الشاشة الرئيسيةمنوعات

الجوع بعد الفقر.. وحش يزداد شراسة في مواجهة الأردنيين

الغواص نيوز
فيما تواصل تداعيات كورونا بفرض سطوتها على الاقتصاد العالمي تطابق آراء خبراء توقعات البنك الدولي التي تشير إلى أن ظاهرة الجوع في الأردن سوف تصبح أكثر شراسة خلال العام الحالي.
يأتي هذا في الوقت الذي يشهد فيه العالم تأثيرات متتالية لجائحة كورونا على جميع المستويات وارتفاع “معدلات الجوع” الذي كان واحدا من أكثر الأعراض الملموسة في مختلف الدول بحسب البنك الدولي.
ويرى خبراء محليون أن هذه الظاهرة ستبدأ تطفو على السطح أكثر فأكثر، وسينزلق المجتمع من مشكلة الفقر التي كانت بالأصل موجودة ليواجه اليوم ظاهرة الجوع التي تعد أخطر بكثير من الفقر، خصوصا أنّ تبعاتها على الأمن الاجتماعي اكثر خطرا أيضا.
وكان البنك الدولي أشار الى أنّ عدد الأشخاص الذين يعيشون في الأردن على أقل من 1.3 دينار يوميا (خط الفقر المدقع عالميا) سوف يزيدون بنسبة 27 % خلال العام 2020. كما توقع البنك أن عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 2.25 دينار يوميا في الأردن سيزيدون 19 % فيما سيزيد عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 3.9 دينار يوميا بنسبة 13.2%.
وفي السوق المحلية ، شهد الطلب على المواد الغذائية تراجعا ملحوظا إذ أكد نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق أنّ هذا التراجع كان قد بدأ أصلا قبل الجائحة لكنّه بات يتجذر ويتعمّق مع الكورونا.
وأكد أن حوالي 46 % من إنفاق الأسر من الطبقات الوسطى والفقيرة كان على الغذاء، وهذا الانفاق تغيّر خلال السنوات الأخيرة مع ارتفاع تكاليف الحياة وتراجع الطلب على الغذاء لصالح مواد أساسية أخرى (الكرباء، النقل)، التي ارتفعت أسعارها خلال السنوات الماضية.
وأضاف “في ظل كورونا تراجعت الدخول بشكل عام خصوصا مع تأثر أعمال أعداد كبيرة من الناس، وهذا انعكس أيضا على الطلب بشكل واضح وخصوصا في الأشهر الأخيرة”.
وقال “لم نعد نحن التجار نلاحظ الحركة التي تشهدها الأسواق مع نهاية كل شهر وتحديدا مع نزول الرواتب”، وهذا مؤشر- وفق الحاج توفيق- خطير ويدل على أنّ الكثيرين لم يعد لديهم أصلا رواتب لشراء احتياجاتهم الاساسية”.
ويبلغ متوسط الإنفاق السنوي للأسر الأردنية على كل السلع (الغذائية وغير الغذائية والخدمات) يقدّر بحوالي 12,519 دينار( 1043 دينارا شهريا)، ونصيب الانفاق الفردي السنوي 2586 دينارا (215.5 دينار شهريا بحسب أرقام دائرة الاحصاءات العامة لعام 2017.
وعلى مستوى الأسرة يتم إنفاق 4080 دينارا سنويا على السلع الغذائية، و8440 دينارا سنويا على السلع غير الغذائية والخدمات، وعلى مستوى الفرد يتم انفاق 843 دينارا سنويا على السلع الغذائية، و1743 دينارا على السلع غير الغذائية والخدمات.
وستزداد هذه الظاهرة مع تراجع أوضاع الأسر الاقتصادية وتسريح أعداد كبيرة من الناس من أعمالها، بحسب ما يشير إليه أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د.قاسم الحموري.
وقال ” من كان في الطبقة الوسطى وتحديدا الفئة المتدنية من الطبقة الوسطى نزل الى الطبقة الفقيرة، فيما أنّه من كان في الطبقة الفقيرة تهاوى الى “الفقيرة جدا” أو “الفقيرة فقرا مدقعا”، خصوصا انّ النسبة الاكبر من هذه الفئة كانت تعمل في الاعمال التي تضررت بشكل أساسي من جراء الكورونا”.
وأكد أن يكون هناك تكافل وتعاضد بين الناس، لدعم الفقراء خصوصا في ظل محدودية الادوات التي تملكها الدولة.
كما أكد أستاذ علم الاجتماع د.حسين الخزاعي أنّه بعد كورونا بدأت مظاهر الجوع تظهر الى السطح، خصوصا مع زيادة معدلات الفقر التي تزامنت مع ارتفاع معدلات البطالة جراء الجائحة.
ويرى الخزاعي أنّ ارتفاع أرقام الفقر من الممكن الاستدلال عليها من مؤشر مهم وهو “طلبات دعم الخبز” التي قدرت بـ900 ألف طلب جديد بعد الجائحة، يضافون الى 400 ألف طلب قبل الجائحة، وطلب المعونة من الضمان الاجتماعي التي وصلت الى حوالي 400 ألف طلب (عمال المياومة الذين تأثروا).
وأشار الى أنّنا اليوم نتحدّث عن حوالي مليوني فقير جديد وطالب معونة انضموا الى المليون فقير الموجودين والمعترف بهم فقراء قبل الجائحة، ليصل عدد الفقراء وفق توقعات الخزاعي الى حوالي 3 ملايين فقير.
وأوضح أنّ تراكم الديون والمستحقات على الأسر بسبب عدم القدرة على دفع الأجارات والأقساط المترتبة عليها سيزيد من هذه الظاهرة، وسنجد أنّ هناك من بات دون مأوى، حيث سنشهد ظاهرة التشرد في الشوارع.
وبين الخزاعي أنّ جزءا من الفقراء الجدد هم ممن أطلق عليهم “الفقراء عفيف النفس” أو “الصامتون” الذين لم يلجأون إلى طلب المعونة والمساعدة من قبل، إلّا أنّ الظروف القاسية اليوم أجبرتهم على ذلك وجعلتهم يلجـأون لطلب المساعدة.
ويدعو الخزاعي لدعم هؤلاء الفقراء لمحاولة التقليل من حدّة تأثير الفقر، إذ لا بدّ من توفير وزيادة المعونات التي تقدم لهم مع ايلاء أهميّة قصوى لجانب دعم الخبز حتى لا يكون هناك جياع في الأردن، خصوصا أن الخبز مادة أساسية جدا لكل مواطن حتى يبقى على قيد الحياة.
وبحسب الخزاعي فإنّ “ظاهرة الجوع” تعني مشاكل اجتماعيّة متعددة إذ إنّها ترتبط بزيادة الاحتجاجات ورفض الواقع ، خصوصا مع عدم وجود حلول للمشكلات (البطالة، الفقر) والمساندة الاجتماعيّة للفئات الأقل حظا.
كما يعني، بحسب خزاعي، ارتفاعا في الجرائم الاقتصاديّة (الواقعة ضد المال) من سرقة واحتيال وشيكات مرتجعة ورصيد وتزييف، بالاضافة الى انسحاب كبير من الدراسة من طلاب (المدارس، والجامعات) بحثا عن لقمة العيش، مشيرا الى أنّ نسبة الجرائم الاقتصاديّة كانت تشكّل في العام 2019 حوالي 69 % من مجموع الجرائم، ومن المتوقع أن تزيد الى 75 %.
كما يرتبط الجوع بزيادة العنف المجتمعي والأسري وزيادة حالات الطلاق، ما سيؤدي الى انتشار الأمراض النفسيّة من اكتئاب واحباط ويأس وتوتر وغضب وغيرها وهذا يعني زيادة الجرائم الأخلاقية.
وطالب بأن يكون للقطاع الخاص والقطاع المدني والاغنياء وأصحاب الشركات الكبيرة دعم ومساندة الفقراء في الأردن من خلال الجهات المختلفة.
يشار هنا الى أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أشارت الى ان العام 2019 كان الأردن بين 5 بلدان في الشرق الأدنى ارتفع فيها معدل انتشار نقص التغذية؛ الذي يعد مؤشرا تقليديا للمنظمة لرصد الجوع على الصعيدين العالمي والإقليمي.
وأوضحت أن نقص التغذية ارتفع في الأردن بنسبة 5.6 % خلال الأعوام الاثني عشر الماضية تحت ضغط التوترات الإقليمية وهجرة النازحين إلى الأردن بسبب الحروب في بلادهم؛ حيث إن عدد “ناقصي التغذية” كان في الفترة الأولى (2004-2006) يقدر بـ400 ألف نسمة، لكنه وصل في الفترة 2016-2018 إلى حوالي 1.2 مليون نسمة.
وكان معدل انتشار “النقص التغذوي” من العدد الإجمالي للسكان في الأردن في الفترة 2004-2006 يقدر بحوالي 6.6 % من حجم السكان ليصل إلى 12.2 % خلال الفترة 2016-2018.
كما لا بد من الإشارة هنا الى أن هناك 6200 أسرة في المملكة (28078 ألف فرد) غير آمنة غذائيا، وفقا لمسح الأمن الغذائي في الأردن الذي أعدته دائرة الإحصاءات العامة للعام 2013-2014، مقارنة بـ3800 ألف أسرة في العام 2010؛ أي بزيادة قدرها 61 %.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى