فكر وثقافة

مبدعون وشعراء: 2020 عام العزلة والصمت!

 يصف مبدعون وشعراء 2020، بـ”عام العزلة والركود” اللذين تسيدا المشهد الثقافي، بسبب تعطل النشاطات الثقافية والفنية؛ فلا معارض للكتاب، أو أمسيات شعرية، إلى جانب توقف اللقاءات الثقافية، والندوات والمؤتمرات الفكرية. فبات الصمت “مقفلا” على جميع المشاريع والنشاطات، ولا عزاء للثقافة في العام 2020.

ويرى مبدعون أن هذه العزلة جعلتهم ينشغلون بالقراءة والكتابة وإنجاز مشاريعهم الإبداعية، فالوضع مؤلم، ويلقي بظلاله على الأفراد والحركة الثقافة والإبداعية، وعليه أمسى المشهد يعاني من الركود والخمول والتهميش، ولم يعد الحديث عن الثقافة يشغلهم.
بينما يقول بعضهم إن صفارات الإنذار في العام 2020 أعادت لذاكرتهم أيام حرب حزيران (يونيو)؛ حيث كان يهرب الجميع إلى الملاجئ شيوخًا ونساءً وأطفالًا، كلما سُمع صوت صفارة الإنذار. أما في زمن “كورونا” فصفارات الإنذار لا تجمع الناس في الملاجئ، بل تفرّق وتباعد بين الأحباب.

فيما وجه بعضهم دعوة إلى الابتكار وخلق إبداع يتعايش مع المتغيرات، فهذا دور المبدع في الظروف الاستثنائية؛ إذ عليه أن يبث روح الإيجابية والأمل والتحدي بين الناس لتخطي هذه الجائحة بسلام.
الروائي والشاعر جلال برجس، يرى أن العام 2020 كان محملًا بكثير من الخسارات؛ خسارتنا لكتّاب رحلوا عن عالمنا، وأناس فارقونا جراء فيروس يقف في وجه حياتنا ويهددها، فتغيّر كل شيء، وبات التغيير مرشحًا للتزايد في مختلف عناصر عيشنا، فلا معارض كتب، ولا ندوات، ولا لقاءات، ولا غيرها من أنشطة يحتاجها الكاتب للمضي في دربه. بتنا غرباء عن بعضنا بعضا، حتى أيادينا باتت غريبة عن أيادي من نحب، وكأن هذا الفيروس يريد اختزال إنسانيتنا.
ويشير برجس إلى أنه على الصعيد الشخصي تابع القراءة، والكتابة، والتأمل، والتواصل عن بعد مع الآخرين، مع أن الإنسان بات يشعر في هذه المرحلة الغرائبية أنه مودع بسجن بلا قضبان، وهذا يترتب عليه إحساس لم نعهده من قبل، إحساس يشبه إحساسنا بالاكتئاب.

ويقول: “رغم القلق مما هو مقبل والذي سيكون على غير ما توقعناه سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، واجتماعيًا، فإني قرأت في العام 2020 الكثير من الكتب، وأتممت روايتي (دفاتر الوراق)، وأمضي في طريق البحث والتنقيب المرجعي لأجل عمل رواية مقبلة لن أستلهمها من كورونا، بل بلغة جميلة وجديدة، وأسلوب جديد فرضته تلك العزلة التي ما نزال نعيشها، فقد بت أؤمن، على صعيد الرواية تحديدًا، أننا مقبلون على شكل ومضمون روائي جديدين، فالعام 2020 يفصل بين ما مضى وما هو آتٍ”.

شاعرة وناقدة، ونائبة رئيس جمعية الناقدين الأردنيين، د.دلال العنبتاوي، تشير إلى أن جائحة “كورونا” أثرت في كثير من جوانب الحياة، وألحقت الضرر في الكثير من القطاعات، ولعل قطاع الثقافة من أكثر القطاعات تأثرًا بها؛ فأُغلقت الكثير من المؤسسات الثقافية، وبدأ الكثير من المثقفين يسعون للبحث عن طرائق جديدة لبث الحياة من جديد، بعد توقف الأمسيات الثقافية، ولم يعد هناك مجال لعقد أي اجتماع لبحث الأفكار وتداولها في الأماكن التي كانت مقررة لها في السابق؛ كرابطة الكتاب الأردنيين، ومؤسسة عبد الحميد شومان، ومنتدى الرواد الكبار وغيرها.

وتشير العنبتاوي إلى أن بعض الكتاب بحثوا عن طرائق بديلة مؤقتة، وتم التنادي والاجتماع في مرات كثيرة عبر المنصات الإلكترونية، وتم توظيف تقنية “Zoom” لعقد بعض حلقات النقاش الضرورية والمهمة، ومع هذا لم تستطع هذه التقنيات الحديثة أن تؤدي أو تخدم الواقع الثقافي أو ترده إلى ما كان عليه في السابق، وأضافت أن ما تشهده قطاعات الثقافة من تعطل الآن يلقي بظلاله المؤلمة على تطور الثقافة وحركتها، فباتت تعاني من الركود والخمول والتهميش، لأن ما يشغل بال الناس في هذه الظروف أكبر من الحديث في الثقافة.

وتقول العنبتاوي “إن البعض انكفأ على ذاته فبتنا نقرأ ونكتب بصمت وعزلة، فيما انشغل البعض بالقراءة والكتابة في ظروف الانعزال والعزلة، لافتة إلى وجود العديد من الإصدارات الحديث من دور النشر للكتب الجديدة، مع أن الواقع الثقافي ما يزال يغص ويعيش أحزانه في ظل الحظر والحجر، دون بارقة أمل بأن نعود مرة أخرى لأماكن حواراتنا ونقاشاتنا وجهًا لوجه، دون منصة، أو من وراء حجاب كما نعيش الآن، نتأمل أن يحمل الغد في ثناياه بشرى الانعتاق والعودة لتفاصيل حياتنا التي كنا نعيشها كمثقفين سابقًا”.

فيما يشترك الروائي مطر محمود طوالبة مع الآراء السابقة حول الأثر الذي خلفته جائحة “كورونا” على المشهد الثقافي في العام 2020؛ حيث تركت أثرا كبيرا في الحركة الثقافية والكتّاب بشكل خاص، فقد تعكر المزاج العام وتشوشت الأفكار والرؤى، واختلفت الاهتمامات والأولويات، وربما تجمدت الأحلام، ما جعلنا نتساءل أي حياة هذه التي تتجمد فيها الأحلام، حيث تعطلت النشاطات العامة ومعارض الكتب والفعاليات الثقافية، وهذا ما لم يحدث منذ قرن تقريبًا.

ويرى طوالبة أن الكاتب الحقيقي لا ينبغي له الوقوف متفرجًا، أو عزل نفسه عن تأثير هذه الجائحة التي تجتاح العالم أجمع، بل هو الأكثر حساسية بطبعه وشغفه وقلمه، وهو الذي يبتكر الحلول ويخلق الإبداع ليتم التعايش مع المتغيرات الطارئة، وهنا يبرز دوره الاستثنائي والمبدئي ليصنع الفرق في مثل هذه الظروف الاستثنائية، والذي يتمثل بالتوجيه والقيادة والتشجيع من خلال بث الإيجابية والأمل والتحدي لنتخطى هذه الجائحة بسلام.

فيما تقول القاصة والمستشارة الثقافية في منتدى الرواد الكبار سحر ملص “إن جائحة كورونا 2020 أرخت بظلالها كغيمة سوداء على العالم، ما أعاد للذاكرة الأزمات التي مرت بها؛ أولاها حرب حزيران (يونيو)”، التي تقول عنها: “كنا متفائلين في بدايتها بالنصر، وبعدها صرنا نختبئ في الملاجئ، فكلما أطلقت صفارة الإنذار، كنا نتوجس من طائرة تمر وتلقي بقذائفها علينا. إلا أن الوضع مع كورونا مختلف؛ حيث إن العدو مجهول الهوية من جهة، وغير مرئي، وبدلًا من التجمع في الملاجئ مكثنا في بيوتنا مترقبين”.

لا أنكر أني شعرت بالخوف في بداية الأزمة، ثم جلست مع ذاتي جلسة عقلانية استحضرت فيها إيماني بأن الأقدار مكتوبة، ومقدرة علينا، وعلي الأخذ بالأسباب والحيطة، وأن الموت سيأتي سواء الآن أم بعد أعوام، وبدلًا من الجلوس على حافة القلق والانتظار، عدت إلى مكتبتي، وقرأت العديد من الكتب، كما أنني أنجزت رواية بعنوان “الصندوق الأسود”، ووزعت يومي ما بين العمل في حديقة بيتي، والعيش في كنف الطبيعة، والعناية بالأشجار، إلى القراءة والكتابة، والواقع أنني كنت أتمثل عبارة “فلتحب دارك”، فكان أن قضيت إجازة حقيقية ممتعة، أزحت فيها شبح القلق عن ذاتي.

أما على مستوى العمل في العام 2020، فتقول: “لم نستطع أن ننفذ سوى ثلاث فعاليات ثقافية، فقد تعذر علينا إقامة الندوات لأن أعضاء المنتدى أغلبهم من كبار السن، وهم الأكثر عرضة للإصابة، وأيضًا تعذر علينا استخدام تطبيق Zoom كمنصة لعقد اللقاءات، فالحضور الشخصي والتفاعل ما بين المتحدث والحضور أكثر حيوية من جهة، ومن جهة أخرى يصعب أن يتابع أعضاء المنتدى الفعاليات عبر هذا التطبيق لعدم قدرتهم على استخدامه”.
ويختلف الشاعر صلاح أبولاوي مع من سبقوا من المبدعين؛ حيث يرى أن جائحة “كورونا” لا تواجه إلا بالوعي، وهي بالضرورة أثرت على الحراك الثقافي على المستويين العام والخاص، قائلًا: “كشاعر وفاعل ثقافي، تأثرت من هذه الجائحة؛ توقفت عن المشاركة بشكل مباشر ضمن مجموعة (أكثر من قراءة)، التي أنا أحد مؤسسيها، وهي مجموعة تعنى بمناقشة رواية محلية أو عالمية كل شهر مع نخبة من المثقفين الأردنيين”.

ويشير أبو لاوي إلى أنه بحث مع زملائه عن بديل، فيقول: “توجهنا إلى اللقاء عن بعد من خلال التكنولوجيا لخدمة أهدافنا الثقافية، فكان أن قمنا بأكثر من نشاط من خلال التواصل الإلكتروني، أهمها نشاطنا المتعلق بروايات الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، ذلك النشاط الذي تابعه الأهل والأسرى في فلسطين المحتلة عبر تقنية البث إلكترونيًا، كما تابعه كثيرون من المثقفين العرب”.

أما الفنانة التشكيلية نعمت الناصر، فهي لم تشكُ من العام 2020 على الصعيد الشخصي، فقد كان عاما حافلا بالأعمال بالنسبة لها، تقول: “ابتدأته بمهرجان طيبة لفنون الطفل في أسوان- مصر، فقد أقمت ورشة رسم للأطفال باستخدام الحرف المصري القديم في الأعمال الفنية، وبعد عودتي للأردن جاءت جائحة كورونا والحظر المنزلي الإلزامي، بدأت فيها العمل من البيت من خلال التحكيم عن بعد لمسابقة نظمتها وزارة الثقافة شملت أطفال وشباب المملكة ولمدة أربعة أشهر”.
وتتابع الناصر “شاركت مع مجموعة اسكتشات أبيض وأسود التي شارك فيها فنانون عرب وعالميون، من خلال فيسبوك، بعدها انضممت لنشاط خلية فن في جمعية بقاء للثقافة والفنون؛ حيث تواجدنا بشكل أسبوعي للرسم، وشاركت بالتحكيم بمسابقة لرسومات الأطفال والشباب مع مؤسسة شومان، وأخيرا مشاركتي بمشروع “رحلتي”، وهو مشروع تدريبي للفنون من خلال التجول بالمحافظات وتدريب الشباب الموهوبين وأخذ المتفوقين منهم وتطوير هذه الواهب من خلال ورشات تقوية في العاصمة وقد أقامت هذه الفعالية جمعية بقاء للثقافة والفنون”.

المترجم والروائي محمد أزوقة، يرى أن جائحة “كورونا” وما سببته من ضيق حال وصعوبة في الحياة، أرخت بظلالها أيضا على المبدعين من شعراء وروائيين وفنانين تشكيليين وغيرهم، ووضعت قيودا على أفكارهم، مؤكدا أن المبدع جزء من هذا المجتمع فهو لا يعيش في قوقعة، بل يستمد جل إبداعه ممن حوله.
تحدث أزوقة على أصعب أزمنة هذا العام التي تجلت في تقييد الحركة، منع التجمعات والالتزامات الثقيلة الأخرى، وقد كانت رؤية عشرات المحلات التجارية مغلقة، وسماع معضلة عمال المياومة وغيرهم، واضطراب دراسة أجيالنا الصاعدة، غصة في قلوب الأمهات والآباء، وضغطت المأساة الكبرى في الذين فقدناهم ضحايا للجائحة، ومن عانوا من إرهاصات المرض وعدم القدرة على السفر، ولكن يبقى الأمل في أن يختزن مبدعونا هذه التجارب، ليودعوها أقلامهم وريشاتهم”.

أكبر تحد للقاص ومؤسس البيت الأدبي أحمد أبوحليوة، هو المحافظة على قيمة، فهو يؤمن أن الحياة الصلبة كالنبتة البرية، تنبت رغم مقومات الاحتضار، وربما تشقّ قلب صخرة بحثاً عن الهواء والدفء والضياء، مبينا أنه في النصف الثاني من آذار (مارس) الماضي كانت تفاصيل الحياة اليومية المعتادة تغرق في غياهب الحظر، فتصبح الأشياء التي كانت بالأمس قريبة بعيدة كما الأحلام.

ويقول أبوحليوة “إنه في فترة الجائحة قام ببث برنامج ثقافي عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ومتلفز “بث مباشر”، بصيغة اجتماعية ترفيهية، معتمدة على الأبعاد الأدبية والثقافية والفنية المنوعة، وقد أخذ البرنامج في البداية الشكل اليومي في الشهرين الأولين، لينتقل منذ قرابة نصف العام إلى الشكل الأسبوعي، مساء كل يوم اثنين تحت عنوان “سهرة مع أحمد أبو حليوة”، وإن التحديات التي واجهتني كانت كبيرة ولكن الإرادة أكبر”. ( الغد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى