الشاشة الرئيسيةمنوعات

“الفأل” معتقدات قديمة تتوسم الخير في الآخرين

قبل عدة سنوات، وتزامنا مع امتحانات الثانوية العامة قبل عدة سنوات، كانت الحاجة أم مبارك تشتري مجموعة من الأقلام التي تقدمها لكل طالب يمر من بيتها قاصداً منها قلماً والحصول على دعوة نابعة من القلب تتوج طريقه بالنجاح. تلك الحاجة كان يتوسم فيها الناس الخير والبركة و”الفأل الحسن”، كما يعتقدون.
عشرات السنوات مرت، وكانت تلك العادة موجودة لدى الكثير من العائلات على مدى عقود من الزمن، وما تزال لغاية الآن، يتوسمون فيها الخير من أشخاص معينين، تنبع الطيبة والبركة من نظراتهم واقوالهم ودعواتهم وحتى حبهم للخير، ليكونوا مصدرا للطاقة الإيجابية والبركة “والنية الصافية”.
أم مبارك ليست الوحيدة في عائلتها، وإنما يؤكد ابناؤها أن اسرتها الممتدة يعتبرون من أصحاب الفأل الطيب الذي يلمسه الناس من خلال الدعوات الصادقة والتي تخرج من القلب.
الفأل، إصطلاحاً هو ظن الخير ورجاؤه، كما جاء في المعاجم، ويقال “طلب الفأل”، بمعنى طلب حصول الخير، والشيء الحسن، ومنه التفاؤل، والذي يعني كذلك “الاستبشار بالشيء الحسن كالقول الحسن يسمعه، وكل ما يسر ويسعد من الأشياء الحسنة فهو فأل”، وأن الإنسان يرجو من الله ويظن به خيرا، والناس إذا رجوا ربهم فإنهم على خير، لأن رجاء الله عبادة، وظن الخير بالله عبادة.
ومن الفأل: الكلمة الحسنة التي يسمعها المرء، حيث يتداول الكثيرون الحديث عن الفأل والبركة التي يلتمسونها من الآخرين، ولكن غالبة تلك القصص ترتبط بكبار السن.
ولأن الكثيرين من الأشخاص يبحثون عن الدعاء والصدق في المحبة، لذلك، يلجأون إلى هؤلاء في وقت الحاجة. وتستذكر حنين النادي والدتها حينما ذهبت إلى إحدى السيدات من كبار السن، تطلب منها الدعاء لابنتها بأن تنال معدلا جيدا في الثانوية العامة، بعد أن تعرضت لوعكة صحية ساهمت في تأخرها عن بعض الدورس، وطلبت من تلك السيدة ان تقرأ بعضاً من آيات القرآن على رأسها، كما تقول، ومن ثم تناولت طعام الإفطار في بيتها قبل الخروج لتأدية الإمتحانات.
وبعد سنوات من هذه الحادثة، ما تزال تتحدث حنين عن الراحة النفسية التي شعرت بها من دعاء تلك الحاجة كبيرة السن، ولم تكن حنين هي الوحيدة التي حصلت على تلك الدعوات المباركة منها. قد يكون شعور الارتياح بشكل عام سبباً بذهابها للامتحانات بعيدا عن الخوف والتوتر، ولكن الجد والدراسة كذلك والتوكل على الله سبب لتفوقها واجتهادها.
وقد يرى البعض ان تعليق الراية البيضاء على بوابة البيت، هو أيضاً نوع من الفأل الحسن وأمل ورجاء وحسن ظن بالله بأن يكون الحال أفضل.
خبير التراث الأردني الدكتور نايف النوايسة يتحدث لـ”الغد” عن ماهية الفأل، مشيراً إلى أن الإنسان الشعبي الذي تلتبس عليه الأمور، وخاصة التي لا يجد لها تفسير علمي لمواجتها، ومنها ما لا يجلد لها حلا، يلجأ إلى تجاربه وتجارب الآخرين للبحث عن الحل، وكما جرت العادة، فإن البعض يرى في أشخاص أنهم أهل لـ”البركة والطيبة وقريبين من الله في نواياهم وعباداتهم وحياتهم”، وهنا يلجأون لهم بحثاً عن الدعاء والتبرك المقبول وليس المقدس.
ويعتقد النوايسة أن هناك أشخاصا يظنون أن البعض لديهم فأل طيب سواء بكملة أو دعاء، وحتى هدية صغيرة، تعطي شعورا بالراحة داخل النفس ومن شأنها أن ترفع المعنويات.
ويضرب النوايسة مثالاً على ذلك، بعائلة معروفة في إحدى قرى المملكة، كانت تنتظر أن يبدأ شخص معين بحراثة الأرض وبدء الموسم الزراعي حتى يبدأون هم من بعده، في دلالة على تفائلهم بعمله وهمته في السعي والزراعة، ومن ثم ينطلقون إلى حراثة اراضيهم وكانوا يقولون “مشت سكة فلان إذاً الموسم جيد”، والسكة هنا تعني المحراث.
ويشدد النوايسة على ان هذا الأمر مرتبط بالمعتقدات الشعبية عند الأردنيين، وبعض مناطق العالم العربي، ويجدون في “فلان أو فلانة” من الخير والبركة ما يتوسمون فيه الخير الكثير، ويطلبون البركة منهم بالدعاء والهدايا، وهذا جزء من منظومة معتقدات شعبية كثيرة لدى المجتمع الأردني ولا يمكن وصفها إلا أنها أمور فطرية سليمة النوايا لا تتجاوز ذلك.
ومثال آخر يضيفه النوايسة وهو التوسم بموسم مطري خير عند الاستسقاء بعد تأخر المطر، بأن يكون هناك شخص يتصف بالكرم والنُبل والنفس الطيبة، ويكون ضمن الداعين لله دائما وأبدا، في دلالة على كرم الله الذي ليس له مثيل.
ولكن، وفق النوايسة، تبقى هذه جميعها معتقدات، كما في معتقدات الاستطباب “الطب الشعبي”، وتفسيرها للكثير من التغيرات الكونية، والتي يقف العقل البشري عندها عاجزاً، مؤكداً على انها “معتقدات فطرية تتسم بالبساطة ولا يجري العقل البشري لها محاكمات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى