الشاشة الرئيسيةمقالات

جُنونٌ لا مَعقول.. رَفعُ أسعار المشتقّات النفطيّة استهتارٌ أم استغفال؟

المهندس سليم البطاينة
تعلّمنا في الأردن عندما نَسأل أين هي الحقيقة نُصاب بالصدمة لأنها فعلياً تَكمُن في مكان بعيد عن هنا!
فالإستِغفال في هذا السياق هو رَمي المُستغفَل (أسم المفعول) بالجهل وسلب الوعي.
ولِلحظة كُنت أعتقد أنّ شخصية Dracula أسطورية .. لكن عندما سَمعت قرار الحكومة الأخير قبل أيام برفع أسعار كافّة المشتقات النفطية والمحروقات وفي القريب العاجل أسعار التّعرفة الكهربائية أصبحتُ مُتيقن من أن دراكولا لا يزال يسكن الدوار الرابع .. فما فَعلَته الحكومة يشبه الإستهتار والإستحمار ومعاقبة الأردنيين على صَبرهم.
وحجّة الوزيرة زواتي كانت مُضحكة جداً إلى حدّ البكاء وقالت أن سبب رفع الأسعار هو إزالة تشوّهات الفاتورة وتَبسيط التعرفة الكهربائية وتخفيض الشرائح وكأنّ الشعب أهبل.
فمَلف الطاقة في الأردن كان وما زال وسيبقى يواجه غموضاً في كافّة جوانبه .. وهو ملف موبوء ومشبوه ولطالما كانت صفقاته واتفاقيّاته صادمة تُحاك في السّر ووقّعَت بظروف غامضة لا نَعرف عنها شيئاً.
وارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء بلا توقف ولا ضبط هو جنون وإنفلات ليس له مثيل .. والمصيبة الكبرى أن أجهزة الدولة صامتة لا تَسمع نُصحاً وهي بحاجة إلى صوت كبير يوقظُها .. فالضحية هنا هو شعب أصبح فقيراً.
فتلك الإرتفاعات في الأسعار تَعني مَصفوفة طويلة من السلع والخدمات ( المخابز ومحلات الحلويات والمطاعم الشعبية والفنادق والصناعات الغذائية .. الخ ) سوف تَعصف بالناس من مختلف الطّبقات الإجتماعية.
فيبدو أنّه ركض بلا جدوى في ممر ضيق .. فإلى متى سنبقى في معاناة أحاجي وألغاز أسعار الطاقة في الأردن ؟ وما هو الوقت الذي سنتوقّف فيه عن الركض من أجل حياة كريمة دون عَوز ؟
فرَجل الدولة الذي يُخطىء في قراءة المشهد ويَنفصل عن الواقع هو أحادي الرؤية ولا يحسن استخدام خيارات وبدائل .. فهناك خيطٌ رفيع بين العِند بحِكمة والمكابرة.
فمن قرأ التاريخ جيداً سيتأكد أن العِناد والغَباء ضيّعت بلاد بأكملها .. فكَم من الحكومات سقطت .. فاللاّمبالة التي نُشاهدها في وجوه الناس هي بمثابة إنذار بأننا دخلنا دائرة الفراغ واليأس المُفرِط .. فالوضع المعيشي للأردنيين لا يُنذر بخير فقد فقدوا رُشدهم وتوازُنهم الداخلي وهذه محطة أساسيّة لِدَق نواقيس الخطر.
فالفَقر والبطالة لطالما كانا عائقاً أمام خطط ولجان الإصلاح السياسي .. فتهيئة الأرضية المناسبة للإصلاح السياسي والإقتصادي يستلزم تنمية ناضجة .. فموضوع الفقر والبطالة في الأردن يتشعّب ويضم المزيد إلى أتباعه سنوياً وحكايات الفقر والبطالة والغَلاء الفاحش لا يُحب صُنّاع السياسات سماعها .. فالفقير في الأردن يتصارع مع قُوَى أحياناً ترميه أرضاً وأحياناً أخرى تُرديه بالضربة القاضية .. فثالوثُ الفقر والبطالة والغلاء يُضاعف من مصائب الأردنيين.
فاللأسف فحتى هذه اللحظة لم نُشاهد مشروعاً تنموياً واحداً ولم نَسمع ان الحكومة لديها رؤية لمعالجة الأوضاع المتردّية لإنهاء حالة العُقم ورسم خارطة طريق إنقاذ اقتصادية وإقامة إطار عام لإدارة المخاطر.
فالصحة والتعليم والنقل والخدمات في تَراجع مخيف والزراعة في انهيار والصناعة مفقودة والإنتاج متعطّل ومتوقف والصادِرات باتت في فلك الأمنيات .. وعوامل التنمية تبخّرت .. والخوف من أن نُصبح دولة غير قادرة على إطعام شعبها ويُصبح اقتصادنا غير قابل للنمو والعيش.
فعلاقة الحكومات المتعاقبة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ ثلاثين عاماً تُثيرُ المخاوف كون جميع برامج إصلاحات صندوق النّقد والبنك الدّولي أدّت إلى ارتفاع منظومة الفساد ومعدّلات الفقر والبطالة من خلال متواليات ومصفوفات كرَفع الضرائب والرسوم وبيع أصول ومؤسسات الدولة وخَصخصتِها ورفع الدعم عن كافة السلع الحياتيّة بحيث لم يعد في الأردن هناك سلعٌ مدعومة.
فالصندوق والبنك الدولي للأسف لا يُهمّهم إلا عجز الموازنة .. ولا ينظرون إلى المسائل الإجتماعية ولا يُعيرونها أي اهتمام.
فالبرنامج الحالي مع الصندوق لن يتمكّن من تحقيق نمو اقتصادي فهناك ٣٨ شرطاً على الحكومة وَضَعها الصندوق والبنك الدولي أهمّها رفع أسعار المحروقات وأسعار المياه والكهرباء وضرائب أُخرى ورُسوم.
وإذا استمرّ هذا البرنامج بتلك الشروط سيَدفع ثمنه أصحاب الدخل المحدود والفقراء .. فالحكومة إلتَزمت فعلياً مع مجموعة البنك الدولي بخطة مُدّتها ثلاث سنوات بدأت مع بداية هذا العام .. والبنك الدولي حثّ الحكومة الحاليّة والحكومات السّابقة مرّات ومرّات على رفع أسعار المياه وخَدمات الصرف الصحي بنسبة ٤٠٪.
فعَلى ما يبدو أنّ الحقائق تُزعج الحكومة ولا تُحب سَماعها وإذا استمرت في مواصلة الإقتراض والإستدانة فإنّها ستُدخِل نفسها وتُدخِلنا في نفق مُظلم في كافة الإتجاهات وستبدأُ جدرانها بالتّصدع والإنهيار.
نائب اردني سابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى