هل طمأنة بن سلمان عدم مُنافسة مدينته “نيوم” دبي لا تزال سارية؟.. ماذا عن مُبادرة “هاي كواليتي” لانتقال الشركات إلى الرياض وتحويل “نيوم” إلى مركز للإعلام والتخلّي عن “الوهابيّة”؟.. أوجه الشّبه بين سنغافورة ودبي وبماذا تختلف عنهم “نيوم” وأيّ عوامل قد يُعوّل عليها الإماراتيّون لاستمرار تفوّقهم؟

الغواص نيوز
الأمير محمد بن سلمان وليّ عهد العربيّة السعوديّة، كان قد أكّد في تصريحات تلفزيونيّة أن مدينته الجديدة ضمن رؤيته “نيوم” لن تكون مُنافساً لمدينة دبي، بل ستكون مُكمّلةً لها، لكن ووفقاً لمعالم “مشروع نيوم” فإنّ المدينة ستكون مركزًا للأعمال يَعُجّ بصناعات تحويليّة، وتكنولوجيا حيويّة، وإعلام، وشركات طيران، وهو ما يرفع سقف التنافس على كافّة الأصعدة بين المدينتين، ومنها احتماليّة انتقال وسائل الإعلام الكبيرة إلى السعوديّة، وانتهاء عصر الحج الإعلامي لدبي، ومدينة إنتاجها الشّهيرة.
هذا المشروع السعودي المُتكامل الذي يجري العمل عليه، لعلّه سيكون مُتقدّماً على مدينة دبي القائمة، فالأخيرة كانت وجهة السّعوديين أوّلاً للسّياحة كونها عُنواناً مُبهرًا للملذّات الترفيهيّة، وبلاد السعوديين ثانياً لم تعد “وهّابيّة” محكومةً بضوابط إسلاميّة صارمة، ليكون السّؤال القائم لماذا تبقى دبي وجهة السيّاح السعوديين، وفي بلادهم البديل المُنافس المُستقبلي، كوجهة سياحيّة، واقتصاديّة.
دبي كانت مركزًا فريدًا للأعمال الحُرّة، وحين جرى تشييدها كانت وحيدةً كبيئة جاذبة للاستثمار السّياحي، وكانت السبّاقة عربيّاً لتذييل العقبات أمام المُستثمرين، في زمنٍ كانت البيروقراطيّة والعقبات والفساد، يحكم الدول العربيّة السّاعية لخلق مناخ اقتصادي، سياحي، واستثماري، لكن السعوديّة بدأت تخلق هذا المناخ الذي يتماشى مع رؤية الأمير بن سلمان 2030.
تقارير صحفيّة تحدّثت عن تسهيلاتٍ كبيرة بدأت بها الرياض لجذب الشركات الأجنبيّة، والكبيرة، والمُتوسّطة، والصّغيرة، وهو ما يخلق عامل مُنافسة كبير مع دبي، مع الإشارة لعامل الخِلاف النّفطي القائم بين البلدين هذه الأيّام، حول خفض الإنتاج ورفعه، وهو ما دفع بالرياض الطّلب من شركاتها الانتقال إلى السعوديّة، ضمن مُهلة تنتهي بعُقوبات، وهو ما يراه البعض مُتعَمّدًا، ويخدم الرؤية السعوديّة.
تقرير لموقع “المونيتور” الأمريكي كشف عمّا يعتبره البعض مُحاولة تنافس وليس تكميلاً لدور دبي الاقتصادي، كشف عمّا يُعرَف باسم مُبادرة اسمها (بروجرام هاي كواليتي)، وهي المُبادرة السعوديّة التي تقوم على تقديم حوافز للشّركات الكُبرى لنقل مقرّاتها من دبي إلى الرياض مثل جوجل وسيمنز، وهو ما يرفع سقف التّنافس بين السعوديّة، والإمارات.
تخلّت السعوديّة عن القواعد التقليديّة للاستثمار، وأنهت عصر المعروف والمُنكر، وهذه عقبات كانت قد سمحت لدبي بأن تكون المفر الآمن للشّركات، عدد سُكّان السعوديّة الذي يتعدّى عدد سكّان الإمارات ثلاثة أضعاف إن لم يكن أكثر يجعلها أكبر سوق خليجي بفارقٍ كبير وفقاً لوكالة بلومبرج الاقتصاديّة، الانغِلاق والصّرامة الدينيّة انتهت، وهو ما يُفَسِّر القلق الإماراتي من الانفتاح السعودي اقتصاديّاً، في القِطاعين الاستثماري والسياحي.
طمأن الأمير محمد بن سلمان في العام 2017 مُنافسته دبي، خلال حديثه عن التّنافس معها، وقال لا أعتقد أنّ هونج كونج أضرّت بسنغافورة، أو أضرّت سنغافورة بهونج كونج، مُؤكّدًا بأنّهما يَخلِقان سُوقاً جيّدًا حول بعضهما البعض.
هذه العوامل قد تبدو إيجابيّةً لصالح السعوديّة في حال عقد المُقارنة، لكن مشروع نيوم هذا، مشروع لا يزال يُحاكي المُستقبل، ويقول مُنتقدون إنّ مدينة دبي قائمة، كما سنغافورة، وتلك المدينتين قد تدرّجتا حتى وصلتا لما هُما عليهما الآن، سنغافورة التي تحدّث عنها بن سلمان مرّت برحلةٍ طويلة من الستّينات حيث كانت مدينة مُستنقعات لتُصبِح مدينةً ذكيّة بالكامل كما يرغب وليّ العهد السعودي بأن تكون مدينته نيوم، أمّا دبي فقد تحوَلت مُنذ زمن إلى التّكنولوجيا المُتقدّمة، والاستثمار في الشّركات الناشئة، وتخفيف الأعراف الاجتماعيّة لجذب السياحة، وعلينا أن نتَذكّر أن نصف دبي وزوّارها من السعوديين، والمُغريات المعروضة في نيوم قد تُغنيهم عن الطّيران إلى دبي للمُتعة أو التّجارة.
هُنا يُؤخَذ على وليّ العهد السعودي الشّاب أنّ طُموحاته كبيرة، لكنّه يرغب في فعلها مرّةً واحدة، دُون تدرّج، والواقع قد يتنافى مع الأحلام، السعوديّة كما يُقدّر خُبراء تعتمد في إنشاء مدينتها تلك على العُقول الأجنبيّة، كما أنّ مُخرجات تعليمها لا يتوافق مع الرّغبة في التّحوّل إلى الذّكاء الاصطناعي، أيّ حُلُم تنفيذ المشروعات يسبق واقع التّطبيق التّدريجي، والذي مثلاً كان حاضرًا في التّجربة السنغافوريّة ضمن مُعادلة العلم والأداء، هذا إلى جانب استِمرار المملكة في اعتِمادها على ثروة النفط، وتمويل مشروعات نيوم منها (تكلفة 500 مليار دولار)، في خطّة (الرؤية) التي يجب أن تذهب بالبِلاد إلى تنويع مصادر الدّخل، وأمام تهاوي أسعار النفط وتراجع استِهلاكه.
ليس وحدها مدينة نيوم ستكون موضع المُنافسة، فقد أطلق الأمير بن سلمان مدينة “ذا لاين”، وهي مدينة خطيّة مدعومة بالطّاقة المُتجدّدة، وباستخدام الذّكاء الاصطناعي، هذا المشروع يحتاج أيضاً لثلاث سنوات حتى يرى النّور، وسيتم تمويله من صندوق الدّعم الاستثماري الذي جرى الإعلان عنه لمدينة نيوم.
بكُل الأحوال لا تزال المُنافسة بين دبي ونيوم، حِبرًا على ورق فالإعلام الأمريكي يربط هذا التّنافس بشرط إن سارت الأُمور على ما يُرام فإنّ هُناك ما يستدعي قلق الإماراتيين، ولكن جرى الإعلان عن انطلاق مشروع نيوم العام 2017، واليوم نحن في 2021 ولم تبدأ بعد أعمال التّشييد الضّخمة.
وفي تقريرٍ لوكالة “رويترز” يقول كاتبه بأنّه يجري التّرويج لنيوم على أنّها رؤية لمُستقبل أكثر إشراقًا، ومع ذلك لم يُقدِم المُستثمرون الدّوليّون بعد على الاستثمار بها، ونوّه التقرير إلى أنّه كان هُناك بعض الارتياب حِيال ما يُعرَف “بالمشاريع العملاقة” في السعوديّة، مُشيرًا في مُقارنةٍ إلى مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصاديّة في أوائل العقد البادئ عام 2000، والتي لم تَشهَد انطِلاقةً حقيقيّة أبدًا، لعلّ هذه أسباب يُعوّل عليها الإماراتيّون واستِمرار تفوّق مدينتهم دبي، وكان قد سبق لصحافة محسوبة على الإمارات أن سخّفت من مشاريع نيوم، وطُموحاتها الخياليّة على حدّ وصفها.
رأي اليوم”-