مقالات

لماذا تكذب الحكومات الأردنية على الملك.. ولماذا لا يعاقبهم؟

الدكتور عبدالمهدي القطامين

في مقابلة نادرة للمرحوم الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه اعترف ان بعض المسؤولين كانوا يكذبون عليه وكان يعرف انهم كاذبون ويبدو ان هذه السنة غير الحميدة انتقلت الى عهد الملك عبدالله الثاني فقد دأبت الحكومات على ممارسة نفس الكذب فيما يتعلق بالشأن العام وأول ملامح ذلك الكذب المكشوف تمارسه الحكومات في خطاب الرد على خطاب العرش السامي لدى افتتاح كل مجالس الامة فهي تستخدم سين الاستقبال في ردها سوف وستعمل وسنقوم وسنعالج وفي نهاية المطاف فان كل هذه السينات تذهب ادراج الرياح عندما تسلم حكومة الى أخرى بعد ان لم يتحقق من السينات شيئا فتتسلم كل حكومة من سابقتها وهنا على وهن في مجالات التنمية وتنامي الديون والعجوزات في الموازنات .

لجوء الحكومات في اغلب الأحيان في الاستناد الى انها تستلهم توجيهات الملك في كل صغيرة وكبيرة كان يمثل على الدوام هروبا من تحمل المسؤوليات والاختباء خلف الملك في محاولات صد أي هجومات متوقعة من الصحافة غير المدجنة ومن بعض النواب غير المدجنين أيضا وربما يبرز سؤال مهم هنا لماذا يصدق الملك ما تقوله الحكومات  ؟؟  وهذا يستدعي تأكيد عرف دستوري  ان الملك يملك ولا يحكم ويستدعي ايضا محاولة فهم سيكولوجية الملوك الهاشمين الذين تربوا على احترام الاخر حتى ولو كان كاذبا وربما برزت هذه الظاهرة بشكل اكبر في حكم الملك عبدالله الثاني فمن المعروف ان الملك عبدالله الثاني اقرب الى ثقافة الغرب في فهم الاخرين فهو يفترض الصدق فيما يسمع ولا يتوقف عند كل ما يسمع وقد برعت الحكومات وبعض رجال الديجتال في الحكومات التي كلفت في عهد الملك في العشرين سنة الأخيرة في عرض منجزات تبدو زاهية بهية على الورق وعلى “البرزنتيشنات ”  التي يتم السهر عليها طويلا من قبل رجالات الحكومة لتبدو في افضل صورة وهي عروضات لا تصمد امام الحقيقة والواقع طويلا لكنها تبقي بعض اثر في فكر الملك الذي يحرص على متابعة بعض ما يعرض له وضمن ما يسمح به وقته المزدحم عادة بالعمل .

لماذا لا يعاقب الملك المخطئين والكاذبين من رجالات حكوماته أيضا هذه مردها الى الصبغة التسامحية التي ظلت تؤطر حكم الهاشميين منذ تسلمهم الحكم شرقي الأردن حيث تم الاعتماد على مبدأ التسامح في التعامل مع الكثيرين ممن لم يخطئوا فحسب في الأداء ولكن ممن حاولوا الانقلاب على شرعية الحكم الملكي الهاشمي في المملكة .

الحكومات الأردنية التي تشكلت منذ انشاء امارة شرقي الأردن عام 1921 ظلت تشكل بنفس الطريقة والنهج فرئيس الحكومة المكلف يقوم بتسمية وزراء حكوماته بناء على المعرفة والقرب منه وبناء على بعض التوصيات التي تأتيه من جهات عدة لكن الأكيد ان الملك لم يكن ليتدخل في تعيين الوزراء الا في بعض الحقائب السيادية وتكاد تنحصر في وزارتي الداخلية والخارجية والمالية في بعض الأحيان اما بقية الوزارات فيتم على الاغلب الموافقة على ما يقدمه رئيس المجلس من أسماء لكن الطامة الكبرى التي دمرت الجهاز الإداري البيروقراطي في الدولة الأردنية كانت التعيينات التي تتم في عهد كل رئيس حكومة واعني التعيينات القيادية العليا في الدولة من رتبة امين عام ومدير عام ورئيس مجلس إدارة ومفوض وغيرها من الوظائف القيادية العليا فهي ظلت حكرا بيد رئيس الوزراء ومجلس الوزراء وكان كل رئيس حكومة يأتي يجب ما قبله من تعيينات ليأتي بأخرى جديدة ومن المعروف ان هذه القيادات هي الأكثر فنية وهي التي ترسم ملامح أي خطة استراتيجية وتنفذها في أي قطاع ومع الضعف الذي برز في الكثير من شاغلي هذه الوظائف بدأت الإدارة العامة تتراجع شيئا فشيئا حتى طال العطب العديد من القطاعات في ظل انتهاج سياسة التنفيع في هذه الوظائف او المقايضة أحيانا عليها بالاتفاق مع النواب عند تمرير أي ثقة او إقرار أي موازنة للدولة وأصبحت هذه المساحة من الولاية العامة للحكومات ساحة لعب يمارس فيها الرئيس والوزراء الأقوياء هوايتهم المفضلة في التبديل غير المبني على نهج علمي وعلى الرغم من وضع نظام خاص لهذه الوظائف في اكثر من حكومة الا ان هذا النظام ظل باهتا مخترقا ويكاد ان يقع في خانة الضحك على الذقون  .

لكن ما هو المطلوب وكيف يمكن الخروج من ازمة الثقة بين الناس وبين حكوماتهم وجهاز الدولة المركزي من وجهة نظري ان الامر يحتاج الى إعادة التأكيد على اعتماد الكفاءة في أي تعيين فمن غير المعقول ان تظل وظائف الدولة العليا حكرا على فئة وان تظل مختطفة لرضى فلان وعلان وان تظل حقل تجارب لهواة المناصب والباحثين عنها فنحن دخلنا مئوية الدولة الثانية ونحن احوج ما نكون الى ثقة بين الناس وادارتهم العامة وبغير ذلك فأننا سنظل ننفخ في قربة مخزوقة ونكون كالمنبت الذي لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى