الشاشة الرئيسيةمحليات

كورونا: هل نمتلك ترف إضاعة الوقت؟

المشهد غائم، والقدرة على التحرك إلى الأمام تكاد تكون معدومة، بينما لا نكاد نرى أي توجه حقيقي في إطار وضع تصورات موضوعية وواقعية للخروج من الأزمة الراهنة.
في ظل وضع مقلق، باعتراف أكثر من مسؤول، تتصاعد أعداد إصابات كورونا، وأيضا هي مرشحة لمزيد من التصاعد في ظل عدم وجود قدرة ملموسة على تخفيضها. في المقابل تعاني القطاعات الاقتصادية على اختلافها من “التردد القاتل” للحكومة، وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات تسهم في “حلحلة” الأمور، والبدء بمسير شبه طبيعي نحو ترميم حياتنا الراهنة، ووضع خطط لإعادة الحياة إلى طبيعتها.
غياب استراتيجية ثابتة، أو خطة بأطر زمنية، أو حتى خارطة طريق تعتمد الأهداف المرحلية، بات يعقد الحياة اليومية للمواطن الواقع بين فكي كماشة؛ الوضع الوبائي من جهة، والظرف الاقتصادي الصعب من الجهة الأخرى.
اليوم، تقف الحكومة حائرة حين تلزم نفسها بخيارات قليلة جدا لا تتعدى حظر الجمعة، أو تقليص ساعات الحركة، وصولا إلى حظر شامل لأيام معدودة. لكن خبراء الصحة والأوبئة يؤكدون أن مثل هذه القرارات لن يكون في استطاعتها خفض أعداد الأصابات وتسطيح المنحنى الوبائي، ويشددون على أهمية توفير المطاعيم التي ينبغي أن تكون أساسا حاسما في مواجهة الوباء، أو في أي خطة للسيطرة عليه.
مواجهة عدم الالتزام المجتمعي قضية أخرى تظهر التردد الحكومي، وعدم أخذ الأمور بالجدية المناسبة حفاظا على الأمن الصحي المجتمعي، فحتى الآن يقول متابعون أن الحكومة لا تمارس تشددا مطلوبا تجاه المخالفين من الأشخاص والقطاعات، وهي تمارس ذرا للرماد في العيون حين تلجأ إلى ضبوطات ومخالفات محدودة تحاول أن تنشرها في وسائل الإعلام للإبقاء صورنها الصارمة فحسب. وحتى مؤسسات الدولة نفسها، يقول مطلعون، إن بعضها لا يلتزم بإجراءات السلامة، ويتحدثون عن إجبار لموظفين فيها على الدوام رغم كونهم مخالطين لزملاء أو أقارب، كما أنها لا تلجأ إلى التعقيم في أعقاب ظهور إصابات في تلك المؤسسات، فيجبر الموظف على الدوام وهو يشعر بأنه قد يكون التالي في الغصابة بالفيروس.
الحزم في موضوع الالتزام يجب أن تمارسه الحكومة كاستراتيجية ثابتة لا تقبل التهاون أو التغاضي، ففي النهاية سيكون الجميع خاسرا إن لم تفعل ذلك.
في المقابل، يعيش المواطن ظرفا اقتصاديا استثنائيا، وللمرة الأولى يتساوى في المعاناة المواطنون على اختلاف وظائفهم وأعمالهم، ففي حين أن نسبة كبيرة من العاملين النظاميين قلّت مداخيلهم تبعا لأوامر الدفاع التي سمحت للشركات الاقتطاع من الرواتب، فإن أصحاب المصالح أنفسهم عانوا من ركود كبير في السوق، ما خفّض من إيرادات مصالحهم، وبالتالي أصحبوا عاجزين، في كثير من الأحيان، عن الإيفاء بمتطلبات الكلف التشغيلية. أما عمال المياومة فهم مأساة حقيقية عندما يعانون من غياب اليقين والأمل، وضبابية المستقبل.
في ظل الأزمة الحالية، والتنشبث بخيط رفيع من الأمل، يأتي الأداء الإعلامي الحكومي ليعمل على تشتيت التركيز، وذلك من خلال تعدد المرجعيات والتصريحات بين أطراف المعادلة؛ لجنة الأوبئة، وزارة الصحة، إدارة الأزمات، وحتى بعض الوزراء المعنيين. من المفيد أن نتساءل لماذا يحدث ذلك، ولماذا تلجأ الحكومة إلى مثل هذا الأداء الذي يكرس من عدم المهنية، ويبقي الصورة ضبابية في ذهن المتلقي!
في المحصلة، يرى المراقبون أنه لا توجد خطة واضحة للتعامل الحكومي مع الأزمة وتطوراتها، بدلالة التردد في اتخاذ أي قرارات يمكن أن تؤدي إلى فتح كوة أمل في تخفيض أعداد الإصابات، ما يؤكد، بالضرورة، عدم وجود أفق لحل الأزمة وتداعياتها، لنبقى عالقين وسط تزايد الإصابات من جهة، وعدم القدرة على العودة لحياتنا الاقتصادية الطبيعية، وبالتالي نخسر صحيا، ولا نتقدم اقتصاديا.
هذا المشهد يربك حياة المواطن الذي يرى حكومته غير قادرة على اتخاذ قرار حاسم مهما كانت نتائجه، ويتساءل: أين هو التفكير الإبداعي الخلاق الذي من الممكن أن يؤشر لنا على طريق نسلكها للخروج من هذه المعضلة. الحكومة قدمت عشرات التعهدات التي ألزمت نفسها بتنفيذها، ولكن إن كانت لا تستطيع فعل أي اختراق حيال الأزمة الأساسية، فمن المفيد أن نتساءل، اذن، عن مدى قدرتها على النجاح في تحقيق التزاماتها وتعهداتها.
التردد اليوم سيكون قاتلا لجميع أطراف هذه المعادلة المتشعبة، وما يلزمنا هو قرارات واضحة وصارمة، نشعر معها أن ثمة حكومة تفكر وتخطط، وتضع المصلحة الوطنية لجميع الأطراف أولوية كبرى. وعلى المواطن أيضا أن يدرك ان الحكومة وحدها لا تتحمل المسؤولية، فهو قد يكون شريك في تدمير مجتمع بأكمله، إن لم يكن بحجم الأزمة التي تمر بها البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى