الشاشة الرئيسيةفكر وثقافة

الشاعر المصري احمد الشهاوي يرثي الشاعر الراحل جريس سماوي

الشاعر احمد الشهاوي / مصر
جريس سماوي
ومن سيحرسُ حقلَ الحُبِّ سواكَ ؟

لا فضلَ ستنالهُ سواءً متَّ يوم الخميس أو في يومٍ آخر سواه من أيام الأسبوع .

إنه الموتُ ، الذي لا موعدَ له ، ولا حين ، لا ينذرُ ، ولا يكتبُ رسالةَ تنبيهٍ مسبقة ، لكنه يفاجئ ويصعقُ ، ويضربُ ضربته.

الخبر أنك ذهبتَ إلى الصَّمتِ سريعًا ومفاجئًا ، ودون توقُّعٍ من أحدٍ ، لم تمرض ، ولم تتعب ، رأيتُك عبر “كاميرا الماسنجر ” ، وأنتَ شجرة كافورٍ سامقة ، هل هي وفاة شقيقك سليم الذي مات قبلك بعشرين يومًا ؟
هل تخلخلت جذورُكَ إثر وفاة أبيك ، هل صيَّرك الحُزن هشًّا ، وأنت القويُّ ، حارسُ الحُبِّ ، وأمين خزائن الصداقة والأصدقاء .
أنا لا أبكي جريس سماوي الشَّاعر (22 من ديسمبر 1956 – 11 من مارس 2021) ، ولا الوزير ، ولا المثقف ، ولا ” الفحيصي” ، حيث صارت ” الفحيص ” جزءًا من ذاكرة روحي ، ولا ” الأردني ” حيث قدمت لي ” الأردن ” الكثير منذ سنة 1994 ميلادية ، حينما التقيتك أول مرةٍ قبل أن تصير نائبًا لمدير مهرجان جرش (1997-2001) ، الذي ستصير مديره لسنواتٍ ، قبل أن تصير وزيرًا للثقافة سنة 2011 ميلادية ، متخليًّا عن جنسيتك الأمريكية ، حيث عشتَ ودرستَ سنواتٍ طويلة في نيويورك ( درستَ الأدب الإنجليزي والفلسفة وفن الاتصالات الإعلامي ) ، مدينتك التي كنا سنكونُ ضيوفًا على مهرجانها العالمي للشِّعر بصحبة حسن نجمي – الذي أخبرني بموتك ، حيث صحوت متأخرا اليوم – صديقنا الذي وثقت في إخوته ، ونبله ، وجمال روحه ، واستعنا به وقت الشَّدائد والمِحن .

ولكنَّني أبكي أخًا امتدَّت علاقتي معك سبعة وعشرين عامًا .
هناك على مكتبك – الذي رأيتك جالسا خلفه آخر مرة ملفاتٌ مفتوحةٌ – ، وأوراقٌ لم تطو ، وقصائدُ لم تتمها ، وأخرى لم ترض عنها ، ونصوصٌ ما تزال قيد الكتابة ، وأخرى كنت تحكِّكها وتشذِّبها ، أنت القلِق الموسوس ، الخائف مثلنا جميعًا من غضبة الحرْف ، والمرتعد من وهج القصيدة .

رُحتَ إلى مكانٍ ثانٍ ، تخليتَ عن قصيدتك إلى ظلك ، وتركت الأعنابَ وحدها يتيمةً ، وغادرت ” الفحيص ” وهي قفراء من بعدك رغم كُرومها ، تبكي على القدس من علٍ ، وهي التي حلمت باستعادتها .

أنا الذي رأيتُ القدس ، وأضواءَ فلسطين من بيتك .

أما كنا معًا قبل أيام في حديثٍ مطوَّل ، عن ديوانك الجديد ، وعن سفرنا المقبل معًا إلى نيويورك ، وعن أحمد ابني الذي استحم معنا في البحر الميت يوم قُدَّتنا في سيارتك إلى هناك ، وكنتَ وزيرًا للثقافة في الأردن. وعن رحلاتنا إلى إربد ، ومأدبا ، والمفرق ، والزرقاء ، جرش ، العقبة ، ومدن وأماكن أخرى كثيرة لا تُنسى.

مازحتكَ كثيرًا قائلا : ( يا جريس ، لا تدع كتابك الشِّعري الأول والوحيد ” زلة أخرى للحكمة ” هو الزلة الوحيدة في حياتك ، نريدُ زلاتٍ أخرى ، لتقصمَ ظهر المرض والموت ) .

أعرفُ أن ديوانك الثاني جاهزٌ للنشر ، وسينشرُ في القاهرة بالتوازي مع عمَّان كما أحببتَ ، فلا يمكن أن أخلفَ لك وعدًا قطعناه معًا .

من سيرعى الفرح بعدكَ
ومن سيحرسُ حقلَ الحُبِّ سواكَ ؟
من سيعزفُ لحنكَ البدائيَّ في خفةٍ ، و” ماشا ” لم تعُد في فضائكَ ، ولا ندري لها موطنًا ؟
أعرفُ أنك داريتَ وحشتكَ وضياعكَ ، وأشعلت حطب قلبك كثيرًا وطويلا ، لكنَّ الموتَ ليس هو المنقذ من ضلالنا .

كم من خيولٍ سرقتها ليلا وسُقتها نحو القدس
وكم من ظلالٍ ظننتَ أنها المتنُ
وكم من نساءٍ جرحن ورُحن وعِشنَ متنقلاتٍ بين هامشك ومتنك .

الآنَ ” الهواءُ كسولٌ ” ، وليس سوى الموتِ في الطرقات .

أعتذرُ ، فموتك فاجأني ، ولن أكونَ معك في ” الفحيص ” لأودِّع طيورك ، وأنصِتَ إلى منطقها ، وتغريدات بجعاتها الأخيرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى