الشاشة الرئيسيةمقالات

عندما رفض الرئيس الجزائري أداء العمرة.. وفاة زكي اليماني ابرز فرسان النفط الثلاثة

الغواص نيوز

دكتور محيي الدين عميمور

بوفاة الشيخ أحمد زكي اليماني (30 يونيو1930- 23 فبراير 2021) يختفي آخر عمالقة البترول العربي، بعد أن سبقه إلى دار البقاء الوزير الجزائري عبد السلام بلعيد ( 20 يوليو 1928 – 27 يونيو 2020) وقبلهما السعودي عبد الله الطريقي 19مارس1919 -7 سبتمبر 1997) المعروف بالشيخ الأحمر.

وكان الفرسان الثلاثة في مرحلة معينة من أهم الوزراء العرب المعروفين على الساحة الدولية، وتألق اليماني بوجه خاص خلال مرحلة حظر النفط العربي التي ارتبطت بحرب أكتوبر 1973 كما ارتبط اسمه بزميله الجزائري في منتصف السبعينات كما سيأتي.

وللتذكير، كان إجهاض النتائج السياسية لحرب أكتوبر 1973 المجيدة سببا في حالة إحباط شامل أصابت الوطن العربي، والشقيقتان مصر وسوريا على وجه الخصوص.

ومع اتفاقية فك الاشتباك على الجبهة المصرية التي عرفت باتفاقية الكيلومتر 101 كان في يد العرب ورقتان هامتان يمكن استعمالهما للضغط على الغرب لكي يمارس بدوره ضغطا على إسرائيل يمكن به استرجاع بعض ما ضاع نتيجة للثغرة المشؤومة، التي كان للفريق سعد الدين الشاذلي رأيه في التعامل معها، وأدى عدم الأخذ به إلى الشنآن بينه وبين القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي قاده فيما بعد إلى اللجوء إلى الجزائر حيث قضى نحو 13 سنة.

كانت الورقة الأولى عند الجانب العربي هي الإضرار على مواصلة الحظر النفطي على الغرب، لكن الرئيس المصري أنور السادات خضع لضغوط كيسنجر أو استجاب لرجائه فطالب بإلغاء الحظر البترولي نهائيا، وهو ما كان موقفا استراتيجيا بالغ الخطورة سوف ينتج عنه إهدار موقف قوة عربي بشكل لا رجوع فيه، ومن هنا رفض الملك فيصل الطلب ما لم يتلق رسالة خطية من الرئيس المصري، وهو ما حدث بالفعل، وطاشت ورقة البترول العربي.

أما الورقة الثانية فكانت عدم فتح قناة السويس للملاحة الدولية، وهو ما قاله لي الرئيس السادات شخصيا عندما استقبلني مبعوثا للرئيس هواري بو مدين، قائلا بالحرف الواحد: تطهير القناة قرار مصري أنما فتحها للملاحة فهو قرار عربي، وأصبت بالدهشة وأنا أروي هذا للرئيس الجزائري فألاحظ شبه ابتسامة ساخرة على زاوية فمه، وثبت أن عدم اقتناعه بما سمعه مني كان معرفة حقيقية بالأوضاع وبالرجال، وهكذا قام الرئيس المصري بفتح القناة في نفس التاريخ الذي كانت قد أغلقت فيه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وتم ذلك بقرار مصري لم يكن للعرب رأي فيه.

وهكذا ساد الإحباط، وعرف منتصف السبعينيات أحداثا أخرى أصبح من المؤكد أنها كانت جزءا من المخطط الذي كان قد وضع لتدمير الصمود العربي، فجرى اغتيال الملك فيصل، واندلعت الحرب الأهلية في لبنان، وتفجرت قضية الصحراء الغربية في المغرب العربي بما بدا انتقاما من بطولات الجزائريين في سيناء والمغاربة في الجولان.

ويعرف شهر ديسمبر من نفس العام عملية توقفت لها أنفاس الجميع، وخصوصا في أوروبا، وذلك عندما قام الفنزويلي “إلييتش راميريز سانشيز”، الذي كان يعتبر مناضلا عالميا يحمل اسم “كارلوس”، باختطاف وزراء النفط الذي كانوا مجتمعين في فيينا في إطار لقاء منظمة “الأوبيب”.

ويركب الجميع تحت التهديد بالسلاح طائرة طلب “كارلوس” أن تتجه إلى الجزائر، وحاول عبد الوزير الجزائري عبد السلام بلعيد أن يقنع كارلوس، كما تردد آنذاك، أن يُطلق سراح الوزراء على أن يظل هو كرهينة لديه، لكن كارلوس رفض العرض.

وتغادر الطائرة النمساوية الجزائر نحو تونس التي رفضت استقبالها فعادت إلى الجزائر، ودارت مفاوضات مضنية أمسك بزمامها وزير الخارجية الجزائري آنذاك عبد العزيز بو تفليقة، وانتهى الأمر بإطلاق سراح الجميع بعد فدية قيمتها 50 مليون دولار، قيل أن المملكة العربية السعودية دفعتها.

ويتوجه كارلوس إلى ليبيا حيث استقبله العقيد القذافي، وترد يومها أن كارلوس يتلقى دعما ماليا من الزعيم الليبي، لكن نشاطه فتر تدريجيا بعد شنآن مع وديع حديد (أبو نضال) لا مجال هنا لدخول في تفاصيله.

وتمر السنوات، ويتعثر سعر النفط الذي تعتمد عليه الجزائر بنسبة كبيرة في تنميتها، ويقرر الرئيس هواري بو مدين التوجه إلى الملكة العربية السعودية لمحاولة التفاوض مع أكبر الدول العربية المصدرة للنفط لتفادي زيادة الإنتاج بما يؤثر على الدول ذات الإنتاج المحدود.

وحطت بنا الطائرة في جدة، وتفضل الإخوة السعوديين مشكورين، وكعادتهم في استقبال الوفود الرئاسية، بإعداد أسطول من السيارات ليحمل الوفد من جدة إلى مكة، على بعد أقل من 90 كيلومترا، لأداء العمرة، وسألت مدير التشريفات الرئاسية مولود حمروش (رئيس الوزراء فيما بعد) عن لحظة المغادرة نحو مكة، خصوصا ولم نكن قد أحرمنا بعد، فأجابني بأن زيارة مكة غير مطروحة، وأضاف قائلا في نرفزة لم أعهدها منه: أمامك الرئيس فناقشه في الأمر.

وبالفعل دخلت على الرئيس الذي كان يقرأ تقريرا من عدة صفحات، ورفع رأسه ليسألني بهدوئه المعتاد: ماذا وراءك ؟

وقلت له ما سمعته من مولود، فوضع الأوراق جانبا وأجابني بغضب: أنا جئت هنا لهدف سياسي ولم آت حاجا ولا معتمرا، جئت “لأعمل ” سياسة، ولو كان العمرة في برنامجي لأحرمنا في الطائرة.

ويواصل الرئيس غضبته قائلا، وكأنه أراد أن أبلغ بقية الوفد بردة فعله: من يريد الحج أو العمرة يجب أن يؤديها من ماله الخاص ولا يستجديها من أحد، أو ينتظر أن يتكرم بها عليه أحد أيا كان.

وتخيلت أن الرئيس أحس بأن قبوله أداء العمرة سوف يكون إضعافا لموقفه أمام السلطات السعودية التي جاء يطالبها بما قد لا ترضى عنه، وتأكد لي هذا عندما استقبلنا العاهل السعودي الملك خالد بن عبد العزيز في اليوم التالي.

جلس الرئيس على يمين الملك في قاعة الاستقبال الكبرى بقصر السلام في جدة، وجلسنا نحن حولهما، وأدار الرئيس بصره في أعضاء الوفد السعودي الموجود في القاعة، ووقعت عيناه على الشيخ زكي اليماني، فحدّق للحظات في وجهه ثم قال وعلى شفته ابتسامة حار كثيرون في فهم معناها : يا شيخ زكي، ألم يكن أحسن لنا أن نترك كارلوس يريحنا منك ؟

ويجيب الشيخ اليماني على الفور: “ما كان يفرق يا فخامة الرئيس.”

وفهمنا جميعا، والرئيس في المقدمة طبعا، ما أراد وزير البترول السعودي قوله.

وحقيقي أننا غادرنا المملكة العربية السعودية وكلنا أسى لأننا لم نتمتع بالعمرة، لكنني أستطيع القول بأن أكثرنا شعورا بالأسى كان الرئيس بو مدين نفسه، والذي حرمه التمسك بمنطق الدولة من القيام بما كان دائما يحلم به، ومات بدون أن يظفر به.

رحم الله رجالا… كانوا رجالا، ورحمنا الله في زمن الرداءة، الذي قال عنه عبد الحميد مهري … للرداءة رجالها.

مفكر ووزير اعلام جزائري سابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى