الشاشة الرئيسيةمقالات

الأردن: من الوطني.. الغني أم الفقير؟

سهير فهد جرادات
من الأكثر وطنية.. الغني أم الفقير؟ سؤال أصبح مطروحا بكثرة في هذه الأيام.. أو سؤال نطرحه على أنفسنا في ظل حالة “التشويش الوطني” التي نشهدها بعد شيوع المتسلقين والوصوليين والمتنفعين وانتشار السحيجة!
هل الفقير أكثر وطنية؟ الذي على الرغم من فقره وحرمانه من العدالة، إلا أنه يتمسك بالوطن ويدافع عنه، فهو لا يمتلك ثروات مهربة الى ملاذات آمنة، وكل ما يملكه هو قلب نابض بالحب للوطن، لا يملك جواز سفر ثان، ويغلب المصلحة العامة على مصالحة الشخصية.. أم هل الغني أكثر وطنية؟ حيث تتركز السلطة في “قبضته”، وهو الأكثر تمتعا بخيرات الوطن، ويريد ان يحافظ على الوطن كونه مصدر الثروات والجاه والسلطة.
هل جميع الفقراء وطنيون؟ وجميع الأغنياء غير وطنيين؟ بالتأكيد، لا.. لأن الأصل أن حب الوطن يجب ألا يكون مقرونا بالجوع والشبع، لأن الوطنية لا ترتبط بالمستوى المعيشي والوضع المادي.. والوطنية لا تفرق بين غني وفقير، لان الأصل ان الاثنين يرتجفان خوفا على الوطن.
لذا علينا أن نفرق بين الغني الأصيل والغني الفاسد وبين الفقير صاحب عزة النفس والكرامة والفقير الحاقد.. حيث يوجد فقير وطني حتى النخاع.. وفقير حاقد غير وطني وغير منتم.. كما يوجد غني يبحث عن المكتسبات.. وغني يرتجف خوفا على الوطن لانه تربى على حب الوطن والحفاظ عليه.

لكن للأسف أصبح من الدارج ان “الوطن للأغنياء، والوطنية للفقراء”، بعد ان تحول الوطن الى “منفعة” بيد بعض الأغنياء “المتنفذين”، الذين يعيثون به فسادا ينعكس عليهم بالنفع المادي ليزدادوا غنى.. الوطنية في الغالب من نصيب الفقراء الذي لا يحصدون الا مزيدا من المعاناة والظلم ولا يجنون إلا القهر، مما يجعلهم محكومين بالفقر إلى الأبد، لان ثروات الوطن بيد الفاسد الذي يتحكم ويتمتع بها، فيما هي محرمة على الوطني الذي يحب الوطن ويريد هذه الثروات له ولغيره.
في الختام، الوطن ليس رقما وطنيا.. ولا “كومة دفاتر وبطاقات” تعلن أنك تنتمي للوطن.. ولا بقعة أرض نعيش عليها.. ولا منطقة جغرافية اجبرتنا الظروف ان نكون فيها او ان نرحل اليها.. الوطن ليس حفنة تراب، أو قطعة قماش ”علم” يزين دوائرنا ومكاتبنا وصورنا، ولا “سلام أو نشيد وطني” نقف “اوتوماتيكيا” له ونؤدي التحية و”نصفق” له دون أن تمتزج مشاعر العز والفخار والانتماء، وليس “أغاني وأهازيج وأناشيد” وطنية تقسم المقسم من الوطن وتفرق شماليه عن جنوبيه، وغربيه عن شرقيه.
الوطنية أن تحب الوطن وتعشقه، تخاف عليه وتدافع عنه وتعلن ولاءك وانتماءك له.. وأن تجسد ذلك في أقوالك وأفعالك وتصرّفاتك وحتى في نظرات عينيك.. وان تقف لكل فاسد وأن تدافع عن مقدراته.. والوطنية لا صلاحية لها وغير محدودة الأجل، الوطنية لا تنتهي بانتهاء المصالح والمنافع والمكتسبات، نمدح الوطن اذا استفدنا منه ونذمه اذا قصرت معنا الحياة.. والأهم، علينا ان نفرق بين الوطنية وبين التمجيد والتسحيج.
كاتبة وصحافية أردنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى