“الخصوصية مستباحة”.. وأدق التفاصيل على “حائط” صفحات التواصل

الغواص نيوز
يبدو أن فئات مجتمعية عديدة لم تدرك بعد الطريقة الصحيحة لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، بل اعتبروها طريقة لبث الخصوصيات ونشر أدق التفاصيل اليومية والحياتية، التي لا تعني المتابعين على الاطلاق.
وذلك يعكس غيابا لفهم طبيعة التواصل الاجتماعي، وما ينبغي مشاركته على هذه المنصات وما يعد خصوصية قد لا تعني أحدا، ما جعل الكثيرين لا يحسنون التصرف على هذه المواقع.
وهذا الفهم الخاطئ انسحب على مشاركة تفاصيل خاصة سواء بصور أو فيديوهات وحتى منشورات تبث على مدار الساعة.
أمثلة عديدة تعكس تسابق رواد هذه الصفحات، لبث كل ما هو خاص، الذي لا يهم غيرهم، مثل نشر زيارات الطبيب لأي سبب كان، أو اعلان سيدة عن حملها على الملأ ومشاركة صور الجنين أولا بأول، والخروج للبكاء والشكوى على هذه المنصات بسبب وفاة قريب من العائلة ونشر كل مراحل حياته من دون مراعاة حرمة الظرف، وكذلك مشاركة المشاكل والخلافات الخاصة، وغيرها من الأمور، إذ لا يدرك مستخدمو هذه المواقع ان المتابع غير معني بذلك ولا تقدم له أي نوع من الفائدة او الاضافة الحقيقية.
ولا تخلو صفحات مواقع التواصل، من محاولة استمالة عاطفة المتابع، من خلال التعبير عن المشاعر أولا بأول، أملاً في جمع أكبر عدد ممكن من الاعجابات والتعليقات، رغم أن ذلك لا يقدم فائدة مرجوة للمتابع على الاطلاق.
وقد بدا ذلك واضحا على بعض ممن يعدون أنفسهم مؤثرين على منصات التواصل، وكذلك على أشخاص أصبح نشر الخصوصات عامل جاذب لهم، من خلال نشر أدق التفاصيل على أنها أمر طبيعي غير مدركين مدى خطورة الأمر.
ويبين اختصاصيون أن هذه المواقع وجدت لتسهيل التواصل بين الناس لكن ذلك لا يلغي المساحة الخاصة بكل انسان والتي عليه أن يحتفظ بها لنفسه، لا أن يشارك الآخرين بها.
وكانت قد كشفت ارقام عالمية الحضور الكبير وتعلق الاردنيين بمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، ليصل عدد حساباتهم على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي الى حوالي 10.9 مليون حساب.
ويتوزع هذا الرقم على خمس شبكات تواصل اجتماعي رئيسية يستخدمها الأردنيون بشكل يومي وهي: فيسبوك، تويتر، انستغرام، سنابشات، ولينكد ان، حيث استحوذت شبكة فيسبوك على الحصة الأكبر من اجمالي اعداد حسابات الأردنيين على مختلف منصات التواصل الاجتماعي وبنسبة تصل الى 46 %. وتطبيق “انستغرام” لمشاركة الصور بحوالي 2.10 مليون حساب، وسناب شات 2.15 مليون حساب، وتويتر حوالي 743.5 ألف حساب.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي الاجتماعي التربوي الدكتور محمد جريبيع، إلى أن السوشال ميديا اصبحت تشكل أحد المحركات الأساسية لحياة الأفراد الخاصة، وليس الحياة العامة، إذ قلت الخصوصية، وكأن كل شيء أصبح مباحا، من دون التمييز ما الذي ينبغي بثه من عدمه.
ويشير إلى أن ما نشاهده على السوشال ميديا من أحداث شخصية تثير الاستغراب بشكل كبير، وكأن الأولويات اختلفت لدى الناس، ولم يعد هنالك قدرة على التقييم الصحيح، لافتا إلى أن هنالك نوعا من الاستعراض الاجتماعي يلجأ إليه العديدون.
ويتابع جريبيع ان ما نشاهده على السوشال ميديا من مناسبات اجتماعية، وتفاصيل يومية وحالات وفاة، وصور وفيديوهات خاصة، كلها أمور اجتماعية بحتة لا تحوي اي نوع من الفائدة للآخر.
ويأسف جريبيع لأن كثيرا ممن يعتبرون أنفسهم مؤثرين وناشطين على السوشال ميديا، لا يملكون محتوى مفيدا أو ذا أهمية، إنما يبحثون عن الحصول على أكبر نسبة من الاعجابات، وهؤلاء يشعرون بـ “النقص” ويحاولون استمالة عواطف المتابعين.
ويضيف، للأسف بدلا من أن تكون السوشال ميديا مساحات للعلماء والنقاد والباحثين والمفكرين ومن يملكون فكرا حقيقيا يفيد الناس، تحولت في السنوات الاخيرة لمساحات ممتلئة بما “لا يغني ولا يسمن من جوع”، وانما تعبئة الفراغ بخصوصيات الأفراد والاخبار الشخصية، لافتا إلى أن ظروف كورونا كثفت هذا الحضور نتيجة انقطاع العلاقات الاجتماعية وتدنيها.
وفي ذلك يرى المستشار والمدرب في شبكات التواصل الاجتماعي خالد الأحمد، أن الهدف الاساسي من منصات التواصل الاجتماعي في البداية كان مختلفا كليا عما يحدث حاليا، فقد كان مشروعا رياديا بسيطا لتعارف الناس على بعضهم بعضا.
وبعدها تطور وأصبح شبكة للتعارف وبناء العلاقات وحتى البحث من خلاله عن العلاقات القديمة، بعدها اختلف الامر وتدخل العالم التجاري فيه وبدأت الاعلانات الرقمية تنتشر بقوة، من خلال استهداف الجمهور وتدخل الذكاء الاصطناعي للتأثير على الفئة المستهدفة، وأصبحت هذه المنصات تعرف الكثير عن الأفراد وطريقة تفكيرهم.
بالتالي، فإن هذه البيانات الضخمة ومع الوجود الكبير للناس على هذه المنصات، اصبح يمكن التنبؤ باهتمامات الشخص، من خلال التعليقات والمحتوى الذي ينشره، ورافق ذلك تسارع وتطور كبيران.
ووفق الأحمد، يدخل المستخدمون لعالم السوشال ميديا، منهم من يكون وجوده لتقديم فائدة ما وبناء هوية رقمية وطبع بصمة واضحة له، مع ارث رقميّ قيّم داخل العالم الافتراضي، وهنالك من يكون وجوده غير واع فهو يتصرف وفق نظرية “القطيع”، ويتغير مع تغير المعطيات الموجودة، بالتالي يكون التأثير عليه أكبر وأسهل.
ويشير الأحمد الى أن بعضهم يعتقد ان التفاعل على المنصات الاجتماعية، “عملة رقمية” ذات فائدة كبيرة، ويقيم نفسه بحسب عدد المتابعين أو نسبة التفاعل وهذا كله يزيد من نشر المحتوى “المبتذل”، وبتنافس افتراضي لا قيمة له.