الشاشة الرئيسيةمقالات

ما سبب السماح بالحديث عن الفساد ومنع ذكر الفاسدين؟

د. بسام روبين
هنالك قولا مأثورا اذا دخلت الهدية من باب القاضي خرجت العدالة من الشباك ،ونحن نقول اذا انتشر الفساد في دولة هلكت وانهارت فيها القيم ،وأصبح سعر الانسان فيها أرخص من ثمن جهاز خلوي ،فلا يكاد يمر يوما عند معظم دول العالم الثالث إلا ويتم شتم الفساد وتحقيره وذمه ،والتوسع في الحديث عنه دون التطرق لمن يمارس الفساد ،بالرغم من أننا نعلم انه لا فساد بدون فاسد ،كما لا فعل بدون فاعل ،والنتيجة أن الفساد يقوى ويشتد عوده ،وهذا المسار الذي اعتادت عليه بعض الشعوب وأصبح مألوفا لديها ولا يهز حتى مشاعرها ،لم يأتي من عبث ،وإنما بتوجيه وتنسيق مباشر من السلطات المختلفة في بعض الدول ،حيث أقرت قوانين تجرم من يتحدث عن الفاسدين لا بل إنشغلت مؤخرا بقوننة الفساد كامل الدسم ،وتبرئة المشاركين فيه ،وتجريم الشرفاء الذين يحاولون كشف الفساد والاقتراب من أوكار الفاسدين ،بل أصبحت التهم تكال لكل صوت يصدح بالحق.
وما جرى أمس في حادث حريق مستشفى واستشهاد العشرات لم يكن مفاجئا وإنما أمرا متوقعا في أي لحظة كون المستشفى كان خاليا من أجهزة الإنذار والإطفاء وشروط السلامة العامة وبمعرفة المسؤولين ،وماذا بوسع لجنة التحقيق أن تفعل وتقرر ،فالعديد من هذه اللجان في بعض الدول تبدأ ولا تنتهي لا بل توجه كيف تكتب ومتى حتى أنها باتت ملاذا آمنا لبعض المسؤولين ،وأصبح تشكيل اللجان فوريا من الطقوس الجاهزة لإمتصاص غضب ذوي الضحايا في أي حادث ،والمهم في هذه الحادثة أن الجميع يجمع على أن الفساد هو السبب بوقوعها.
فأصبح الفساد كالفقر هو نتيجة ملموسة ،ولكنه لا يرى بعين من هو معني بتحقيق العدالة ،ونتذكر هنا قول عمر الفاروق رضي الله عنه لو كان الفقر رجلا لقتلته ،ونحن نقول لو كان الفساد رجلا لقتلناه ،لذلك نحن نقف على أعتاب مشهد يتكرر حدوثه في بعض الدول النامية الواقعة تحت سيطرة الفاسدين ،ويتم تبادل الأدوار فيها اثناء الازمات بنفس السيناريوهات وفي مقدمتها امتصاص غضب ذوي الضحايا بقليل من المال.
وهنالك استراتيجيات متبعة جعلت سعر الانسان رخيصا وأشبه بالبورصة وتتحكم فيه عوامل مختلفة بعدما وصلت الشعوب الى حالة من التردي ،فالبعض منها يبيع صوته بخمسين دولارا ،وبعض الفتيات تبيع عرضها بذات الثمن حتى أن الاعتداء على القدس ومسرى رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يعد قادرا على هز لحية الكثيرين.
أما اولئك المتنفذين الذين باعوا ضمائرهم وأخلاقهم فأسعارهم مرتفعة ،حيث أوجدوا عجزا ضخما في موازنات دولهم المهم في الموضوع أن هذه الحالة ستستمر بالظهور وستتطور للأسوأ حيثما وجدت شعوبا لا تقوى على تعرية الفاسدين وفضحهم وعزلهم اجتماعيا ،بل تجلسهم في صدور بيوتهم بينما تجلس الشرفاء على عتباتها.
وطالما أن القوانين تؤمن لهم الحماية وتكفل لهم عدم الملاحقة والبراءة من أي شكاوي قد ترفع ضدهم ،أما المواطن الشريف النزيه الضعيف فسيبقى وقودا للفاسدين وميدانا تطبق عليه القوانين بأوسع نطاق ،لكي لا يتمكن من الإعتراض على ما يحدث ،وسيبقى مسلسل الضحايا ومسرحية تشكيل اللجان قائمة ما زال الفساد قائما ،ولو أن الفساد لديه إحساسا لما تحمل ما يكتب عنه ،وربما نشهد في بعض الدول تشريعا جديدا يجرم الحديث عن الفساد كملاذ آمن جديد لبعض الحكومات في تنفيذ أجنداتها ،وتحقيق الثراء على حساب المال العام لبعض أفرادها.
عميد اردني متقاعد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى