي، يشكل عاراً للطبقة الغنية المعروفة هناك.
فكان أهم شي لديهم الصيت وليس المال حسبما يقولون. نشأ هذا الشاب “هوزيه” أو “عيسى” في موطن أمه في مانيلا- الفلبين نشأة فقيرة ينتظر أن يأخذه أبوه إلى الجنّة (الكويت) كما وصفتها له أمه، فقد كان كلما تصعب عليه الحياة في الفلبين يتذكر بأن هناك جنة تنتظره في الكويت فيصبر، وخلال هذه الفترة كان “هوزيه” يبحث عن نفسه أو ماهية شخصه وعن دينه وعن وطن يحتويه.
هوزيه لم يعرف دينه هل هو المسيحية مثل أمه أو الإسلام لأنه سيذهب إلى الكويت ؟ … ينتهي المطاف ب “هوزيه” بأن يجد أباه قد فارق الحياة أثناء حرب الخليج بين الكويت والعراق، ولكنه يعود إلى الكويت عن طريق صديق والده “غسان” ليجد نفسه في عالم غريب ومختلف جدا عما سبق، طبعا كما رفضت جدته قدومه إلى منزلها وهو صغير رفضته أيضا وهو كبير جاحدة به، لكنها كانت تخبئ في أعماقها حبها له لامتلاكه صوت أبيه ولأنه الرجل الوحيد الذي يحمل اسم العائلة “الطاروف”، لكن كما ذُكر سابقا، في الكويت الصيت أهم من المال.
عاملته جدته كأنه شاب فيليبيني ورتبت له غرفة في ملحق البيت كالخدم، ثم اكتشف هوزيه أن له أختًا من أبيه اسمها “خولة” فيسعدان هما الاثنان بهذا النبإ. كانت خولة بمثابة المعجزة التي أنقذت هوزيه من رفض جدته لما كانت جدته تكن المحبة لأخته “خولة”، يوما بعد يوم أصبحت جدته ترق له وتظهر مودتها أكثر. لكن هوزييه كان يشعر بالوحدة بسبب عدم اعتراف عائلته به؛ فلم يشاركوه في الأعياد ولم يخالطوه بالعائلة وأيضاً لم يعرف ما هو دينه بسبب فكرة قد تكون وصلت بشكل خاطئ عن الإسلام والداعين له، سطحية الدين في المجتمعات، وأيضاً هو لم يعتبر أن الكويت وطنه لأنه لم يشعر بجو العائلة والأمان فيها؛ فهو لم يتخط شكل وجهه الفيليبينيّ. في النهاية فضح سر العائلة بأن لها ابنا فيليبينيا وسرعان ما انتشر الخبر، فقرروا طرده من البلاد.

اخيرا شكرا لسعد السنعوسي فقد اعدت للرواية زمنها الجميل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى