تجربة الموت في رواية “ضحكت تاني” لموسى برهومة

رمضان الرواشدة
لسبب ما، استفزّتني رواية الصديق الدكتور موسى برهومة “ضحكت تاني”، الّتي قرأتها ليلة أمس، للكتابة عنها فور الانتهاء منها.
وعلى الرغم من، أنّني لم أطرح نفسي ناقداً أدبيّاً متخصّصاً، ولم أمارس هذا النوع من الكتابة إلّا مرّات قليلة جدّاً، وجدتني أندفع إلى الكتابة عن هذه الرواية.
عرفت الرفيق والصديق الدكتور موسى برهومة منذ منتصف ثمانينيّات القرن المنصرم، وعرفت من خلاله مهاراته النقديّة في الكتابة، وفي الفلسفة وعلم النفس.. ولكنّها المرّة الأولى الّتي أقرأ له رواية، رغم أنّه سبق وأصدر رواية قبلها هي “حتّى مطلع الشغف”. ولكن لم يكتب لي الحصول عليها.
وفي البداية، أشكر ناشر رواياتي، الأستاذ ماهر الكيالي، مدير عامّ المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت وهو، أيضاً، ناشر رواية برهومة، الّذي أهداني الرواية، وألحّ عليّ لقراءتها.
استفادت الرواية، محلّ النقاش، من تجربة برهومة في دراسة الفلسفة؛ وهو الحاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة مثلما استفادت من عمق تجربته الصحفيّة، وأفقه الشعريّ الواسع وعمق ثقافته، الأردنيّة، والعربيّة، والعالميّة في شتّى أنواع وتمثّلات الأدب.
تحمل الرواية، في مقصدها الرئيس، فلسفة العبور في مرحلة هي بين الحياة والموت، عبر شخصيّة البطل وائل عبدالكريم، الّذي يدخل المستشفى لإجراء عمليّة قسطرة روتينيّة للقلب، ولكنّه يلتقط جرثومة خبيثة، أصابت دمه وأدّت إلى يعيش تجربة أكثر من أسبوعين بين الحياة والموت في غرفة العناية الحثيثة.
واستطاع برهومة بمكوّنه الفلسفيّ العميق أن ينحت رؤية فلسفيّة لهذا الصراع بين الموت والحياة في حياة وائل عبدالكريم. مثل هذه التجربة ليست غريبة؛ إذ إنّ آلاف في العالم تحدّثوا عن رحلتهم في برزخ بين الحياة والموت، وتحفّل قناة “يوتيوب” بآلاف الأفلام عن مثل هذه التجربة.
غير أنّ تجربة البطل في رواية “ضحكت تاني” والأبعاد النفسانيّة والفلسفيّة وشعريّة الجملة، وجماليّة الأسلوب والسرد، وتكثيف القصّ الحكائيّ، قد جعلت من التجربة، رواية عظيمة.
وليس خافياً، أن يكتشف من يقرأها، أنّ الرواية تتموضع بين السيرة الروائيّة والواقعيّة الحياتيّة؛ فالكاتب نفسه – أي برهومة- يتحدّث عن تجربة ذاتيّة حدثت معه حيث عاش هذه التجربة، يضاف إلى ذلك الأسماء الواقعيّة من الشعراء الأردنيّين، ومن أصدقائه الّذين وردت أسماؤهم في الرواية، أو حتى من أفراد اسرته.
في بداية الرواية، وعلى طريقة الفلاش باك، يصحو وائل عبد الكريم، بطل الرواية، من الغيبوبة، في المستشفى، وقبل الأكل والشرب يفتح قناة ” اليوتيوب” ليسمع أغنية عبد الحليم حافظ ” ضحكت تاني… نفس الضحكة.. وراحت ماشية” ولكن بصوت فضل شاكر كما كان يحبّها دائماً، ويختتم الرواية بنفس الأغنية، ليعطي بعداً ما ورائيّاً للرواية.
ولكي لا أطيل في الحكي..
فإنّني أنصح المهتمّين كلّهم بالثقافة الأردنيّة والعربيّة قراءة “ضحكت تاني”، لأنّ موسى برهومة نحت اسمه بين الروائيّين المهمّين محلّيّاً وعربيّاً. وسيجدون بين ثناياها أكثر ممّا بحت به في هذه العجالة الانطباعيّة.