الشاشة الرئيسيةمقالاتمنوعات

القدس والتاريخ …. كي لا ننسى

الدكتور عبدالمهدي القطامين
كان يحتضن الراديو الضخم الذي يذيع نشرة الاخبار ولمحت على وجنتيه دمعات سخية تتدفق بعنف بينما راح يحوقل اقتربت منه متسائلا : ما بك يا والدي ….. لم يجب ….وامام سؤالي الطفولي الذي لم يتعدى عمر طفل في السادسة من عمره راح يردد : لقد ضاعت القدس يا ولدي ……. كانت تلك اول مرة اسمع فيها باسم القدس وكنت اعتقد آنذاك ان العالم لا يتعدى “حوش” غرفتنا الوحيدة التي نسكنها وان تجاوز ذلك فانه لا يتجاوز الدونمات التسع التي زرعها والدي بانواع عدة من الشجر المثمر وكانت مصدر دخلنا الوحيد ….. وظل رد والدي هاجسا يلح علي في كل حين ….. لماذا القدس ضاعت ؟ ونحن امة تعدادها مئات الملايين وهم شرذمة لم يتجاوزوا المليونين الا قليلا .
ثمة الكثير من الاسئلة التي ظلت حيرى في ذهن ابن الخمس سنوات الذي رأى والده يبكي عزيزا كما لم يبك من قبل …. ولم يكن يدرك ذلك الطفل انه بعد ان طوى عامه الستين بعد تلك الحادثة ما زال يسأل السؤال نفسه هل حقا ضاعت والى الابد ؟ ام ان منطق التاريخ يقول ان لا بقاء لمحتل مهما طال الزمن ؟
وفي التاريخ الكثير من العبر فعمر هذه المدينة المقدسة خمسة آلاف سنة وهو التاريخ المدون على الاقل وربما كان العمر اطول من هذا بكثير ،في هذا التاريخ الطويل احتلها اليهود مرتان استمرت الاولى 73 سنة واستمرت الثانية 75 سنة وما زالت لكنها ستزول .

وتؤكد الوثائق التاريخية ان اليبوسيين -أحد البطون الكنعانية العربية- استوطنوا المدينة حوالي عام 2500 ق.م فأطلقوا عليها اسم يبوس الى ان جاءها اليونان فاطلقوا عليها إيلياء ومعناه بيت الله.
ثم خضعت مدينة القدس للنفوذ المصري الفرعوني بدءا من القرن 16 ق.م. وفي عهد الملك إخناتون تعرضت لغزو “الخابيرو” وهم قبائل من البدو، ولم يستطع الحاكم المصري “عبدي خيبا ” أن ينتصر عليهم، فظلت المدينة بأيديهم إلى أن عادت مرة أخرى للنفوذ المصري في عهد الملك “سيتي الأول ” 1317 – 1301 ق.م.
ولعل التاريخ يوضح لنا حقيقة مؤكدة وهي ان مرور اليهود في فلسطين واحتلالهم لها كان مرورا عابرا لم يدم الا 73 عاماً طوال تاريخها الذي امتد لأكثر من خمسة آلاف سنة فهم كما وصفهم الشاعر الراحل محمود درويش “عابرون في كلام عابر ” . فقد استطاع النبي داود السيطرة على المدينة في عام 977 ق.م وسماها مدينة داود وشيد بها قصراً وعدة حصون ودام حكمه 40 عاماً ثم خلفه من بعده ولده النبي سليمان الذي حكمها 33 عاماً.

وبعد وفاة النبي سليمان انقسمت الدولة في عهد ابنه “رحبعام ” وأصبحت المدينة تسمى “أورشليم” وهو اسم مشتق من الاسم العربي الكنعاني “شاليم أو ساليم ” الذي أشارت التوراة إلى أنه حاكم عربي يبوسي كان صديقاً لإبراهيم عليه السلام .

وكانت القدس على موعد تاريخي مهم في العصر البابلي (586 – 537 ق.م) اذ اجتاح الملك البابلي “نبوخذ نصر الثاني ” مدينة القدس بعد أن هزم آخر ملوك اليهود “صدقيا بن يوشيا ” عام 586 ق.م، ونقل من بقي فيها من اليهود أسرى إلى بابل بمن فيهم الملك صدقيا نفسه.

لكن الملك الفارسي “قورش ” وتحديدا في العام 538 ق.م كان قد سمح لمن أراد من أسرى اليهود في بابل بالعودة إلى القدس.

العصر اليوناني (333 – 63 ق.م)
استولى “الإسكندر الأكبر ” على فلسطين بما فيها القدس عام 333 ق.م، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون والبطالمة في حكم المدينة، واستولى عليها في العام نفسه “بطليموس ” وضمها مع فلسطين إلى مملكته في مصر عام 323 ق.م. ثم في عام 198 ق.م أصبحت تابعة للسلوقيين في سوريا بعد أن ضمها ” سيلوكس نيكاتور” ، وتأثر السكان في تلك الفترة بالحضارة الإغريقية.

في العام 63 ق .م استولى قائد الجيش الروماني “بومبيجي ” على القدس وضمها إلى الإمبراطوية الرومانية وشهد الحكم الروماني للقدس والذي استمر حتى عام 636م حوادث كثيرة، فقد تمرد اليهود واعلنوا العصيان مرتين في عامي 115 و132م وتمكنوا بالفعل من السيطرة على المدينة، إلا أن الإمبراطور الروماني ” هدريان ” أخرج اليهود المقيمين فيها ولم يُبق إلا المسيحيين، ثم أمر بتغيير اسم المدينة إلى “إيلياء” واشترط ألا يسكنها يهودي.

وتحت الحكم الروماني تم بناء كنيسة القيامة بعد ان نقل الإمبراطور الروماني ” قسطنطين الأول ” عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة، وأعلن المسيحية ديانة رسمية للدولة فكانت نقطة تحول بالنسبة للمسيحيين في القدس حيث بنيت كنيسة القيامة عام 326م.

ادى الانقسام داخل الامبرطورية الرومانية عام 395 إلى قيام الفرس بالإغارة على القدس ونجحوا في احتلالها في الفترة من 614 إلى 628م، ثم استعادها الرومان مرة أخرى وظلت بأيديهم حتى الفتح الإسلامي عام 636م.

الإسراء والمعراج (621م/ 10هـ)
سنة 621 م . كانت القدس على موعد مع الحدث الاكبر في تاريخها اذ شهدت القدس زيارة الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وسلم، اذ أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج إلى السماوات العلى وتلك كانت الرسالة السماوية المباشرة الى اهمية القدس للدولة المسلمة التي بدأت تتشكل على اطراف الصحراء العربية وما هي الا سنوات حتى استطاعت ان تهزم اكبر امبراطوريتين عرفهما العالم انذاك الامبراطورية الفارسية والامبراطورية الرومانية .

عام (636 م) دخل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة القدس بعد أن انتصر الجيش الإسلامي بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، واشترط البطريرك ” صفرونيوس ” أن يتسلم عمر المدينة بنفسه فكتب معهم “العهدة العمرية” وهي وثيقة منحتهم الحرية الدينية مقابل الجزية.

واتخذت المدينة منذ ذلك الحين طابعها الإسلامي لتشهد نهضة علمية في مختلف الميادين في العصر الاموي والعصر العباسي ومن أهم الآثار الإسلامية في تلك الفترة مسجد قبة الصخرة الذي بناه “عبد الملك بن مروان ” في الفترة من 682 – 691م، وأعيد بناء المسجد الأقصى عام 709م، وشهدت المدينة بعد ذلك عدم استقرار بسبب الصراعات العسكرية التي نشبت بين العباسيين والفاطميين والقرامطة وكانت تلك الخلافات احد الاسباب الرئيسة التي ادت الى سقوط القدس في ايدي الصليبيين عام 1099م وانشأ الصليبيون في القدس منذ ذلك التاريخ مملكة لاتينية تحكم من قبل ملك كاثوليكي فرض الشعائر الكاثوليكية على المسيحيين الأرثوذكس مما أثار غضبهم.
ولم تكن القدس قد غابت عن اعين الدولة المسلمة فقد اعد العدة لاستعادتها السلطان “صلاح الدين الأيوبي ” وتم له ذلك عام 1187م بعد معركة حطين لكن العين الصليبية لم تزل معلقة باستعادة القدس من المسلمين فاستغل الملك ” فريدريك ” ملك صقلية،وفاة صلاح الدين ليشن حربا عليها ويحتلها وظلت بأيدي الصليبيين 11 عاماً إلى أن استردها الملك “الصالح نجم الدين أيوب ” عام 1244م.

وفي ذلك التاريخ جاءت جيوش المغول الزاحفة نحو الشرق فاحتلت المدينة حتى عام 1259 حين هزمتهم الدولة المملوكية بقيادة “سيف الدين قطز والظاهر بيبرس ” في معركة “عين جالوت ” ، وضمت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك الذين حكموا مصر والشام بعد الدولة الأيوبية حتى عام 1517م.

كانت الدولة العثمانية التي ترى انها تمثل امتدادا للخلافة الاسلامية تتحين الفرص لاسترجاع المدينة من ايدي المماليك والدولة الايوبية فدخلت جيوش العثمانيين فلسطين بقيادة السلطان “سليم الأول ” بعد معركة “مرج دابق ” (1615 – 1616م) وأصبحت القدس مدينة تابعة للإمبراطورية العثمانية. وقد أعاد السلطان سليمان القانوني بناء أسوار المدينة وقبة الصخرة. وأنشأت الدولة العثمانية عام 1880 متصرفية القدس، وظلت المدينة تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى التي هزمت فيها الدولة العثمانية وأخرجوا من فلسطين.

سقطت القدس بيد الجيش البريطاني في 8 – 9/12/1917 بعد البيان الذي أذاعه الجنرال البريطاني “اللنبي ” ، ومنحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني (1920 – 1948). ومنذ ذلك الحين دخلت المدينة في عهد جديد كان من أبرز سماته زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها خاصة بعد وعد بلفور المشؤوم عام 1917.

مشروع تدويل القدس
أحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فأصدرت الهيئة الدولية قرارها في 29 تشرين الثاني 1947 بتدويل القدس.

في العام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، فاستغلت العصابات الصهيونية حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام “دولة الاحتلال ” .
وفي 3 كانون الأول 1948 أعلن “ديفيد بن غوريون ” رئيس وزراء دولة الاحتلال أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية حتى هزيمة حزيران 1967 التي أسفرت عن ضم القدس بأكملها لسلطة الاحتلال الإسرائيلي.

كان عام 1948 عاما مأساويا على القدس وفلسطين كاملة وعلى إثر مذبحة دير ياسين، وما تلاها من هجوم كاسح على أحياء القدس، وبعد نفاذ الذخيرة والأسلحة من يد المدافعين عن المدينة تهاوت هذه الدفاعات، فسقط في قبضة الاحتلال 38 حيا من أحياء المدينة وتم تهجير أهلها قسرا إلى الشطر الشرقي من المدينة، وإلى سائر الدول العربية الأخرى، وبذلك سيطرت العصابات الصهيونية على ما مجموعة 82% من مساحة القدس، في حين احتفظ المدافعون بقيادة الجيش الأردني على ما مجموعه 18% من مساحة المدينة، بما في فيه البلدة القديمة في القدس والتي تحتوي على المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة والأماكن التاريخية الهامة ولعل هذا كان السبب في بسط نفوذ الهاشميين على القدس ووصايتهم عليها .
بعد هزيمة عام 67 ودخلت قوات الاحتلال إلى المسجد الأقصى المبارك حيث رفع جنود الاحتلال العلم الصهيوني على قبة الصخرة المشرفة.
وفي غضون أيام قليلة هدم الاحتلال حي المغاربة، وحي الشرف في القدس القديمة وهجر سكانهما مع آلاف آخرين مرة أخرى إلى مخيمات داخل الوطن وخارجه.
بتاريخ 20/7/1979 صدرقرار مهم من مجلس الأمن ويحمل الرقم 452، نص على ضرورة وقف بناء المستعمرات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بما فيها القدس لكن رد الاحتلال على ذلك لم يتأخر كثيرا فقد أصدر الكنيست الإسرائيلي ما يسمى “بالقانون الأساسي”، حول ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية واعتبارها “عاصمة موحدة لإسرائيل بتاريخ 30/7/1980 .

وفي رد عربي واسلامي شبه موحد عبر الامم المتحدة صدر قرار مجلس الأمن رقم 478 بتاريخ 20/8/1980 والذي نص على عدم الاعتراف “بالقانون الأساسي” بشأن القدس الموّحدة، ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية منها، ولوم إسرائيل أشد اللوم لمصادقتها على ما يسمى “القانون الأساسي” في الكنيست.

وفي يوم 11/4/1982 قام أحد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمة مسجد قبة الصخرة المشرفة واثر ذلك وبتاريخ 1/11/1983 اتخذ مؤتمر عام اليونسكو قرارا بوضع بلدة القدس القديمة ضمن التراث العالمي المهدد بالخطر لكن الاحتلال الذي بيت نية العدوان على الاقصى والقدس معا قام بتاريخ 8/10/1990 بمذبحة في الحرم الشريف، ذهب ضحيتها 23 شهيداً وأعداد كبيرة من الجرحى.
وفي خطوة بدت مفاجئة للمجتمع الدولي والعربي معا بتاريخ 13/9/1993 تم توقيع اتفاق أوسلو تأجل بموجبه البحث في مشكلة القدس إلى ما سمّي “مرحلة الحل النهائي” التي كان من المقرر التوصل إليها عام 1999 لكن ذلك لم يتم.

بتاريخ 25/10 / 1994 تم توقيع اتفاقية “وادي عربة” بين المملكة الاردنية الهاشمية ودولة الاحتلال ” اسرائيل ” التي تعهدت فيها باحترام الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس؛ كما تعهدت فيها دولة الاحتلال بإعطاء أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن عند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي لكن مفاوضات الحل النهائي لم تتم وكانت وصاية الهاشميين على القدس محل حسد من ابناء جلدتنا وانصبت كل خياراتهم على اضعاف هذا الدور والخلاص منه وهذا بدا واضحا ابان الادارة الامريكية في عهد الرئيس ترامب .
بتاريخ 24/9/ 1996افتتحت إسرائيل نفق الأقصى؛ ما أشعل “هبة الأقصى” التي أدت إلى استشهاد 62 فلسطينياً، ومقتل 15 يهودياً، وسقوط مئات الجرحى.
29/8/2000 في هذا التاريخ وكعادة دولة الاحتلال في عدم احترام اية اتفاقيات او مواثيق اقتحم جنود من جيش الاحتلال الحرم القدسي الشريف فتصدى لهم المقدسيون ما ادى الى استشهاد سبعة فلسطينيين وإصابة 300 بجراح .
28/9/2000 في هذا اليوم اقتحم “أريئيل شارون ” (رئيس حزب الليكود المعارض آنذاك) الحرم القدسي الشريف بحراسة ثلاثة آلاف جندي إسرائيلي فبدأت شرارة انتفاضة الاقصى الشعبية الفلسطينية حيث تمكن المقاومون يوم 17/10/2001 من اغتيال الوزير الإسرائيلي ” رحبعام زائيفي ” في مدينة القدس على يد مجموعة فلسطينية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
في هذا التاريخ 2/7/2014 ارتكب المستوطنون الإسرائيليون جريمة بشعة اذ اختطفوا الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير 16 عامًا، من حي شعفاط بالقدس، واحرقوه حيًا حتى فارق الحياة شهيدًا وقد عثر على جثته متفحمة في أحراش دير ياسين .
بتاريخ 13/10/ 2016 اتحذت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، قرارًا ينفي أي علاقة أو رابط تاريخي أو ديني أو ثقافي لليهود في مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك وصوت لصالح هذا القرار المهم كل من: البرازيل، والصين، ومصر، وجنوب افريقيا، وبنغلادش، وفيتنام، وروسيا، وإيران، ولبنان، وماليزيا، والمغرب، وماوريتسيوس، والمكسيك، وموزنبيق، ونيكاراغوا، ونيجيريا، وعمان، وباكستان، وقطر، وجمهورية الدومينيكان، والسنغال، والسودان. وقد عارض القرار كل من: الولايات المتحدة، وبريطانيا، ولاتفيا، وهولندا، واستونيا، وألمانيا.
وفي خطوة استفزازية غير مسبوقة بتاريخ 21/7/2017 عمدت قوات الاحتلال الى اغلاق المسجد الاقصى ومنعت رفع الآذان وإقامة الصلاة فيه والمصلون يؤدون الصلاة في الشوارع بالقرب من بوابات المسجد الأقصى.
بتاريخ 14/5/2018 عمدت الادارة الامريكية في عهد الرئيس الامريكي “ترامب ” الى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس؛ الأمر الذي اعتبر انتهاكًا للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، والمكفولة بالقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية.

في هذا التاريخ 4/3/2019 اغلقت الإدارة الأميركية القنصلية الأميركية في فلسطين، التي افتتحت عام 1844 في القدس وإلحقتها بسفارة الولايات المتحدة لدى الكيان المحتل بعد نقلها من تل أبيب للقدس، وفتح مكتب خدمات خاص بفلسطين في السفارة.
في تاريخ 17 /4/2021 قوات الاحتلال تنصب حواجز حديدية على شكل ممرات في باب العامود لمنع المقدسيين من الجلوس على المدرجات، وتنتشر في محيط المكان.

بتاريخ 18/11/2021 أقرت ما تسمى “لجنة التعليم” في الكنيست الإسرائيلية، إلزام المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، بإدراج المسجد الأقصى المبارك ضمن جولاتها التعليمية للتلاميذ اليهود.

وجاء هذا القرار عقب جلسة عقدتها اللجنة، برئاسة المتطرفة اليهودية فيما تسمى “جماعات الهيكل” شارن هسكل؛ حيث أتاحت اللجنة البرلمانية فرصة المشاركة في نقاشاتها لعدد من هذه الجماعات.

والقرار الإسرائيلي جاء تطبيقا لتوصيات ما تسمى “جماعات الهيكل” المتطرفة والساعية الى مضاعفة عدد المقتحمين للأقصى بعشرة أضعاف، وكان اعتماد الأقصى موقعا إلزاميا للرحلات المدرسية إحدى توصياته؛ والتي شملت إلى جانب ذلك تعزيز الرحلات الجامعية لاقتحام الأقصى، وتشجيع التعليم الديني التوراتي داخل الأقصى، وتعزيز ارتباط منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية بالأقصى من خلال تنظيم اقتحاماتٍ جماعية دورية.
بدأت دولة الاحتلال عام 2022 بوضع اللبنات الواضحة لإقامة “القدس الكبرى” التي تهدف إلى حسم الديموغرافيا لصالح اليهود من خلال إضافة 4 كتل استيطانية كبيرة هي: جفعات زئيف ومعاليه أدوميم وغوش عتصيون وعطروت .
وهذا سيؤدي إلى خفض نسبة الفلسطينيين في المدينة من 37 % إلى 21%. فيما شهد عام 2022 إقرار عدة مشاريع استيطانية، بينها إضافة 4900 وحدة استيطانية في القدس، وإقرار بناء 9 آلاف وحدة أخرى في منطقة عطروت شمال المدينة.

كما أُقر المشروع الاستيطاني “وادي السيليكون” على مساحة 710 دونمات في حي وادي الجوز بالقدس، بالإضافة إلى تحويل كل من حي الشيخ جراح وبلدة سلوان إلى أحياء مختلطة عبر زرع مزيد من المستوطنين وإصدار أوامر بإخلاء الفلسطينيين أو هدم منازلهم.
وسجلت خلال عام 2022 في القدس 138 حالة هدم، و273 حالة اعتداء من المستوطنين على أراضي وممتلكات المواطنين.
كما بدأت دولة الاحتلال .بفرض سيادتها على مزيد من الممتلكات من خلال الإعلان عن مشروع “تسوية وتسجيل الأراضي”، وهو الأمر الذي سيعرض 80% من اراضي القدس لخطر تسجيلها كأملاك غائبين.
ولعل عام 2023 كان اشد الاعوام على مدينة القدس من خلال الاقتحامات المتتالية التي قامت بها قطعان الصهاينة المتطرفين بحراسة القوات الامنية المحتلة حيث نفذت مسيرات الاعلام وفتحت باب المغاربة أمام المقتحمين للمسجد الأقصى.

وتعمّد بعض المتطرفين اقتحام المسجد الأقصى بالزيّ العسكري، في حين أدى وزراء وأعضاء كنيست حاليون وسابقون النشيد الوطني بشكل جماعي، كما أدى المتطرفون صلوات توراتية وطقس “السجود الملحمي” (الارتماء أرضا في باحات الأقصى وعلى أبوابه).

وأخرجت شرطة الاحتلال الشباب الفلسطينيين من ساحات المسجد الأقصى خلال فترة الاقتحامات بعد الاعتداء عليهم، كما اعتدت على رئيس حراس المسجد وحارسين آخرين، واعتدت أيضا على المرابطين المبعدين عن المسجد الأقصى في طريق باب السلسلة وطردتهم من المكان.
وفي يوم الاحد الموافق 24 ايلول 2023 قاد عضو الكنيست المتطرف “يهودا غليك”،اقتحام المستوطنين بأعداد كبيرة للمسجد الأقصى المبارك، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال عشية “عيد الغفران/الكيبور” اليهودي.

ونفذ العشرات من المستوطنين اقتحامات للأقصى على شكل مجموعات متتالية، عبر باب المغاربة، بحراسة كبيرة من قوات وضباط الاحتلال وادى المستوطنون صلواتهم خلال اقتحام المسجد الأقصى.

وفرضت قوات الاحتلال قيودها على دخول المصلين الى الأقصى منذ ساعات الفجر، بمنع العشرات من الدخول، احتجاز الهويات على الابواب، إخراج مصلين من الساحات وعلى أبواب المسجد الاقصى وطرقاته، انتشرت قوات الاحتلال بأعداد كبيرة.

وفي منطقة باب السلسلة-احد ابواب الأقصى من الجهة الخارجية-، اخلت القوات المحتلة المتواجدين من المرابطين والطواقم الصحفية واجبرتهم على الابتعاد عشرات الامتار عن المكان، حيث يتم عبر هذا الباب خروج المجموعات المقتحمة للاقصى.

وفي يوم الخامس والعشرين من ايلول 2023 اقتحم مئات المستوطنين المتطرفين المسجد الأقصى المبارك، من جهة باب المغاربة بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، بمناسبة ما يسمى “عيد الغفران” العبري.

وحولت شرطة الاحتلال مدينة القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية، ونشرت الآلاف من عناصرها ووحداتها الخاصة وقوات “حرس الحدود” في المدينة وبلدتها القديمة وفي محيط الأقصى، لتأمين اقتحامات المستوطنين للمسجد.
ونفذ المقتحمون المتطرفون جولات استفزازية في باحات المسجد ، وأدوا طقوسًا تلمودية
عند أبوابه .

وشددت شرطة الاحتلال من إجراءاتها على دخول المصلين الوافدين من القدس والداخل الفلسطيني المحتل للأقصى، ودققت في هوياتهم، وأغلقت مداخل وشوارع البلدات والأحياء المقدسية الرئيسة بالمكعبات الإسمنتية والسواتر الحديدية.

وصبيحة يوم الثلاثاء الموافق 3 تشرين اول 2023 اقتحم مئات المستوطنين المتطرفين الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى المبارك -الحرم القدسي الشريف بمدينة القدس المحتلة، تحت حراسة وحماية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي الخاصة المدججة بالسلاح.
وأدَّوا طقوسا تلمودية استفزازية في باحاته، فيما يسمونه رابع أيام عيد «العُرش» اليهودي حسب التقويم العبري.
وتجولت مجموعات كبيرة من المستوطنين في أزقة البلدة القديمة من القدس المحتلة، وأدت طقوسا تلمودية عند أبواب الأقصى، وتحديدا عند بابي السلسلة والقطانين وسط انتشار كبير لشرطة الاحتلال بالبلدة القديمة ومحيط الأقصى.
وفرضت سلطات الاحتلال بالتزامن مع عيد «العُرش» اليهودي، قيودا على دخول الفلسطينيين الوافدين من القدس وأراضي الـ48، ودققت في هوياتهم واحتجزت بعضها عند بواباته الخارجية.
ومن المفارقات ان هذا اليوم نفسه شهد اقامة شعائر توراتية وصلاة يهودية في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية من قبل وفد يرأسه وزير الاتصالات في الكيان المحتل الامر الذي يشير بوضوح ان اكبر دول الخليج مساحة واقتصادا تسير وفق مخطط متسارع نحو التطبيع النهائي مع الكيان المحتل ، ومن المفارقة ايضا ان كل ذلك يجري وما زالت الفصائل الفلسطينية تتناحر فيما بينها وما زالت غزة والضفة تتباعدان زمانيا ومكانيا عن اي تنسيق لصالح الشعب الفلسطيني المبتلى بحكم محتل متطرف .
قال لي صاحبي وهو يتحدث بلهجة فيها من التشاؤم الكثير متسائلا : الا ترى هذه الهرولة نحو التطبيع مع العدو التاريخي للاقصى وفلسطين والعرب والمسلمين فهل بعد كل هذا تنتظر ان تعود القدس او تعود فلسطين ؟ حاولت ان استجمع كل ثقتي بالتاريخ وبالامة التي كبت طويلا عبر ازمنة غابرة لكنها كانت تخرج كالعنقاء تماما من تحت الرماد قلت له : رويدك يا صاحبي ان غدا لناظره قريب .

وحين اجتاح الاحتلال باحات المسجد الاقصى وبواباته بما يعرف “بمسيرة الاعلام ” وكنت اشاهد على التلفاز قطعان المستوطنين وسط حماية الجيش الصهيوني المدجج بالسلاح كانت الى جانبي ابنتي الصغرى ابنة الاعوام العشرة سألتني بلهفة طفولية لماذا يفعلون هذا يا ابتي واين العرب والمسلمين ؟ اعادني سؤالها خمسين سنة الى الوراء ….. واريت دمعتي خوفا وجزعا قلت لقد ماتوا يا ابنتي …. واسترسلت : اذن هؤلاء الذين نراهم عربا في الاخبار من هم ؟ قلت ” انهم كثير كغثاء السيل …. فكرت قليلا ثم اعادت السؤال : وهل تعود القدس يا ابتي مرة اخرى لنا ؟ تشاغلت عنها قليلا وحين الحت بالسؤال قلت : اقرأئي التاريخ وسترين انها ستعود ولو بعد حين وشاهدي ماذا يفعل المقدسيون والمقدسيات وكيف يواجهون الرصاص بصدورهم العارية وستعرفين انها ستعود …. نعم يا ابنتي ستعود ولو بعد حين ولم تطل الاجابة على التساؤل حتى جاء الطوفان ” طوفان الاقصى ” .

ففي السابع من اكتوبر استفاق العالم على حدث لم يكن يتخيله اكثر الناس تفاؤلا في الوطن العربي والاسلامي كله فقد اقتحمت قوات القسام التابعة لحركة حماس في غزة كافة خطوط الدفاع في غلاف غزة وقتلت واسرت المئات من جنود الاحتلال في مشهد اذل دولة الكيان واذاقها مر الهزيمة بعد تبجحها عقودا بانها لا تقهر واستطاعت صواريخ القسام المصنعة محليا في غزة ان تطال كافة مدن الكيان والمدن الفسلطينية التي يحتلها وجاء هذا الطوفان ردا على ممارسات الاحتلال في الاقصى وتدنيسه من قل المستوطنين .
في هذا اليوم وقف العالم كله على قدم واحدة وهو يشاهد اولئك الفتية المقبلين على الموت غير هيابين فوهب لهم لنصر ووهبت لهم الحياة وتقاطرت دول العالم المستعمر القديم لتاييد الدولة المحتلة وقد امعنت قتلا باهل غزة وتقتيلا عبر قصفها غير الاخلاقي للشجر والحجر والناس والاطفال والنساء والشيوخ وسط حصار مشدد لم يسمح بدخول قطرة ماء ولا لقمة خبز لاكثر من مليونين وثلاثمائة الف مواطن ووسط صمت عربي مهول وتاييد دولي من العالم الذي القى اخلاقه في بحر غزة ووقف مع المحتل ضد من قاوم .
هل يكون العالم بعد الطوفان كما هو قبله وهل ستكون فلسطين بعد الطوفان كما هي قبله وهل يكون الاقصى بعد الطوفان كما هو قبله تلك اسئلة ما زالت تدور على السنة محللي العالم من استراتيجيين وعسكريين وسياسيين والجواب سيظل رهينة بمآلات الامور بعد انجلاء معركة ربما ستغير وجه المنطقة كلها ولكن بأي اتجاه ذلك هو السؤال العصي .
المراجع
1 . القدس.. قصة مدينة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ط1،
2 . التغيرات الجغرافية والديمغرافية، مركز دراسات المستقبل، جامعة أسيوط، 1996 .
3. التكوين التاريخي لفلسطين، التقرير الأسبوعي “قضايا دولية”، العدد 261، 2/1/1995
4 . القدس عبر التاريخ ، ميخائيل مكسي اسكندر “2008 ” .
5 . وكالة صفا .
6 . وكالات انباء ومواقع اخبارية محلية وعربية ودولية متعددة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى