منوعات

“كورونا” وأعداد المدعوين.. “الحرد والعتب” يتغلبان على المباركة للعروسين

بعد أن انتظرت هناء عبدالله أشهرا طويلة على أمل أن تنتهي أزمة جائحة كورونا، لإقامة مراسم حفل زفافها، وأن ترتدي ثوبها الأبيض في يوم لطالما حلمت فيه؛ ازدادت الأمور تعقيداً، وبات التأجيل مستمرا للمناسبة بسبب الإغلاقات والإجراءات المفروضة. ذلك جعلها تستجيب لنصائح كل من حولها بأن لا تؤجل أكثر من ذلك، وأن تستبدل ذلك بحفل عشاء بسيط بالمنزل وبعدد محدد من المعازيم.
استجابت هناء للنصيحة بالرغم من عدم قناعتها الكاملة بأن يتحول اليوم الذي حلمت فيه أن يكون مختلفا ومميزا لآخر لا يشبه أبدا ما خططت له، لكن كل الظروف حتمت عليها أن لا تؤجل أكثر، ذلك جعلها تتقيد بأعداد الحضور، وتدعو فقط المقربين جدا واثنين من الأصدقاء اللذين تربطها بهما علاقة قوية.
غير أنها تفاجأت بأن أغلب أقاربها في العائلة غاضبون وغير مقتنعين بالمبررات وأنهم هددوا بعدم حضورهم إن لم تتم دعوة أبنائهم أيضا! تقول هناء “صُدمت من كل تلك المشاكل التي حصلت رغم أن المعترضين ذاتهم هم من كانوا ينصحونها بعدم التأجيل والاكتفاء بمراسم بسيطة وأعداد محددة”، لكنها لا تدرك بعد كيف انقلبت الأمور وأصبح الغاضبون أكثر من الراضين لأنها لم تدع أفراد العائلة كافة، واكتفت بشخصين من كل عائلة مقربة لها.
وتضيف هناء أنها ملتزمة بالقانون ولا تريد زيادة بنسبة الأعداد، لأن ذلك قد يؤول لنتائج لا يحمد عقباها، فضلا عن أنها تشعر بضغط نفسي كبير ولن تحتمل أي نوع من المشاكل في هذا الوقت وبمثل هذه الظروف. وكان قد جاء قرار الحكومة بمنع التجمعات والتي من ضمنها الحفلات، ليغير من مجريات ومخططات الكثير من المقبلين على الزواج ليتجه معظمهم الى إقامة حفل عائلي بسيط وضمن الأعداد المسموحة ومن دون مظاهر فرح على الإطلاق.
ذلك جعل كثيرين يكتفون بدعوة المقربين جدا لإقامة حفل الزفاف بهدوء وبشكل قانوني، ما أسفر عنه اعتراض وغضب من قبل أفراد من العائلة والأصدقاء ممن لم تتم دعوتهم، ولوم العروسين، دون تفهم الوضع أو مراعاة الإجراءات الصحية التي فرضت ذلك والقوانين التي جاءت بهدف حماية صحة المواطن.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الأسري مفيد سرحان، الى أن انتشار وباء كورونا فرض واقعا جديدا بالنظر إلى الإجراءات الوقائية الصحية المتخذة من الجهات الرسمية، ومنها منع التجمعات، ومن ضمنها حفلات الزفاف، وبأعداد قليلة كإجراء وقائي، وتحت طائلة أمر الدفاع الذي يرتب مسؤولية على صاحب الدعوة والمشاركين.
ونظراً لمرور أشهر على تطبيق هذه الإجراءات التي تزامنت مع موسم إقامة الحفلات والمناسبات، ومنها حفلات الزواج مع انتشار هذا الوباء، استمرت الإجراءات المتخذة، ما تطلب عدم الاستمرار في تأجيل غالبية المناسبات، وعند إقامتها فإن ذلك يتطلب الالتزام بالضوابط والالتزام بالتعليمات وإقامة حفل بسيط لعدد محدد، وهذا يعني الاكتفاء بأسرتي العروسين.
مئات الحفلات التي أقيمت، باركها الأهل والأصدقاء الذين قدموا التهنئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كتقليد جديد في ظل ظروف استثنائية تتطلب الحرص والالتزام والتعاون والتكافل والتكاتف، وفق سرحان.
ويذهب سرحان الى أن نشر الفرح ضرورة للفرد والمجتمع، وخصوصاً عندما يتعلق بالزواج وهو حاجة أساسية للإنسان، فالفرح هنا ليس ترفاً، لكنه يمكن أن يتحقق في كل الظروف فمكانه القلب.
وإن كان من مظاهر الفرح في حفلات الزواج حضور أعداد كبيرة وإقامتها في صالات أو فنادق ضمن مراسم كبيرة، فإن الواقع الحالي والظرف الاستثنائي يفرضان على الجميع التغيير في الشكل والمراسم، مع الحاجة إلى صناعة الفرح، خصوصا ًللعروسين، وهذا يتطلب تفهم الظروف الطارئة من الجميع أقارب وأصدقاء.
العروسان لا يمكنهما دعوة الجميع، وذلك يفرضه الواقع، ولا يعني عدم الرغبة في توجيه الدعوة أو تفضيل شخص أو عائلة على أخرى، وبمثل هذه الظروف يجب على الجميع مباركة هذا الزواج وتشجيعه وعدم العتب على العروسين أو إشعارهما بأن “الفرح ناقص” فهذا يترك أثراً سلبياً في نفوسهما.
وبعض الأسر ابتكرت وسائل جديدة للحفلات منها بث الحفل على مواقع التواصل الاجتماعي ليشهده الجميع دون أن يكونوا في مكان واحد، فالواقع يفرض التغيير والإبداع، وفق سرحان.
ويتابع “هنا أذكر تجربة جمعية العفاف الخيرية عندما نظمت حفل زفاف جماعيا رقميا بمشاركة خمسين عريساً عروساً من مختلف مناطق المملكة، وتم بث الحفل من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فكانت الفرحة كبيرة شاركت فيها أعداد كبيرة وليس فقط من أقارب وأصدقاء العروسين بل ومن خارج الأردن أيضاً”.
الجميع، بحسب سرحان، مُطالب بأن يكون قدوة حسنة للآخرين وأن يقدم نماذج إيجابية تسهم في إحداث وترسيخ التغيير الاجتماعي الإيجابي، وهو مطلب، خصوصاً أن حفلات الزواج في الظروف العادية تشكل عبئاً مالياً كبيراً يفوق بكثير قدرة الشباب، ما سبب إلى اللجوء إلى الاستدانة، وهو ما أثر سلباً على مستقبل الأسرة الناشئة، فكانت النتيجة في الأغلب مشكلات أسرية وصلت إلى حد الطلاق وفشل الزواج.
ويشير سرحان الى أن البعض للأسف في ظل انتشار وباء كورونا يلجأ إلى التحايل والبحث عن وسيلة لدعوة أعداد كبيرة سواء بإقامة الحفل في المنزل أو في مزرعة بعيداً عن أعين الجهات المسؤولة، وقد سمع الجميع وتابع كيف أن عددا من هذه الحفلات كانت سبباً في نقل الوباء إلى أعداد كبيرة من الأشخاص، مضيفا أن الفرح الحقيقي هو الذي يستمر أثره لوقت طويل وليس الذي يكون سبباً في إيذاء النفس والآخرين.
ويتفق معه بالرأي الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، بأن زمن كورونا له فلسفته وطقوسه، وقد وضع هذا الزمن قوانين جديدة لغت عادات وتقاليد كثيرة، واعترفوا بها الناس وتماشوا معها. ومن أهم تلك التغييرات، طقوس الزفاف الجديدة التي أصبحت أفضل وأكثر إيجابية، فما كان يحدث سابقا كان كله مظاهر اجتماعية لا داعي لها، ترهق العروسين، وبتجمعات كثيرة غير مبررة ولا تشكل أي إضافة.
وجاءت جائحة كورونا، لتعيد ترتيب هذه الأمور وتحددها بالأعداد لتحقيق مبدأ التباعد الجسدي، وتغيرت الظروف كلها، وهو ما يجب على الناس تفهمه من دون توجيه العتب والاعتراض أو حصول خلافات، فالظروف واضحة جدا ولم تعد كالسابق. ويشير مطارنة الى أن على المحيطين تشجيع العروسين بهذه الفترة، ودعمهم ومؤازرتهم وتسهيل الخطوة عليهم قدر المستطاع، مبيناً أن الذي يعتب في هذه الظروف لا يعي الخطر الذي تسببه التجمعات، ولا يجب أخذ ما يقولونه بمثل هذه الظروف على محمل الجد. الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى