منوعات

“الحثيمة” طبق شعبي مغلف بروح الجدات والفائدة الصحية

بلهفة واستعداد كبيرين تترقب الأربعينية أم صفوان أبو الحاج لحظة ولادة الأغنام والأبقار، ليتسنى لها حلب الحليب في وعاء، ثم وضعه في قدر على نار هادئة لمدة لا تزيد على عشر دقائق، لتصنع منه طبق اللبأ “الحثيمة”، ذا المذاق الشهي، والفوائد الصحية العديدة.
وتوضح أم صفوان ما هو اللبأ الذي يعد منه طبق “الحثيمة” قائلة، هي أول حليب بعد ولادة الأبقار أو الأغنام، فلا يوجد هناك حليب، بل عند أول يوم من ولادة الأبقار أو الأغنام يستعمل اللبأ، وهو حليب البقرة الذي نسميه الحثيمة.
ينتظر أبناء وجيران أم صفوان ولادة الأبقار والمواشي (الأغنام، الماعز) التي ترعاها وتهتم بها، للحصول على طبق من “الحثيمة”، التي اعتادت توزيعه لأحبابها، لطعمه ورائحته المميزتين عن الأطباق الأخرى.
وتشرح أم صفوان طريقة إعداد طبق “الحثيمة”، (وهو طبق شعبي ورثت طريقة تحضيره من والدتها وجدتها) بقولها، “يتم غلي اللبأ على نار هادئة، ثم يرش عليه السكر الناعم أو الملح وبحسب المذاق، ويخلط مع بعضه بعضا حتى يصبح جاهزا للأكل”، موضحة أن “الحثيمة” لا تشرب شربا مثل باقي مشتقات الحليب أو اللبن، إنما تؤكل بالملاعق كونها غير سائلة، فلها أهمية كبيرة في تقوية الدم والعظام، ومفيد جدا لكبار السن. وفق قولها.
فيما تؤكد أسرتها أنها تنتظر بشغف لحظة ولادة الأغنام والماعز والأبقار، وحلب الحليب ذي اللون الأصفر والجامد نوعاً ما “أي غير سائل”، ووضعه في وعاء أثناء عملية الحلب لتبدأ عملية الطهي وتقديمه باردا.
وما زال وائل الرواحنة يتذكر اللحظة التي كانت جدته تترقب ولادة الماعز، بقوله: “لحظة ولادة الماعز تسارع جدتي وتحلبها في وعاء حتى يمتلئ بالحليب، ثم تضعه في قدر على النار، لتصنع لنا طبقاً من حليب اللبأ “الحثيمة” المتخثر، ذي المذاق الطيب”.
وتنصح المتخصصة بالتغذية أركان حسن، بتناول حليب اللبأ “الحثيمة” لفوائده الجمة لجسم الإنسان، بسبب إنتاج الغدد الثديية من الحليب لدى الثدييات، والذي يبدأ قبل الولادة ويستمر لأيام قليلة بعد الولادة، لا تتجاوز الخمس أيام في أغلب الأحيان.
وتضيف، “يتبع ذلك فترة تتراوح بين 10 إلى 14 يوما ينتج فيها الثدي ما يعرف بالحليب الانتقالي، وهو مزيج بين اللبأ وحليب الثدي العادي، وتنتهي بإنتاج الثدي للحليب العادي الأقل كثافة”.
وتنصح حسن جميع الأمهات بالحصول على اللبأ وتغذية أطفالهن منه، حتى اللواتي لا يخططن لإرضاع الطفل طبيعياً في المستقبل.
وتشير إلى أهمية حليب اللبأ “الحثيمة”، كونه يحتوي على أجسام مضادة بتركيز عال لحماية المولود الجديد من الأمراض، ويزيد تركيز البروتين في اللبأ عن الحليب العادي بفارق كبير، ولكن مستوى الدهون والسكريات يعد أقل من مثيله في الحليب العادي، وبذلك يكون هضمه أسهل على الوليد.
وتضيف أن الجهاز الهضمي لدى المولود الجديد غير متطور وغير مكتمل، ولذا يعد اللبأ الغذاء الأمثل لتغذية الوليد، لأنه قادر على توصيل العناصر الغذائية الأساسية بتركيز عال وبحجم صغير للوجبة الواحدة. معللة، لذلك، يجب تطمين الأمهات من ناحية أن الكمية القليلة هذه كافية لإشباع حاجة المولود، ولا يحتاج إلى المزيد من التغذية، إلا في حال نصح الطبيب المشرف على حالة الطفل بذلك.
وتنوه حسن إلى أهمية توجيه الأم في متابعة حالة المولود الجديد، وذلك بحساب عدد الحفاضات التي يتم تغييرها يومياً. إذا تجاوز العدد ست حفاضات، يعني ذلك أن الطفل يتمتع بمستوى تروية صحي ولا يعاني الجفاف.
وللبأ مفعول مهم وهو تسهيل حركة أمعاء الوليد، من خلال حث الأمعاء على التبرز للمرة الأولى، ويسمى البراز الأول للمولود “العقي”.
وتتابع، انه يسهم بطرد البيليروبين، وهو من فضلات تكسر كريات الدم الحمراء، والذي يزيد تركيزه بعد الولادة مع تناقص حجم الدورة الدموية للوليد بعد الولادة مقارنة مع حجمها داخل الرحم، ومع طرد البيليروبين من الجسم يحمي اللبأ الجسم من الإصابة باليرقان.
ويحتوي اللبأ على تركيز عال من الخلايا المناعية المعروفة بالخلايا اللمفية، وكذلك العديد من الأجسام المضادة مثل IgA ،IgM وIgG، وكلها من مكونات جهاز المناعة التلاؤمي، ويزيد امتصاص الأجسام المضادة وبخاصة IgA من بطانة الأمعاء ومنها إلى الدورة الدموية لدى الخدج بشكل أكبر منه لدى المواليد كاملي النمو، ويحدث ذلك لأن اكتمال نمو الجهاز الهضمي يغلق المجال أمام امتصاص الجزيئات كبيرة الحجم بسهولة، مثل جزيء ال IgA. فعند امتصاص هذه الجزيئات كبيرة الحجم، تبدأ هذه المسامات بالانسداد، وهي خطوة مهمة في نمو الجهاز الهضمي، لأن بقاءها مفتوحة يجعلها معرضة للإصابة بالتهابات عديدة.
وتقول حسن إن اللبأ يمنع الإصابة بحساسية الغذاء، وبقية أمراض الحساسية مثل الربو والإكزيما وغيرها، مشيرة الى انه يحتوي على تركيز عال من المكونات الرئيسية لجهاز المناعة البدائي مثل اللاكتوفيرين، واللايزوزايم، واللاكتوبيروكسيدات وجهاز المناعة المكمّل والببتيدات الغنية بالبرولين.
كما يحتوي أيضاً على عدة محفزات للنمو، مثل عامل النمو المشابه للإنسولين 1 و2، وعامل النمو المتحول ألفا، وبيتا 1 وبيتا 2، وعامل نمو الأروما الليفية، وعامل نمو الصفيحات الدموية وغيرها الكثير.
وتؤكد حسن أن عدم إرضاع الطفل طبيعياً وعدم حصوله على اللبأ يعرض الجسم إلى طفرة وراثية للجين المعروف ب ABCC11، التي تحدث لدى الأشخاص المنحدرين من أصول من شرق آسيا، وهذا الجين هو أحد الجينات المسؤولة عن نوع شمع الأذن الذي يكون من النوع الجاف أو الرطب.
ويقل تركيز اللاكتوز في اللبأ مقارنة بتركيزه في حليب الثدي، ويرمز ذلك إلى وظيفة اللبأ المناعية، وتحفيز النمو بشكل رئيسي أكثر من أهميته الغذائية.
ويحتوي اللبأ على تركيز أعلى من الصوديوم والكلور والمغنيسيوم، بينما يكون تركيز البوتاسيوم والكالسيوم أقل منه في حليب الثدي.
وتختم حسن بأن اللبأ يساعد في تقوية الدم والعظام، وخصوصاً لدى كبار السن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى