الشاشة الرئيسيةمقالات

العقبة بلا عقبات

علي ابو الريش – كاتب اماراتي

في اجتماع أشبه بتلاقي النجوم، أشبه بأحلام زاهية في عيون العفوية، بدا لقاء السحاب بين قادة الإمارات، والأردن، ومصر، والعراق، كمولد جديد لجداول الماء في عروق حقول الحياة، كلغة جديدة في ثنايا القاموس العربي محركاً المياه بدءاً من نخيل البصرة مروراً بنخيل الإمارات، وعطفاً على نخيل سيناء العريقة، حيث حطت الأمنيات جميعاً عند خليج العقبة ومدينته الفيحاء.
تلك هي الابتسامات المتهللة على الوجوه كانت كفيلة بأن تمنح الملاحظ، والمتابع، والشغوف برؤية هذه النسائم، وهي تعبر محيط العروبة كي تعلل سعفات القلوب وتمنح العيون بريق الآمال العريضة نحو وطن عربي يزيح عن كاهله غبار عقود، ويرفع عن عاتقه جبال التدخلات الخارجية وما فعلته في الضمير الوطني من تمزق، حتى كاد الفرات يقول: من أين لي كل هذا الطمي وأنا ما زلت أحلم بغد جديد تشرق فيه الشمس على ضفافي وتمنح أهلي عذوبة الرشفات؟!
في هذا اللقاء بدت العقبة مثل كون يتشكل في أول نهاره ويمسح عن جفونه سغب أيام، وتعب أنام، ومن تلقى الخبر كان في تلك اللحظة يشعر بأن هذه الأمة كالنخلة تمرض، ولكنها لا تموت، لأن منها جاءت الحياة وتحت جذعها تم الميلاد الحقيقي لنبي أعطى العالم سر استمرارية الوجود حين قال لقومه: إن لم تولدوا من جديد لن تدخلوا الجنة.
هذه هي سنة الحياة، وهذا ديدن الوجود، فالحضارات مثل الشمس تخبو في مكان لتشرق في مكان آخر، والتطور مستمر على الأرض، ولن تختفي الحضارة البشرية طالما هناك رعاة ينمون الروح البشرية بإكسير الحلول التي تمنع التصدع، وتدفع التقوقع، وتعمل على تقليم أظافر المعضلات ومن ثم دحرها، ومهما فعلت المخالب العدائية، ومهما تسللت في الظلام لهدم الجدران، فإن في هذا الوطن الكبير عقولاً تحمي، وقلوباً تذود، وضمائر تسهل على الناس أجمعين، ضمائر مؤمنة بأن المصير واحد، والهدف واحد، وبوجود قنوات التلاقي المفتوحة على آخرها يبقى الحلم أنصع من خد النجمة، وأروع من نث الغيمة، وبوجود قادة حلمهم هو وحدة المصير، وموالهم هو صناعة المجد لأوطانهم، وتحرير الشعوب من ربقة الضعف والهوان.
هذه الأمة قوية بعزيمة قادتها، صارمة بوحدة أهدافها، حازمة برقي أبنائها، ومهما اشتدت رياح وعصفت عواتٍ ستبقى هذه الأمة قلعة الحضارة الإنسانية، وشمعة ليلها، وقاموس بلاغتها، ومتراس صمودها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى