الشاشة الرئيسيةفكر وثقافة

الامارات من الغوص في الاعماق الى ناطحات السحاب وحكاية التاريخ السردي البحري لاهل البلاد .

الغواص نيوز
د. عبدالمهدي القطامين
لم يكن يخطر ببال الغواص ” عبدالله بني ياس ” حين كان يغوص في بحر الامارات قبل ستة الاف سنة وهو يبحث عن صيد لؤلؤة اتخذت من جوف المحارة ملجأ لها ومكانا ان ذات المكان سيكون في زمن قادم لم يعرف موعده منتجع ” الجميرة ” الذي يضم في جنباته خليطا من الاجناس البشرية التي وجدت في الامارة مكانا للراحة والاستجمام والبحث عن السكينة
وحين كان ” عبدالله ” يقلب بيديه لؤلؤة اخرجها للتو من جوف المحارة راح يتساءل – ونفسه وانفاسه التي تكاد تنقطع تحت ضغط مياه البحر -هل تكون من ” الدانا ” او “البدلة ” او “الفص ” فيما راح جهده ينشغل ب “الديين ” ،الملفوف حول رقبته ليضع فيه صيده الثمين ، وحبل اخر مربوط بساقه وصولا الى ” الزبيل ” في قاع البحر وهو الحجر الذي يشد الغواص الى اسفل ابحر اثناء عملية الغطس .
كان عبدالله يعاني اشد معاناة وهو يحرص على تثبيت ” الفطام ” وهو المشبك المصنوع من صدفة سلحفاة او من عظمة خروف ليمنع الماء من الدخول الى انفه ما يشكل اعاقة له في الاستمرار في الغطس اطول فترة ممكنة وبين فينة واخرى كان عبدالله يتفقد ” اليدا ” فحياته مرهونة ببقائه ممسكا به ومحيطا به قدمه و “اليدا ” هو الحبل المتصل بين “السيب” والغواص، الذي يسحبه السيب ليرفع الغواص إلى ظهر السفينة بعد عملية الغوص، يجب أن يكون ” اليدا ” طويلا حتى يتمكن الغواص من التحرك بسهولة ولمسافات بعيدة في قاع البحر لجمع المحار .
وكان الغوص الوسيلة الوحيدة لصيد المحار واستخراج اللؤلؤ في الامارات قديما اذ يعد صيد اللؤلؤ في الإمارات العربية قديم جداً، وتدل االآثار الموجودة في المنطقة على أنها تعود لما يقارب 7000سنة، اذ عثر على أدلة لبعض أنواع لآلىء الإمارات العربية في الدول الاسكندنافية.

وفي مطلع القرن العشرين، اعتمد أهل الإمارات على استخراج اللؤلؤ اعتماداً أساسياً في معيشتهم ، حيث كان اكثر من 7 الاف بحار وغواص يشرعون في رحلات لمدة أربعة أشهر مواجهين المخاطر تحت أشعة الشمس الحارقة بحثاً عن المحار لاستخراج اللؤلؤ،
ولم يكن استخراج اللؤلؤ من البحر متاحا في كل ايام السنة بل انه اعتمد على مواسم معينة وتواريخ محددة في العام وتبعا لكل موسم كانت تسمية رحلات الصيد تلك فرحلة ” الخانجية ” او رحلة البرد كما يسميه البعض كانت تتم في نيسان وتستمر شهر نيسان كاملا وعشرة ايام اخرى من ايار اما اخطر المواسم على الصياديين واشدها شظفا ومعاناة فقد كان الموسم الذي يبدأ نهاية شهر ايار ويسمى غوص ” العود ” او الغوص الكبير ويستمر حتى نهاية شهر ايلول وهناك غوص ” الردة ” ويبدأ بعد الغوص الكبير مباشرة مستمرا لمدة شهر في حين ان غوص ” القحة ” يتم على مقربة من المناطق السكنية والمناطق المأهولة بالسكان وفي اغلب الاحيان يستمر هذا الموسم ما يقارب الاسابيع الثلاثة .:
ومثل اي موروث شعبي ارتبط بحياة الناس ومصدر رزقهم فقد كان لصيد اللؤلؤ طقوسا اعتادها الناس والمجتمع الاماراتي القديم ففي اليوم الأول من رحلة الصيد وقبل الشروع فيها كان اهالي الصيادين والغواصين يودعونهم ويلوحون لهم تلويحة الوداع بينما يكونوا على الشاطىء فيما يقف الصيادون على سدة القوارب المبحرة نحو البحر ايذانا ببدء رحلة محفوفة بالمخاطر فيها يتحكم البحر بمراكبهم وسط حيرة وتساؤل من قبل الاهل والصيادين معا ترى هل يعودون من الرحلة تلك ؟ وهل يغدر بهم البحر ؟ ام انه سيكون عليهم حنونا وديعا مسالما وفيما كان الصيادين واهاليهم يعدون الايام والاشهر بانتظار عودة المبحرين ثمة طقوس اخرى للاستقبال كانت تتم على الشاطىء وفي المنازل التي كانت تتزين بالاعلام المصنوعة من البيرق والقماش وفيما ينتظر الاهال على الشاطىء كانت ثمة لغة مشتركة متفق عليها حيث يدوي صوت مدفع من السفن والقوارب القادمة العائدة من رحلة الصيد معلنة عن عودة البحارة وهناك كانت تثور الاسئلة هل عادوا كلهم ام ان احدهم او بعضهم ليس بعائد اذا كان قدره ان يموت بعيدا عن اهله وخلانه واصحابه وفيما كانت سفن صيد اللؤلؤ ترمي مرساتها لترسو في الشاطئ، تبدأ آنذاك أغاني الترحيب لاستقبال الطاقم، في حين يرد الطاقم بالأغاني الخاصة بتلك المناسبة أيضاً.وكانت مواسم الاستقبال تلك تمثل احتفالية لا بد منها في كل رحلة يقوم بها الصيادون .

ولان مواسم الصيد كانت تمتد فترات زمنية طويلة في اغلبها كان لا بد من تخصيص العمل لكل واحد على ظهر البواخر او القوارب المبحرة لكن “النوخذة ” هو “الريس ” بلا منازع فهو قبطان السفينة وهو المسؤول عن الرحلة بأكملها وعن الغوص،في حين ان الغواص (الغيص) هو من كان يقوم بأصعب عمل حيث يغوص في البحر للبحث عن المحار مرارا وتكرارا .
اما ” السيب ” فهو المسؤول عن الحبال التي تستخدم لإنزال الغواصين في البحر لاستخراج اللؤلؤ الطبيعي. كما يقوم بسحب الغواص من قاع البحر بعد أن ينتهي من عمله إلى السطح.
فيما يتولى مهمة فتح المحار (اليلاس) او الجلاس ومهتهم الجلوس في السفينة في اماكن مخصصة وبدء التنقيب عن اللؤلؤ في جوف المحارة بواسطة “المقلقة ” وهي اداة حادة تفتح بها المحارة .
وهناك العديد من الاشخاص الذين يقومون بادوار مساندة لعملية الصيد منهم “الطباب ” وهم الاطفال الذين تكون أعمارهم متراوحة ما بين (10-14)عام، مهمة هؤلاء الأولاد مساعدة ” السيب ” وتقديم الطعام والشراب للصيادين وعادة ما يكون “الطباب ” من اقارب البحارة والغواصين .
ولان الرحلة طويلة وليالي الصيادين طويلة ايضا ما بين الماء والسماء فقد ظهرت الحاجة الملحة لدور مهم يقوم به “النهام ” ووظيفته تسلية البحارة فهو الحكواتي الذي يسرد عليهم قصص وحكايات الناس والبحر والشعر احيانا .

وتعتمد اسعار اللؤلؤ على عدة معايير يعرفها اهل الصنعة وتجار اللؤلؤ واهمها اللمعان فكلما زاد لمعان وتوهج اللؤلؤ، كلما زاد سعره وقيمته والحجم له دوره في تحديد قيمة اللؤلؤ فكلما زاد حجم اللؤلؤة كلما زاد ثمنها وغلا سعرها واصبح بيعها اكثر فائدة واسرع كما ان لون اللؤلؤة يلعب دورا حاسم في سعرها فكلما كان لونها نادرا ارتفع ثمنها على العكطس من لاالوان العادية الدارجة المعتادة .
ولان من سنن الحياة التطور وترك الاعمال ذات الطبيعة القاسية وسط بيئة عمل مضطربة وتشكل بالغ الخطورة على الانسان فقد لجأت الامارات الى استخراج اللؤلؤ حالياً من خلال تدخل الإنسان في عملية تُدعى زراعة اللؤلؤ، حيث يتم توفير بيئة مناسبة وإدخال عناصر تساعد على استخراج اللؤلؤ بصورة أسرع، ويتم ذلك من خلال إدخال نواة مستديرة مع قطعة من النسيج المفرز للؤلؤ إلى داخل أحشاء المحارة.
وينتج المحار بعد تلقيحه ما نسبته 60% من اللؤلؤ، وهو أضعاف ما ينتجه المحار طبيعياً، مما يعني أن زراعة اللؤلؤ أنجح وأسهل من صيد اللؤلؤ كما كان يتم قديماً.

ومن الجدير بالذكر أن استخراج اللؤلؤ الطبيعي كان له دور أساسي في بناء إمارتي دبي وأبو ظبي لكثرة وجود اللآلىء فيها. حيث كان يتم صقل أحجار اللؤلؤ وإرسالها إلى مومباي ومن ثم إلى أووربا وإيران والعراق وتركيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى