الشاشة الرئيسيةمقالات

هل تقتسم إيران و”إسرائيل” النفوذ في المنطقة؟

راكان السعايدة
نقيب الصحفيين الأردنيين

الخلاصة النهائية
الشرق الأسط سيقسم إلى منطقتي نفوذ، واحدة تهيمن عليها “إسرائيل”، والأخرى تهيمن عليها إيران، وأميركا هي الراعي والمتحكم الأعلى والمنسق بينهما.
كيف..؟
بداية، طبعًا هذا ليس قدرًا محتومًا، لكن المعطيات على الأرض تنتهي إلى هذه الخلاصة، وتجعل منها واقعًا منتظرًا، بالنظر إلى تسليم الدول العربية (سنية المذهب) بعدم قدرتها على مجابهة هذه المعطيات لتغيير مسارها لتناقض أجنداتها وتصادمها.
ولو كانت الدول العربية “السنية” تدرك بالعمق مآلات ما يجري في قطاع غزة لربما تجاوزت خلافاتها وانعدام الثقة بينها وغيرت مواقفها وتصدت لـ”إسرائيل” ومخططاتها في القطاع والضفة الغربية والقدس.
و”إسرئيل” تدرك أن العقبة الوحيدة في طريق مشاريعها هي مقاومة قطاع غزة، وحركة حماس السنية تحديدًا، وكي تفعل ما تريد، وتعيد تشكيل المنطقة ونطاق نفوذها وعمقه عليها التخلص من هذه المقاومة بالدرجة الأولى.
والمفترض أن الدول العربية تعلم يقينًا أن المقاومة في غزة، أحبتها أم كرهتها، هي حائط الصد الأخير عن أمنها القومي، وعن وجودها وطبيعة وجودها ومقدار سيادتها، وهي، أي المقاومة، الوحيدة التي تُلجم “إسرائيل” ومشاريعها، وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية.
لذا، فإن مآلات ما يجري في قطاع غزة، ونهايات العدوان الهمجي الفاشي على القطاع ونتيجته، ستحدد بصورة دقيقة الشكل الذي ستكون عليه المنطقة.
أي؛ إذا انتصرت المقاومة فإن مشاريع “إسرائيل” ستنتهي إلى مزبلة التاريخ، لكن، إن تمكنت “إسرائيل” من سحق المقاومة، لا قّدر الله، فستطلق العنان لمشاريعها، وتفرضها فرضاً على دول المنطقة، ولن تجد من يتصدى لها أو يعترض على منطقها أو يجابه كيدها.
وحتى تحسم المعركة الوجودية في قطاع غزة، ويقف الجميع على مَن حسَم وشكل الحسم، لأنه مفصليٌّ في مآلات مستقبل المنطقة ودولها، فإن الدول العربية معنية بالتعامل مع الأسوأ؛ أسوأ السيناريوهات التي سيفرضها هذه الحسم.
وهذا الأسوأ هو أن تخرج المقاومة من دائرة الفعل والتأثير، لا قدّر الله، وهذا الخروج، الذي لا نأمله ولا نتمناه، تتحمله الدول العربية التي خذلت قطاع غزة، ومن قبل خذلت نفسها ولم تدرك أنها مقبلة على دفع ثمن باهظ من وجودها واستقلالها وسيادتها.
مرة أخرى، كيف..؟
تدرك أميركا و”إسرائيل” أن إيران قوة إقليمية، لا قِبل لهما بتصفيتها أو إضعاف نفوذها وتأثيرها.
وتدركان أيضا أن إيران تجذرت في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ويستحيل استئصالها من هذه الدول، بل وهي، أي إيران، تمتلك نفوذًا في دول خليحية تستطيع تحريكه إذا ما أرادت لخلق حالة فوضى فيها.
لهذا، في اليقين الأميركي و”الإسرائيلي” فإن التعامل مع إيران في نهاية المطاف يقوم على احتوائها وليس التصادم النهائي والأبدي معها، ما يعني في النهاية التفاهم مع إيران، والأخيرة تنتظر إنضاج كل الظروف التي تُجلِسها مع أميركا على طاولة التفاوض للتفاهم.
وكل محاولات أميركا و”إسرائيل” للتصدي لوكلاء إيران في المنطقة لا تُجاوز الرغبة في تقليم أظافرها، وإضعافها حتي لا تضطر لأن تفاوض إيران على نفوذها في المنطقة من موقع قوة كبير، بل من موقع قوة ضعيف، وبما لا يسمح لها بفرض شروط تعجيزية.
ولأن لأميركا مصالح في المنطقة، وحتى في أفغانستان، ولأنها تريد التفرغ للصين وروسيا، فهي معنية باستقرار المنطقة وضبط إيقاعها، وهذا الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلاّ بالتفاهم مع إيران.
ماذا يعني ذلك..؟
يعني ذلك أن أميركا، في ظروف معينة، ستتفاهم مع إيران، ومن ثم سترعى تفاهمات مع “إسرائيل” تنتهي بتقسيم المنطقة إلى منطقتي نفوذ؛ واحدة تهمين عليها إيران وتتحكم بزمامها، والأخرى تهيمن عليها “إسرائيل” وتتحكم بزمامها.
وبلغة أدق وأوضح، سيتم تقسيم الدول العربية بين مناطق نفوذ تدور في الفضاء الأيراني وأخرى تدور في الفضاء الإسرائيلي، ومن يتتبع جيدًا واقع الدول العربية يستطيع بسهولة توقع مَن مِن هذه الدول ستكون تابعة لـ”إسرائيل” ومن ستكون تابعة لإيران.
وأميركا ستكون المهيمن الأعلى، الذي يدير ويتحكم بهذا كله، ومرجعية رعاتها (“إسرائيل” وإيران) في إدارة شؤون المنطقة، بما يضمن في المحصلة النهائية ضمان مصالح أميركا وسيطرتها على العالم ويقوي مجابهتها للصين وروسيا.
مع الأسف، فإن الدول العربية التي توافرت لها فرصة تاريخية للاستثمار في ضعف “إسرائيل” وانكشافها على يد المقاومة في قطاع غزة، المقاومة التي أظهرت مدى هشاشة هذا الكيان وتآكله، وحتى مدى تآكل النفوذ الأميركي، لم تفعل شيئًا للبناء على ما تم لتحمي نفسها من المخططات والمشاريع “الإسرائيلية”.
وظهرت الدول العربية وكأنها لا تريد انكسار “إسرائيل” وتحجيمها، ولا تريد أن تصدق، أي الدول العربية، أن هذه الكيان أحاط نفسه بالأوهام والخداع الاستراتيجي، وأنه لم يكن بالقوة التي توقعتها، ولا يملك الردع الذي لا يمكن كسره.
عمليًا، لم تنته الفرصة، وأمام الدول العربية لحظة مفصلية تاريخية لتنهض كقوة إقليمية تحمي مصالحها، وتكون مستقلة لا تتبع نفوذ “إسرائيل” أو إيران، وإلاّ؛ فان مقبل الأيام سيكون شاهدًا على تغييرات عميقة في المنطقة ضحاياها دول عربية وأنظمة، سيكون وجودها على المحك..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى