الشاشة الرئيسيةفكر وثقافةمقالات

زواج المال والسياسة يساوي حمل سفاح متوحش

 

الدكتور عبدالمهدي القطامين

لعل اغلب حكام العرب وقادتهم لم يقرأوا مقدمة ابن خلدون ولا سمعوا بها ففيها كان وصفا رائعا لازدواجية المال والسياسة او الامارة والتجارة كما قال ولعل هذه الازدواجية هي بكل تأكيد سبب بلاوي الامة العربية منذ عصر الاستقلال الى يومنا هذا .

فقد افقدت هذه الازدواجية كل معنى للاستقلال العربي واضرت بالاقتصادات الوطنية الى حد انها اوصلت الشعب في الاقطار كافة الى حد الكفاف والفقر لصالح حويصلات او بمعنى ادق طحالب سياسية اكلت الاخضر واليابس معا .

حين نالت دول الامة استقلالها تباعا في القرن الماضي برز قادة وطنيون بغطاء استعماري فمن ناحية هم من ابناء الوطن يتحدثون لغة الوطن ويلبسون زيه وتراثه وبعضهم كان وللحق من قادة محاربة الاستعمار وممن قاتلوا في سبيل نيل الاستقلال والتحرر من الاستعمار لكن اغراء الكرسي والبطانة الفاسدة التي زينت لهم واغوتهم بضرورة جمع المال لكي تستفيد تلك البطانة اولا واخيرا ادى الى بروز  قيادة سياسية تمارس التجارة وتستولي على مقدرات الاوطان وفي احيانا كثيرة في ظل القانون وتحت سمعه وبصره وبصورة تبدو للعامة انها سليمة لا تشوبها شائبة .

تنامي وتطور هذه الطحالب او الكتل او لنسمها ما شئنا جعل ممتلكات الاوطان وثروات الوطن العربي الذي يقع فوق بحر من النفط والمعادن الثمينة والموقع الجيو سياسي المميز  تتجه نحو  ثقافة الترفيه والاستجمام والاستهلاك المخزي ما حرم فئات الشعب كلها من غير الطبقة الحاكمة من مصادر الرزق وجعلهم اقرب الى مخلوقات تعيش لتأكل فقط حد الكفاف وتظل مشغولة بأوجاعها وبالتالي تظل لاهية عمن يبيعون مقدرات اوطانهم لصالح متعتهم الآنية وظلت معادلة الاقتصاد الوطني مختلة تدور في حلقة جهنمية مركز ثقل قطرها الطبقة السياسية التي اثرت الى درجة باتت معها تحشر نفسها في كل صغيرة وكبيرة وفي كل شاردة وواردة تنحو  تجاه اي منحى اقتصادي مدر للدخل .

كانت المعادلة المشار اليها اعلاه هي اول سبب لتفجر ثورات الربيع العربي في اكثر من قطر عربي وظنت فئات الشعب المسحوقة لأول وهلة انها خرجت من نير الاستعمار الجديد الى فضاءات الحرية وامتلاك الارادة والمال والاقتصاد لكن التآمر الطبقي اياه بالتعاون مع قوى عالمية وجدت ان مصلحتها ليست مع ثورات الربيع العربي بل مع الطبقات ذاتها التي اثبتت انها مخلصة وامينة لكل مشاريع وطموحات القوى العالمية في ابقاء المنطقة تحت سيطرة الاقتصاد الفئوي اياه والاقتصاد العالمي الذي هو  المالك الحقيقي لكل مقدرات الوطن العربي طبعا بالشراكة مع اصحاب النفوذ السياسي ولو بالقليل القليل . النتيجة او الاستنتاج بلغة البحث العلمي ان هذه الامة لن تقوم لها قائمة ما دام زواج المتعة قائما بين السياسة والمال وليذهب ابن خلدون ومقدمته فهي لا تستحق الوقوف عندها كثيرا من قبل اهل السياسة والمال وعلى الشعب المسكين ان ينتظر ثورة ربيع اخرى ربما في مطلع الالفية الرابعة.

هوس وجنون جمع الأموال ليس له حدود عند الزعماء العرب وقادة الشعوب العربية ليس الدول الغنية منها فقط ولكن حتى الدول الفقيرة اذ تبين بعد الربيع العربي ان زعماء تلك الدول من الأثرياء الذين كنزوا الذهب والمال على حساب قوت الشعب اليومي والذي في اغلب الأحيان لا يجده الناس الا بشق الانفس وتزامن النهب المنظم لمقدرات تلك الأوطان مع غياب واضح للشفافية الحكومية او النزاهة او المحاسبة ما جعل التطاول على المال العام متاحا ومفخرة للبعض لا يستحي ان يتفاخر به ولعلنا جميعا شاهدنا احد السياسيين في قطر عربي يقول ان الطبقة السياسية فاسدة وانه شخصيا من ضمن هذه الطبقة فقد كانت حصته ثلاثة مليون دولار  من احدى العطاءات التي احالتها الدولة لشراء بعض مستلزماتها .

أخيرا اظن ان صديقنا الفنان التونسي   لطفي بوشناق   كان مخطئا حين غنى ذات يوم اغنيته الشهيرة …انا مواطن  …. خذوا المكاسب والمناصب بس خلوا لي الوطن … اذ ان اخذهم كل شيء يترك الوطن خرابا مأوى للبوم والغربان والجوع والسخط والثورة التي لا بد ان تجيء كما قال أيضا الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي رحمه الله

اذا الشعب يوما أراد الحياة   فلا بد ان يستجيب القدر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى