الشاشة الرئيسيةمقالات

اليوم الثلاثون… غزة اذ تقاوم

د. عبدالمهدي القطامين
لم يكن فجرا عاديا ذلك الفجر المنبثق ضوءه مع هبات نسائم غربية تسللت على عجل من جبال القدس فيما الفتية الذين امنوا بربهم ينهون صلاة الفجر جماعة ثم ينقضون على العدو المحيط بهم احاطة السوار بالمعصم وكان نداؤهم الخالد الله اكبر يتردد صداه على اطراف غزة وفي عمق مستوطنات اليهود التي ترامت على مد الافق مسترخية وقد ظنت انها لن تغزى وانها ستظل رغم انف التاريخ والجغرافيا معا .
فجر السبت كان يوما غير عادي وكان الناس بين مصدق ومكذب فهل بدأ الزحف المقدس نحو القدس وهضابها وازقتها وحاراتها القيمة وماذا صنع اولئك الفتية الذين اقبلو على الموت غير هيابيين وكانوا يرددون بصوت واحد : وانه لجهاد نصر او استشهاد.
كان ابوعبيدة ومحمد الضيف قد انهيا صلاة الفجر سوية بينما رسمت على طاولة رملية امامهما خريطة تبين منعرجات الهجوم وخط سيره يوزعون الادوار بين السرايا التي اعدت عدتها ذلك المساء وكان كل منهم حريص على ان يودع عائلته في تلك الليلة ضم ابو عبيدة طفلته الصغرى قبلها بين العينين وبصوت طفولي كانت تتساءل : هل انت مسافر يا ابتي ؟ اجابها : نعم سفر سريع وساعود يا بنيتي ان شاء الله ولم يكن احد من اهل الدار يعلم ان ساعة الصفر قد حانت وان الايدي المشتاقة لزناد البندقية وهي تهدر في وجه الاعداء تنتظر ايضا مع صاحبها ساعة الصفر .
كانت غزة ترتدي شفقا ارجوانيا في ذلك الصباح وكان البحر الهادىء يرمق بطرف عينيه الفتية القادمون راجلين وركبانا ولمحت عيناه بعضهم يحلقون بالشراعيات …. ابتسم قليلا فرك يديه بحبور واضح …. ردد بينه ونفسه …. : عفية لفد عدتم اذن .
وراح اولهم يردد
أَقولُ لَهَا وَقَدْ طَارَتْ شَعَاعا
مِنَ الأبطَالِ وَيْحَكِ لَنْ تُرَاعِي
فإِنَّكِ لَو سَــأَلْتِ بَقَـاءَ يَوْمٍ
عَلىَ اَلأَجَلِ الَّذِي لَكِ لَمْ تُطَاعـي
كانت فرقة غزة التي اذاقتهم المر يوما على مرمى حجر من رتلهم الاول احاطوها من كل الجهات سموا بالله وتوكلوا وكانوا مثل الصقور حين تنقض على الفريسة بدا الجند الذين اعتادو القتل بالات الحرب يفرون امام جحافل الفتية المؤمنون كان الموت يلفهم بعاره وهم منهزمون وكان الرصاص كله يخترق الظهور المولية بينما نداء الفتية يرتفع في عنان السماء مرددا انه لجهاد نصر او استشهاد .
كانت دبابات العدو تتهاوى امام ضربات الفتية المؤمنون وكان الفتية ينتزعون الجيش الخائر من حصونه المعدنية يجرونهم ويقتلونهم جراء ما فعلت اياديهم طيلة سنين طوال بشعب اعزل الا من ارادة البقاء .
اليوم الثلاثون وغزة تصرخ يا وحدنا والدم الزكي ينساب في الطرقات وفي الازقة والحارات وكان الاطفال يتهيأون للنوم لكن يد الغدر طالتهم فضاقت عليهم الارض بما رحبت وكانت طفلة سمراء لوح البارود وجهها الجميل تهتف في مسعفيها : ” سقعانة … بدي ماما ” يا لعار الكون الذي عجز ان يدفىء طفلة قتل البارود روحها وشوه وجهها الجميل كانت تقلب ناظريها في الافق البعيد عل قادم يأتي يلبي لكن عيناها ظلتا تحدقان في افق محتدم ليس فيه سوى صواريخ تدك جدار منزلها القديم وصوت الطفلة السمراء المكحلة بالبارود ما زال يعلو : سقعانة يا يمه مين يدفيني؟
يا غزة ايتها الطالعة من وسط الركام اعذرينا اعذري مصيبة صمتنا وهواننا على الناس
يا غزة ايتها المتمردة في زمن الخنوع ضمينا الى صدرك الحنون فنحن ما زلنا نشعر بالبرد تماما مثلما شعرت طفلتك المدللة خذينا لحضنك الدافىء الملتهب عشقا وبارودا وتضحية واباء وشموخا خذينا واغفري لنا بعض هذا الصمت الشائن وامنحينا بعض فرصة للحياة فاننا موتى حتى العظم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى