الشاشة الرئيسيةمقالات

تداعيات كورونا الاقتصادية مستمرة

سلامة الدرعاوي

يخطئ من يعتقد ان تداعيات كورونا الاقتصاديّة تراجعت بعد ان تم فتح القطاعات وإلغاء الحظر الشامل والجزئيّ، فالآثار عصية وتزداد سلبيتها يوما بعد يوم، وتتكشّف أكثر مع مرور الوقت.
فالإيرادات غير الضريبيّة مازالت في حالة تراجع منذ الثلث الأول من العام الماضي بفعل استمرار انخفاض نشاط الملكية الأردنيّة التي تشكّل العمود الفقري للإيرادات غير الضريبيّة بأكثر من 150 مليون دينار ترفد بها الخزينة بشكل مباشر، فالملكية اليوم ومع كل حالات الانفتاح لا تطير بأكثر من 25 بالمائة من إجمالي حركتها ونشاطها الاعتيادي، واستمرار هذا الوضع يعني تراجع إيرادات الدولة من هذا القطاع بشكل كبير.
القطاعات المتأثرة مباشرة من تداعيات الجائحة مثل الفنادق والمنشآت السياحية وشركات النقل ستحقق هذا العام خسائر فادحة رغم الدعم الحكومي المباشر لها بواسطة برنامج استدامة واعفائها من العديد من الرسوم والضرائب لهذا العام، وهو ما يعكس أيضاً تراجع دخل الدول من العوائد السياحيّة خاصة فيما يتعلق بتوريد العملة الصعبة لاحتياطات المملكة منها بفعل عدم وجود نشاط سياحي وقدوم السواح الأجانب للمملكة بالحد الأدنى المطلوب، ومع تطور الحالة الوبائية سلبيا قد يؤدي ذلك الى استمرار ضبابية المشهد السياحي والنقل ومرفقاتهما بالشكل المتواضع الحالي لفترات أطول وأكثر من المتوقع.
التدفقات الاستثماريّة قد تواجه مشكلة كبيرة في ظل التحديات الراهنة في المنطقة، وقد تشكّل تحديا حقيقيّاً أمام الحكومة في جذب استمارات جديدة خاصة الأجنبية منها، لأنه السلوك العام للقرار الاقتصاديّ الاستثماريّ سيكون اكثر تحفظا في التحرك في ظل التطورات السلبيّة للوباء.
ارتفاع أسعار المواد الأوليّة والأساسية بشكل كبير تجاوز في بعض السلع اكثر من 100 % نتيجة تداعيات كورونا التي ضربت بعمق العمليات الإنتاجيّة لعدد كبير من القطاعات الاقتصاديّة المهمة أسهم بارتفاع أسعارها بشكل كبير، ناهيك عن جنون أسعار الشحن التي تضاعفت 13 ضعفاً خلال الشهور الماضية، وهو الآخر الذي انعكس مباشرة في أسعار السلع محليا، مما شكل ضغطاً ماليّاً مباشراً تحديدا على الأمن المعيشيّ للأسر الأردنيّة خاصة من ذوي الدخول المتوسطة والفقيرة.
استمرار كورونا بهذا الشكل الطويل وعدم وجود وضوح في الطريق للخروج من الجائحة يعني ان ضغوطا كبيرة ستكون على النموّ الاقتصاديّ الذي ما زال يعاني من تباطؤ شديد، وهو ما يعني ببساطة عدم تمكّن الاقتصاد الوطنيّ من خلق فرص عمل جديدة لعشرات الآلاف من الأردنيين الذين يدخلون لسوق العمل سنويا، فالقطاع العام بات يعاني من “تخمة” فيه أثرت سلبيا في أدائه وفعاليته وإنتاجيته، والقطاع “يترنح” من ضغوطات الأزمات المحليّة والإقليميّة معاً، ويتحرك بصعوبة كبيرة للخروج من حالة ” الرتابة ” الاقتصاديّة التي تسيطر على المشهد الاقتصاديّ العام في البلاد، وتضع تحديات كبيرة أمامه لاختراق الأسواق الإقليميّة والدوليّة بسبب عوامل متعددة تحد تنافسيته بها.
حتى القطاعات التي نجت مبدئيا من تداعيات كورونا، واستمرت أعمالها وأنشطتها، ونما بعضها بشكل كبير، فإن تحديات الاستمرار بهذا النموّ لفترات طويلة يحتاج الى استقرار في المشهد والأوضاع الصحية بشكل عام، لأن المنافسة غير العادلة والتطورات السعرية في السوق العالمية وغيرها سيشكل لها تهديدا كبيرا لاستمرارية أعمالها بنفس الوتيرة.
كورونا وباء “لعين”، أثاره عميقة جدا في الأنشطة الاقتصاديّة، ومواجهته تتطلب توفير مخصصات ماليّة مباشرة وغير مباشرة تكلف مئات الملايين من الدنانير التي للأسف لا يمكن توفيرها في اقتصاد مثل الاقتصاد الوطنيّ الذي تعاني خزينته الأمرين من عجز مالي مزمن يتجاوز الملياري دينار قبل المساعدات في احسن الظروف، وتوفير تلك الأموال لا يكون إلا من خلال القروض الداخليّة والخارجيّة، وهو ما يلقي بظلال قاتمة على المديونية التي وصلت لمستويات غير آمنة اقتصاديا، وهو ما ستتحمله الأجيال القادمة عاجلًا ام آجلا مع كُلّ أسف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى