العقبة: تفاقم تسول الأطفال ” المغلف بالعمل” على الإشارات الضوئية

يمثل تفاقم أعداد أطفال الإشارات الضوئية في العقبة عقب الانحسار الملموس في جائحة كورونا خير دليل على تزايد عمالة الأطفال، وفق ما يرد في بعض التقارير المحلية والعالمية، ما يدعو إلى ضرورة سرعة التحرك لمحاصرة هذه الظاهرة قبل استفحالها، لا سيما في مدينة تعد واجهة سياحية مهمة في الأردن. والحال أن مشهد هؤلاء الأطفال مثقل بالمحمولات المثيرة للكآبة، عندما تراهم يتقافزون عند مفترقات طرق الإشارات الضوئية العشر في هذه المدينة السياحية، خصوصا أن أعمارهم لا تتجاوز 13 سنة، وأحيانا أقل من ذلك، يتنقلون بين السيارات ويعرضون أنفسهم للمخاطر، لا سيما عند الإشارات التي تكثر عليها شاحنات النقل الكبير، إما للتسول غير المباشر عبر عرض سلعهم من الورود والعلكة والماء، أو للتسول المباشر الصريح.
وفي العادة يلتصق المتسولون بنافذة المركبة في مشهد متكرر يوميا، غير عابئين بأشعة الشمس الحارقة، وبلا وجود رقيب أو حسيب، الأمر الذي بات يشكل إزعاجًا كبيرا للأهالي والسائحين على حد سواء.
يؤكد ذلك، مثلًا، المواطن محمد البرديني، الذي يقول لـ”الغد” إن هؤلاء الأطفال في غالبيتهم قصّر، يصلون الليل بالنهار على الإشارات الضوئية، وفي مختلف الفصول ليتسوّلوا من السائقين، بحجة بيعهم بعض السلع، أو لتنظيف زجاج السيارات مقابل مبالغ مزهيدة، وغالبا ما يغلّفون التسول بقناع العمل، مؤكداً أن تلك الظاهرة أصبحت مزعجة على الإشارات الضوئية فيما لا تبذل الجهات المختصة أي تحرك لمعالجة الظاهرة.
بدوره، يشير المواطن أيمن المحتسب إلى أن هؤلاء الأطفال على الأغلب يتسولون السائقين لشراء العلكة بطريقة مزعجة، معرضين أنفسهم للخطر نتيجة التنقل من تقاطع إلى آخر، إلى جانب وجود بعض النسوة اللواتي يحتضن أطفالا في سن الرضاعة، ويتوسلن المال بحجة إنفاقه على حاجات الطفل، مؤكدا أن تلك الظاهرة تعد “جريمة كبيرة” بحق أطفال المدينة، خصوصا وأن منهم من يتم استغلالهم لهذه الغاية.
أما المواطن حمزة صلاح، فيطالب وزارة التنمية الاجتماعية بسرعة التحرك لحماية هؤلاء الأطفال وأسرهم الذين تدفعهم الحاجة إلى التسول في الشوارع، وأن عليها أيضاً أن تحمي هذه الفئة والمجتمع عموما من أخطار من “يتاجرون بالطفولة ويستغلون أطفالاً محرومين لا حامي لهم ولا مرشد” وفق قوله، مؤكدا أن عدد الأطفال المتسولين في العقبة آخذ في الازدياد نتيجة غياب الرقابة.
وبحسب إحصائيات وزارة العمل، يوجد أكثر من 70 ألف طفل يعملون في الأردن، منهم 45 ألفًا في مهن خطرة، في العام 2016، بينما تعد هذه الأرقام الأقل بين مختلف أقاليم العالم التي غطتها قاعدة بيانات عمالة الأطفال لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” للأعوام 2010- 2018.
وتعرف “اليونيسيف” أطفال الشوارع بأنهم “كل طفل أيا كان نوعه، ذكرا أو أنثى، اتخذ الشارع محل إقامته دون رعاية أو حماية أو إشراف من أي شخص بالغ وراشد”، في حين وزعت أطفال الشوارع إلى أطفال من دون أسر أو مأوى، وأطفال يعملون طوال النهار في الشوارع ويعودون لبيوتهم ليلاً، وأطفال مع أسرهم ويعيشون في الشارع معهم.
من جهته، يقول المواطن أحمد الوحش إنه يسعى دائما إلى إبعاد الأطفال عن الإشارات الضوئية، ويقدم لهم النصح والإرشاد، لكنهم غالبا لا يمتثلون للنصائح، بل يتنقلون يوميا على الإشارات، مرجحا أن أعدادهم “ليست قليلة”، وأنه لم يعتد مشاهدة تلك الظاهرة المؤذية للمدينة السياحية من قبل.
ويضيف أن أعداد هؤلاء الاطفال تكثر خاصة في نهاية الأسبوع، حيث يستغلون قدوم الزوار فينتشرون على الإشارات والشوارع العامة.
أما المواطنة مي بحتو فتشدد على دور المجتمع وتكاتفه لمكافحة ظاهرة “أطفال الإشارات”، بدءا من الأسرة ذات الدور الرئيس في تشجيع الأطفال على التعليم، وانتهاء بالجهات الرسمية ومؤسسات المجمتع المدني، من خلال تكثيف الحملات التفتيشية على أماكن انتشار هؤلاء الأطفال، إضافة إلى تنظيم حملات توعوية عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وغيرها، فضلا عن عقد محاضرات وندوات تحذر من مخاطر هذه الظاهرة، وللتعاون على إنهائها للأبد.
وبحسب مدير التنمية الاجتماعية في محافظة العقبة محمد الطورة، فإن القانون يحظر ملاحقة هؤلاء الأطفال، على اعتبار أنهم “باعة متجولون”، وهذا ليس من اختصاص “التنمية” بل يناط عادة بوزارة البلديات، كاشفا عن أنه تم في الماضي ضبط عدد منهم وتحويلهم إلى المحكمة، وبسؤالهم عن جرم التسول أجابوا بأنهم “ليسوا متسولين بل باعة متجولين” فأطلق سراحهم.
على صعيد آخر يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية، أن هناك لجنة لمتابعة سلوك الأحداث داخل كل محافظة، تقوم بجولات ميدانية باستمرار لمتابعة هؤلاء الأطفال واصطحابهم إلى دار المحافظة واستدعاء أولياء أمورهم، مؤكداً أن عدد الأطفال المتسولين في العقبة “محدود، وسبق إيقاف اثنين من أولياء امورهم وتوقيعهم على تعهدات لعدم تكرار عمليات التسول المغلفة بالعمل”.