الشاشة الرئيسيةمقالات

“الرعد الحازم ” ….حين لا تموت الاوطان

د.عبدالمهدي القطامين
حين سجد في صلاة الفجر انزلق من جيب سترته نسخة من القرآن الكريم قبلها بعد ان انهى صلاته اعادها الى جيب السترة حمد الله واثنى ، تراءت له امام عينيه صورة والده الذي اشتعل رأسه شيبا وخلفت ايام وسني السجن بعضا من ملامحها على وجهه المتعب ، كانا سوية على الافطار في اليوم السادس من رمضان وكان ” رعد ” كعادته مبتسما باشا ولم يدرك أيا ممن تحلقوا على مائدة الإفطار انه سيرتقي شهيدا بعد ساعات قليلة .
بعد الافطار تهيأ “رعد ” لتنفيذ ما قرر ، ثمة شحوب بدا على وجه والدته ، رجة خفيفة لمحها على يديها المتغضنتين اندفع مسرعا نحوها قبل يديها الكريمتين وبصوت خافت سأل …ما بالك يا امي هل انت متعبة ؟
: لا يا ولدي …ابدا فالحمد لله انا بخير لكنها اثار الصيام …احست برعدة تجتاح جوانحها وكان رعد امامها بكل حضوره البهي الجميل
: وداعة الله يا ابني ….
سمعها تقول وهو يرد الباب وراءه …..كان يعرف الطريق جيدا فتل ابيب على مرمى حجر من جنين ….تذكر يوم ان جاءت قوات الاحتلال بكل جبروتها واجتاحت المخيم …كانت جثث الاطفال والنساء وجثث المقاتلين قد ازدحمت على باب المخيم وفي عمقه بعد ان احرقت الة حربهم الأخضر واليابس ….ثمة ملهى ومطعم على يمين شارع ( ديزنغوف ) كانوا هناك يثملون ويعربدون مئات من جندهم بكامل زيهم العسكري وآخرين بزي مدني عرفهم على الفور …هم فصيلة المستعربين الذين يعيثون فسادا حيثما وجدوا ….وجه بندقيته نحوهم …سمى باسم الله ورمى… كانوا اجبن من ان يواجهوه …اسلموا ارجلهم للريح هلعا وخوفا ….رصاصه المنهمر كان يعرف طريقه جيدا و بهدوء انسحب عبر طريق جانبي… ومضى الى يافا وفي ساحة الساعة اقام الصلاة …صلى منفردا وتلا ..” منَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا ”
وتراء ت له صورة والده…. تمتم …. استودعتك الله يا ابي … ثمة حركة غريبة في المنطقة المحيطة بالساحة صوت جهاز لاسلكي يعلو عن ميمنته
: اذن لقد أتوا
جاءه صوتهم من بعيد طلبوا ان يسلم نفسه لهم ، تناول سلاحه واتكأ على جدار مرأب السيارات لكن الرصاص انهمر عليه من جهات متعددة ، اول رشقة منه كانت في الصدر تماما ، رفع يده مشهدا واستقبل القبلة ثم هوى مثل طود يعانق الأرض ويضمها لصدره .
______________________
حين دق جرس هاتف حامد النقال سمع احدهم يتحدث العربية باللكنة ذاتها التي يتحدث بها أولئك القتلة
: خامد …. قتلنا ابنك رعد ، هو من نفذ عملية تل ابيب وقد قتلناه الان ….
تدحرجت دمعتان من عيني حامد وكانت ام رعد على مقربة منه
: ما الذي جرى يا حامد ؟ اهو رعد من نفذ العملية ؟ ، هل استشهد ؟ فان قلبي يحدثني انه هو ….
: البقاء لله يا ام رعد …. بصوت متهدج ردد حامد ، لقد ارتقى فجرا شهيدا الى ملكوت الله ، وابشرك ان كل رصاصاته جاءت في الصدر تماما …. في الصدر يا ام رعد … في الصدر .
وارتفع صوت أبو رعد يتلو ” ” ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياءٌ عند ربِّهم يرزقون * فرحين بما آتاهُمُ اللّه من فضله ويستبشرون بالذين لـم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خـوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ”
واقسم شيخ من جنين انه بعد ان عاد من أداء صلاة الفجر في المسجد شاهد نورا يرتفع من اطراف المخيم صعودا نحو السماء وانه سمع ما يشبه الهمس لم يعرف مصدره كان يقول : افسحوا له الطريق انه الشهيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى