النقد بين معول البناء أو مطرقة الهدم.

الغواص نيوز
أيوب ابوغريقانة
عندما ظهر مفهوم العقد الإجتماعي وقام جان جاك روسو بتأليف أعظم كتبه وهو العقد الإجتماعي، بدأ كتابه بمقولته الشهيرة ” ولد الإنسان حراً الإ أنه مكبل بالأغلال في كل مكان، وعلى ذلك النحو يتصور نفسه سيد الآخرين الذي لا يعدو أن يكون أكثرهم عبودية ” ، بمعنى أن الأنسان يمر بمرحلتين الأولى وهي المرحلة الطبيعية التي يكون الأنسان فيها خاضع لأحكام قانون الطبيعة الذي ياتي بمقتضى الفطرة، ويتحول منه للمرحلة الثانية وهي الأهم وهي وجود حكومة، أي بمعني أن يقوم الأنسان بالإتفاق مع مجموعة من بني جنسه تستلم فيها الحكم بعقد، يتم من خلاله توفير الحماية والأمن والخدمات الآخرى وضمن قوانين بشرية تحدد طبيعة العلاقة والحقوق والواجبات لكلا الطرفين.
أن النقد هو وسيلة إشعار أو تنبيه لأحد الطرفين بأن هناك تقصير في أحد الواجبات وهو ظاهرة صحية لقياس مدى الرضى عن الأداء، بل يعتبر أحد أهم مؤشرات تقييم الأداء، حيث يوضح أين هي نقاط الضعف أو أمكان الخلل، ولفت إنتباه الجهة المسؤولة لتصويب وإصلاح هذا الخلل في الأداء، وهذا ما تحتاجه هذه المرحلة الحرجة التي نعيشها من ظروف إقتصادية وسياسية وإجتماعية صعبة في المنطقة المحيطة ، وإنعكاسها على الأداء الحكومي للجهات ذات المسؤولية وكوادرها ومحاولة التكيف مع تلك الظروف ونحن أمام إقرار الموازنة العامة للدولة.
إن النقد الإيجابي ( النقد البناء ) الذي يسعى لغايات التصويب والإصلاح هو دائما محط ترحيب وتقدير للجميع، فهو بالمحصلة يهدف للصالح العام و يعزز الثقة بين الطرفين، وينتقل بالأداء نحو كمالية الإنجاز والإسراع في التطوير والدقة والإبداع والكفاءة والمهنية في العمل، بالإضافة إنه أهم حافز للإيجابية في الأداء، والأهم من ذلك يجعل الجهة المسوؤلة دائما أمام مسؤولياتها تجاه الطرف الآخر، بل تعمل على زيادة دقة الأداء لكي لا تتعرض للنقد كونها تسعى للحصول على ثقة الطرف الآخر، وبأنها على المسار الصحيح فكلما قل النقد كلما كان الأداء في الإتجاه الصحيح .
وللأسف هناك النوع الآخر الا وهو النقد السلبي (الانتقاد الهدام ) ، والذي يعتبر سبب رئيسي في تراجع الأداء حيث أن الإنتقاد لا يكون لغايات التصويب والإصلاح لأماكن الخلل ، وإنما يكون موجهه لأنتقاد الأشخاص أو الجهات ذات المسؤولية أو حتى طريقة أدائها‘ بناء على أهداف بعيدة عن الصالح العام، مع الأخذ بعين الإعتبار إن التبرير لهذا الإنتقاد هو للصالح العام وللأسف العكس صحيح ، وهنا يكون هذا النوع هو سبب لإنعدام للثقة بالإضافة للخراب والفساد على مستوى الجهات أو الأفراد، وقد ينعكس هذا الإنتقاد على ثلاثة جوانب.
فالأول: يجعل المسؤول يخضع لهذا الإنتقاد وبالتالي ينعكس بالخضوع لصالح الأهداف الخاصة على حساب الصالح العام .
والثاني: أن ينعكس ذلك بتصديق الرآي العام لهذا الإنتقاد وفقدان الثقة بالجهة المسؤولة وما يتبعها من أشخاص، فكل عمل تقوم به الجهة ذات المسؤولية هو محط إتهام وتشكيك.
والثالث: أن تفقد المؤسسة الثقة بنفسها وينعكس ذلك عليها وعلى أدائها وإنشغالها بتلك الإنتقادات مما يؤثر على نسبة الإنجاز وتفشي السلبية في الأداء.
نحن اليوم أحوج ما نكون بشكل دائم ومتواصل إلى النقد البناء الهادف، الذي يوجهه الجهات ذات المسؤولية والمسؤولين من مختلف القطاعات وايضا أفراد فاعلين بالمجتمع نحو الكفاءة والدقة والإبداع في الأداء، ويحفز الكوادر للقيام بأفضل ما لديهم وأيضا مساعدتهم في تحديد أماكن الخلل وتصويبها، وأن يكون الإنتقاد للمسميات وليس للأشخاص، وأن لا تهاجم وتغتال الشخصية العامة لاهداف خاصة، وإن وجد الخلل ولم يعالج هناك جهات مسؤولة رقابية وتنفيذية عن هذا الأمر من مهامها محاسبة كل مقصر بقصد أو بغير قصد، فنحن كما أتفقنا منذ البداية هناك قوانيين وضعت تحدد الحقوق والواجبات وتحاسب كل من يخالفها بشرط توفر الأدلة الكافية، وأن لا تكون مجرد إشاعات فقط لمجرد الإختلاف أو الإغتيال أو الأهداف الخاصة، “فالبينة على من إدعى واليمين على من أنكر”.
وفي النهاية كل من يثبت عليه التقصير بالأدلة والبراهين يجب أن يحاسب وأن يدفع ثمن أخطاءه بكلا الإتجاهين ( بقصد وبغير قصد ) فالخطأ في الشأن والصالح العام لا يغتفر.
اليوم نمر بمرحلة صعبة وجميعنا شركاء حكومة وشعب، فكلما وجهت أقلامنا ورسائلنا بالإتجاه الصحيح كلما كانت النتائج على قدر التوقعات والطموح وتحقيق النتائج المرجوة.