الشاشة الرئيسيةمقالات

خوارزميات المنطق الإعلامي

الغواص نيوز
مالك العثامنة
معظم حواراتنا في الإعلام وعلى وسائل التواصل تشبه من يخاطب نفسه في المرآة، حتى مظاهراتنا التي يفترض ان توصل رسالة الرأي العام تتحول بقدرة الجهل الأعمى إلى رسالة معكوسة مثل الذي يطلق نارا على ساقه.

نموذج حلقة باسم يوسف مع بيرس مورغان كانت ناجحة لأنه من قلة قليلة كسرت الاستدارة المغلقة التي نتيه في إطارها، وما حققه باسم يوسف في خطابه للعالم الغربي يوازي كثيرا من المظاهرات التي تتحول إلى عبث مطلق حين ينفلت العقل من عقاله ويتحول إلى عنف وأذى.

مارس الملك ذكاء “إعلاميا” في قمة القاهرة حين خاطب العالم لا بلغة إنجليزية متمكنة وحسب، بل بمنطق لا إنشائيات فيه ولا بلاغة أصلا لا تحتملها اللغة الإنجليزية، فكانت رسالته على كل ما فيها من حسم وحزم ولهجة شديدة تحمل قلقا كان لا بد أن ينتقل إلى العالم ليشعر بخطورة التداعيات في المنطقة التي وصفها الملك بالكارثة التي سيدفع الجميع ثمنها باهظا لها.
لم تعد البرامج الحوارية تصل إلى الجمهور بدون حواضن وسائل التواصل التكنولوجي الحديثة، من منصات صارت في يد المتلقي وعلى حجم راحة تلك اليد بالضبط، والجيل الذي يسود العالم من شباب تلك التقنية المعرفية الحديثة ليس قاصرا ولا عاجزا كما نتوهم، بل لديه قدرة على التشابك المعرفي بقدرات لا يمكن أن نتخيلها، لكنه جيل يدركها.
ولغة الخطاب كما محتواه يجب أن تخرج عن إطار اللغة الخشبية التقليدية، فالعالم اليوم أكثر ذكاء والتصنيفات الحادة في ثنائيتها بين الأبيض والأسود غير مقنعة، فلا بد من تقديم خطاب فيه من نقد الذات ما يكفي لحمل الاتهامات الموجهة للطرف الآخر على محمل الجد.
حين نقول “صمود أهل غزة” فنحن نعيد ذات المفهوم الخشبي القديم لصمود الجنوب اللبناني ذات تموز توهمنا فيه انتصارا تاريخيا، أو صمود العراقيين في معركة انتهت بساعات حاسمة، ولأمثلة كثيرة في تاريخ خيباتنا.
أهل غزة صامدون، نعم هذا صحيح، لأنه وببساطة لا خيارات في الحياة لهم إلا الصمود، لكنهم مضطرون أمام قسوة العالم والاحتلال أن يتم تصنيفهم “مشاريع شهادة” لأن مشاريع الحياة صارت معدومة بالضرورة.
هم بشر مثلنا، يستحقون العيش الكريم بكل تفاصيله، أطفاله يستحقون أن يحلموا ويكبروا ويستمروا والأب كما الأم لديهما حقوق بحياة أفضل لأولادهما، مثلنا تماما، مشاريع حياة نبحث عن الأفضل فيها لنعيش، لكنهم لا يملكون ذلك الخيار لأن الاحتلال وشراسته تحولهم إلى مشاريع موت وبالبث الحي والمباشر.
علينا ان نوضح ذلك للعالم، للرأي العام العالمي المخدوع بالتضليل لأننا لم نملأ الفراغ وتركناه لدهاء الطرف الآخر الذي يتقن صناعة القصة والتلاعب بإعدادات الحقيقة، الحقيقة لها إعدادات أيضا وكل شيء يخضع للخوارزميات، لأن الخوارزمية في الأساس قاعدة رياضية تقوم عليها فنون الهندسة، بما فيها هندسة الرأي العام.
هي قاعدة بسيطة بدون أي فذلكات لغوية، هناك احتلال يضطهد إنسانا ويدفعه إلى حافة اليأس فيلتقطه فراغ التطرف الأعمى فيتولد العنف، هناك حقوق لهذا الإنسان معدومة وهناك.. في غزة جريمة حرب.
الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى