الشاشة الرئيسيةفكر وثقافة

الملف الثقافي: “ترف وحمولة زائدة” أم حاجة أساسية للمجتمع؟

الغواص نيوز
يرى مبدعون وكتاب أن هنالك غيابا للملف الثقافي على أجندة الخطاب السياسي الأردني، ولا يتم التعامل معه كأولوية، رغم أهميته في الارتقاء بالمجتمع والدولة، لافتين إلى أن العلاقة بين السلطة والمثقف هي علاقة “قلقة ومتوترة عبر التاريخ، بسبب سوء الفهم بين الطرفين، واختلاف الرؤية والمهمات والمسؤوليات.
ودعا مثقفون الحكومة إلى إعادة النظر في دعم الثقافة من أجل مواجهة التطرف، مشيرين إلى أن الحكومات المتعاقبة تتعامل مع الثقافة باعتبارها “حمولة زائدة”، وعبئا ثقيلا لا تريد الاقتراب منه.
الفنان التشكيلي ورئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين كمال أبو حلاوة يقول تماشيا مع دخول الدولة الأردنية المئوية الثانية، نتساءل أين دور الثقافة في خطاب الحكومات المتتالية حتى تأخذ مكانتها الحقيقية في مواجهة كل التحديات من مكافحة الإرهاب والتطرف والفكر الظلامي.
يتابع أبو حلاوة: متى تفيق الحكومات وتدرك أن الثقافة عنصر مهم من عناصر مكونات المجتمع أي مجتمع، ويجب أن تكون من أهم أولويات الحضور في الخطاب الحكومي، بل وترتكز عليها باقي الخطط في كل القطاعات المعيشية والسياسية ولا نكتفي من العمل على خطة وليدة اللحظة والانتقال إلى مشروع رؤيا بعيدة الأمد وتمكينها بخطط بديلة طارئة والاستفادة من خبرات مهمشة لطالما كانت تمتلك الحلول المناسبة وتمكينها بالصلاحيات المطلوبة بعيدا عن المحسوبية والشللية.
يقول الشاعر هشام عودة إن من يتابع الخطاب الحكومي والبيانات الوزارية المتعاقبة يكتشف غياب الاهتمام بالثقافة عن الخطاب الرسمي في الأردن، وكذلك الحال في بعض الدول العربية، بينما يتم تصنيف وزارة الثقافة في فرنسا على أنها وزارة سيادية. ويضيف أن وجود العديد من المنتديات والجمعيات الثقافية التي قد يصل عددها في الأردن إلى أكثر من 700 منتدى وجمعية جعلت النظرة للمشهد الثقافي تتراجع شعبيا ورسميا.
ويرى عودة أن غياب الخطاب الثقافي عن البيانات الوزارية ينعكس سلبيا على أداء الحكومة بشكل عام، وأداء وزارة الثقافة بشكل خاص، في علاقتها مع المثقفين الأردنيين، وأن إهمال الثقافة أو تهميشها قد انتقل إلى المؤسسة التشريعية، فمن النادر أن نقرأ جملة واحدة في البيانات الانتخابية أو الشعارات تتحدث عن الثقافة وأهميتها، أو أن نسمع جملة واحدة بشأنها في خطابات النواب التي تهز أركان قاعات المجلس.
وهنا يتساءل عودة لماذا تقوم الحكومة بترخيص هذه المنتديات والجمعيات الثقافية التي يغط معظمها في سبات عميق؟ ولماذا تتخلى الحكومة عن واجبها في توفير الحياة الكريمة للمثقف، وتسويق نتاجه الثقافي والفكري محليا وعربيا؟ ولماذا لا توجد لدينا مؤسسة متخصصة بالترجمة تقوم بترجمة الأعمال الإبداعية الأردنية؟
كما ويرى عودة أنه ثمة نظرة دونية للثقافة، فمعظم الذين يصلون إلى مواقع صنع القرار لا يتحملون أي مسؤولية تجاه الثقافة وفعلها المجتمعي، لافتا إلى التحديات الكبيرة التي نواجها، والتي تأتينا محملة بالأفكار الظلامية والتكفيرية، أليس من الواجب علينا وعلى حكوماتنا المتعاقبة أن تعمل على مواجهة الأفكار الظلامية بأفكار تنويرية؟ ومثل هذه الأفكار التنويرية لن تؤتي ثمارها إلا بوجود اهتمام واضح بالفكر والثقافة وبالمفكرين والمثقفين، وليس صعبا علينا اكتشاف ميزانية وزارة الثقافة على سبيل المثال التي هي أقل الميزانيات بين الوزارات جميعا.
رئيس رابطة الكتاب الأردنيين السابق، الشاعر سعد الدين شاهين، يشير بدوره إلى توجيهات الملك عبد الله الثاني منذ تسلمه سلطاته الدستورية بإيلاء الشأن الثقافي الأهمية التي تليق بالأردن كضامن لاكتمال الوعي الذي بواسطته اجتزنا الصعوبات والمخاطر، ورعى وأوصى بالانفتاح على حضارات العالم وثقافته، باللجوء إلى تطوير المؤسسات الثقافية التي تعزز الإبداع والتفكير المنفتح لما لها من أهمية في تأسيس الوعي الثقافي لدى المواطن، ومن أجل مواجهة الفكر الظلامي والمتطرف.
ودعا شاهين الحكومة إلى “إعادة النظر في وضع خطة ملحقة وداعمة للشأن الثقافي، يجسد آمالنا وطموحاتنا في أن نرى مؤسساتنا الثقافية خلية فكر وإبداع وتنوير، وهذا لا يتم إلا بإعادة النظر أولا في ميزانية وزارة الثقافة، وراعية العمل الثقافي وزيادتها بما يمكنها من خلق بيئة ثقافية منتجة للمشاريع الشبابية الإبداعية والفكرية، واعتبارها من الوزارات السيادية لتمنحها الصلاحية الكافية والأهمية التي بها تدعم تشكيل الفكر الواعي النير الذي يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف الظلامي الذي يحوطنا، وينظم طاقات الأجيال جميعها، ويوجهها لأعمال فكرية وإبداعية مكللة بمشاريع ثقافية مدرة ومنتجة، بمشاركة المؤسسات الثقافية التي تنضوي تحت إشرافها”.
ويستهجن ويستغرب شاهين خلو الخطاب الحكومي الذي يطلب بموجبه الحصول على ثقة الشعب، بواسطة نواب منتخبين من قبل الشعب، من الإشارة إلى الثقافة، وخلو مجلس النواب الحالي من أي لجنة لها علاقة بالشأن الثقافي، لافتا إلى أنه كان من ضمن لجان المجلس السابق لجنة الإعلام والثقافة، وكانت هناك اجتماعات تتم بين هذه اللجان ورئيس الرابطة، لوضع أسس تعاونية شاملة بين لجان الرابطة ولجان مجلس النواب التي تتقاطع معها، وتشكيل حالة ثقافية تتشارك فيها جميع المؤسسات الرسمية والشعبية والإعلامية.
ويخلص شاهين إلى أن الثقافة ليست ترفا ولا لهوا، ولا هي من نوافل القول والعمل، ولا هي فسحة لملء الفراغ، بل هي هوية الأمم، وباروميتر حضارتها وانفتاحها، وهي مفاعل تكويناتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية والدينية والإبداعية، ومصهر وعيها، وصياغة نهجها، وهي القاسم المشترك بين مكون الشباب، بنظرته العصرية الحضارية، وجيل الآباء الذي يرسخ قيم الأصالة، ويعزز التراث الوطني وقيم العدالة والتسامح والمحبة.
رئيس جمعية النقاد الأردنيين، زهير توفيق، يصف العلاقة بين السلطة والمثقف بأنها علاقة قلقة ومتوترة عبر التاريخ، بسبب سوء الفهم بين الطرفين، واختلاف الرؤية والمهمات والمسؤوليات، وأهم من ذلك كله طبيعة الخطاب، فخطاب السلطة واقعي نتاج مطالب الواقع القائم، بينما خطاب المثقف هو معياري يتطلع إلى ما سيكون عليه الواقع أو الأفضل، ويحتاج المثقف من السلطة الدعم غير المشروط، والحفاظ على استقلاله المعرفي والأيديولوجي، والسلطة تحتاج المثقف من أجل حمل مشروعها الوطني والتبشير به، أو الحياد، بأضعف الإيمان.
ويتابع توفيق: “لكن لا المثقف ولا السلطة، أو لنقل وزارة الثقافة، قادرة على تلبية هذه المطالب، فوزارة الثقافة ليست وزارة سيادية – على أهمية الثقافة والتنمية الثقافية التي هي أساس التنمية البشرية –ومواردها لا تلبي الحد الأدنى من المطالب” .
ويرى توفيق أنه برغم الإنجازات الكبيرة لوزارة الثقافة، عبر تاريخها في إدارة الملف الثقافي، أو مهماتها ووعودها الراهنة في مئوية الدولة الأردنية، وهي أعمال وتعهدات مشكورة ومقدرة، وعلى جانب كبير من الشمول والنوعية، وتفاني بعض الوزراء في خدمة الثقافة والمثقف، إلا أن الطموح ما يزال كبيرا، وتقف في الطريق عقبتان: التمويل الكافي أولا، ووضع الثقافة والمثقف والأمن الثقافي على جدول أعمال الدولة الأردنية، كأولوية كونها جزءا من الأمن الوطني الشامل، ومساوية للأمن الغذائي والصحي.
رئيس رابطة الكتاب الأردنيين، أكرم الزعبي، يرى في غياب الثقافة عن الخطاب السياسي الأردني على مدار عقود، وآخرها الحكومة الحالية التي لم تتطرق للثقافة في خطاب الثقة، على الرغم من وجود عدة وزراء ونواب في الحكومة والمجلس الحالي، ما يعني أن الثقافة ليست من أولويات الحكومات، على الرغم من أهميتها الشديدة في الارتقاء بالمجتمع والدولة.
ويشير الزعبي إلى أن الفعاليات الخجولة، والموازنات المتواضعة المرصودة للثقافة كوزارة وكهيئات ثقافية، تؤشر إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تكترث بالثقافة والمثقفين، ربما لأن البعض يعتبرها ترفا وليست ضرورة وأولوية، داعيا الحكومة للاهتمام بالقطاع الثقافي، وتوفير الحياة الكريمة للكتاب والمبدعين الذين هم ضمير الوطن ووجدانه، والقادرون على الارتقاء بسوية الثقافة، ونهضة الوطن، مؤكدا على أن الثقافة ليست ترفا أو ديكورا، والأمم التي نهضت بالثقافة ومنحتها الأولوية تقدمت، وصارت في مصاف الدول الصناعية عبر مراحل تاريخية متتالية. كما أن الحضارات ترتكز على الثقافة بكافة تفرعاتها، ولا بد للثقافة من توافر أوضاع معيشية مريحة، فحيثما يوجد الفقر يوجد الجهل. الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى