ما الذي أغضب قبيلة “آل مرة” من السلطات القطريّة ودفعها للتهديد بالبيعة وكيف تعاملت الأخيرة مع الاحتجاجات وقائدها المحامي المري؟.. قانون انتخاب تشريعي جديد يثير جدل القطريين الأصليين والمُجنّسين واحتجاجات سلمية

الغواص نيوز ….رصد
– “رأي اليوم”-
على غير العادة، ومع تجاهل مُعظم الإعلام القطري والخليجي الذي يراه البعض مُتعمّدًا، الأحداث التي تقع في مُحيطه، يبدو أنّ العاصمة الدوحة في قطر، تشهد اعتراضات منصاتيّة وأخرى واقعيّة قبليّة (احتجاجات الاثنين في قرية أم الزبار غربي الدوحة)، بما يتعلّق بأوّل انتخابات تشريعيّة في البلاد، وحرمانها لقبيلة آل مرة من حق الترشّح، وما أحدثته من جدل تحديدًا حول قانونها الجديد، وهي خطوة كانت يجب أن تأخذ البلاد لمسار ديمقراطي، خاصّةً أنّ الدول الخليجيّة عدا الكويت، لم تعرف الأنظمة البرلمانيّة والرئاسيّة المُنتَخبة في السّابق.
الأمير تميم بن حمد، والذي فيما يبدو لا يزال لا يجد قُبولاً عند بعض جيرانه الخليجيين، والذين كانوا قد قاطعوه في واقعة المُقاطعة الشّهيرة، إلى جانب مصر، حيث العُيون تتّجه لدور إماراتي ما في الدّعم الإعلامي للاحتجاج القبلي على قانون الانتخاب التشريعي الجديد، الذي كانت المنصّات القطريّة، ساحته الجدليّة الأولى، ومع اهتمام الإعلام الإماراتي بما يحدث بشَكلٍ غير مسبوق، بسبب العداء الواضح والقصف الإعلامي المُتبادل بين البلدين.
الاعتِراض القبلي في قطر، يأتي تحديدًا من قبيلة آل مرّة، أو أحد أفخاذها، كما يقول المُقرّبون من السلطة، وهؤلاء الذين يُشكّلون بواقع 40 بالمئة من الحُضور القبلي، حسب أدبياتهم، ويقولون إنّهم وُجِدوا حتى قبل الدولة القطريّة بشكلها الحالي، اعترضوا بشَكلٍ لافت وبارز على القانون الذي يقولون إنّه جرى وضعه من أجل حرمان نسبة كبيرة منهم من الحقّ الانتخابي، ووصفوه بالقانون التعسّفي، والذي يمنعهم بحسبهم من الترشّح والتصويت لانتخابات مجلس الشورى، الذي من المُفترض أن تُجرى في تشرين الأوّل (أكتوبر) المُقبل.
التّساؤلات بين المُعلّقين ذهبت باتّجاه التساؤل حول رغبة السلطات القطريّة، بالفعل من حرمان أفراد من هذه القبيلة من التصويت والترشيح، وإن كان تعدادهم الكبير، يُشَكِّل خُطورةً على النظام القائم، ومجلسه التشريعي، حيث أعلنت وزارة الداخليّة إنّه تم إحالة 7 أشخاص إلى الجهات المُختصّة (اعتقال 7 من أفراد القبيلة)، ولأنهم كما قالت الوزارة استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي في “نشر أخبار غير صحيحة، وإثارة النعرات القبليّة والعُنصريّة”، وبالتّزامن كان يتصدّر وسم “آل مرة قبل الحكومة”، وهي حركة اعتراض افتراضيّة وواقعيّة لم تشهدها قطر من قبل، وتفتح شهيّة الإعلام المُضاد لسياساتها.
مُسارعة قبيلة آل مرة للتّذكير بأنّها وجدت قبل الحكومة، في حركة وجدها البعض تحريضيّة ضد السّلطات القطريّة، تأتي من وضع الأخيرة شرط الترشّح الأساسي وهو أن تكون جنسيّة المُرشّح الأصليّة قطريّة، وهو ما لم ينطبق على نسبة كبيرة من أفراد القبيلة المذكورة، أو بعض أفرادها الذين اندفعوا للاعتراض، وهو ما يشي بشُعور السّلطات بخُطورة تلك القبيلة وتِعدادها وحُضورها.
وفي حقّ الانتخاب، يحق انتخاب أعضاء مجلس الشورى كُل من كانت جنسيّته الأصليّة قطريّة وأتمّ 18 سنة، ويُستَثنى من شرط الجنسيّة القطريّة، كُل من اكتسب الجنسيّة القطريّة، وبشرط أن يكون جدّه قطريّاً، ومن مواليد دولة قطر، ووفقاً لهذا الحق، يبدو أن التصويت سيكون محصورًا أيضاً بعدد من أفراد القبيلة، ومن هُنا يكمن أساس اعتراضهم.
قانون الانتخاب قسّم المُواطنين القطريين حسب دستور عام 2003 إلى ثلاث فئات، الأولى للمواطنين القطريين الأصليين، وهؤلاء يحقّ لهم الترشّح والتّصويت، والثانية من المُجنّسين القطريين الذين جدّهم مولود في قطر، وهؤلاء يحقّ لهم التصويت فقط، أمّا الفئة الثالثة فهي فئة المُجنّسين ولا يحقّ لهم التّصويت والترشّح.
وستُقام الانتخابات لاختيار ثُلثيّ أعضاء مجلس الشورى، أو 30 عُضوًا في المجلس المُؤلّف من 45 مقعدًا، وسيُعَيِّن الأمير الأعضاء الباقين، وستُقسَّم البلاد إلى 30 دائرة انتخابيّة ينتخب مُرشّح واحد فقط لتمثيل كل منها، وفي ظل الحُضور الكبير لقبيلة آل مرة، وحرمانهم من الترشّح، فإنّ السّماح لهم بالمُشاركة يعني من وجهة نظر مُقرَّبين من السلطة سيطرة فِعليّة على مجلس الشورى، واحتمال تحويله لمكان مُناكف، يَسُن، ويُبطِل القوانين، بل إنّ تقارير صحافيّة تحدّثت عن استهداف مُتعمّد لقبيلة آل مرة، تباين بين سحب جنسيّات، وإسقاط أخرى، ما بين العام 2004- 2017.
وما يُميّز احتجاجات آل مرة، أنها مُحدّدة الأهداف، يراها أهل السلطة فتنويّة، يقودها الدكتور المحامي هزاع بن علي المري، وهو الذي بدأ يتحوّل بنظر الإعلام الغربي إلى أيقونة الاحتجاج ضدّ النظام القطري.
الدكتور المحامي هزاع بن علي الاسم الأكثر تداولاً على المنصّات، بات المسؤول المُباشر عن تنظيم اجتماع احتجاجي ضم نُخب قطريّة، من أدباء وشُعراء، وأساتذة جامعات، وصحفيين، ومحامين، هذا الاجتماع لم يخل وفقاً للاتهام الرسمي من كلمات وخطب ناقدة للنظام القطري، الأخير (النظام) تحرّك لاعتقال المحامي، وأظهرت مقاطع مُتداولة لحظة الاعتقال، والمري يصعد سيّارة رجال الأمن، ويبدو أن المحامي حرص على التّعاون مع الشرطة، وطلب من مُناصريه عدم عرقلة عملهم.
المري المحامي ورغم حرصه على عدم استفزاز رجال الأمن خلال اعتقاله، وهو يُعتَبر من المُجنّسين القطريين، شأنه شأن بعض أبناء القبيلة التي وجدت بقانون الانتخاب الجديد سلبهم حقّهم في الترشّح، لعلّه قد تخطّى الخطوط الحمراء، حين وجّه رسالة لأمير قطر، هدّد فيها رفض شُروط الانتخابات الحاليّة، كما والتّهديد الأهم واللافت، ربط استمرار البيعة بعدل أمير البلاد تُجاه رعيّته، وهذا تهديد قُوبِل بغضبٍ شديد من السلطة القطريّة، وإلى جانب الاهتمام الإماراتي اللّافت بالحدث الذي وجد فيه فُرصةً لتوجيه الضّربات لخصمه القطري، حضر الإعلام المِصري لكن بحُضور أقلّ وتيرةً، ولعلّه احتراماً لتقدّم العلاقات بين النظامين المِصري والقطري، ومُخرجات قمّة العُلا السعوديّة.
وبالرّغم من غياب الاعلام الرسمي والخليجي عن التغطية، حضرت كاميرات الهاتف المحمول، ووثّقت مشاهد من مسيرة قبيلة أبناء آل مرة، اعتِراضاً على قانون انتخاب مجلس الشورى، ومع تصدّر وسم “قطر تنتفض”، الذي شارك به مُغرّدون سعوديّون، لم تخل بعض تغريداتهم من التّحريض على النظام القطري، وتضامن مع الاعتراض القبلي على القانون الجديد.
بدوره رئيس وزراء قطر السّابق حمد بن جاسم، وعرّاب الثورات، وانتقاد الأنظمة الديكتاتوريّة، بدا أنه تلمّس خُطورة المشهد، وسارع للتّغريد عبر حسابه في “تويتر” عدّة تغريدات، من بينها تحذيره من مُحاولة زعزعة الاستقرار في بلاده، وتحويل ما وصفه بنقاش حول مُلاحظات بشأن قانون الانتخاب، وشحن الأجواء بين الشّعب، وشدّد رئيس الوزراء السّابق، على أنّ العائلة القطريّة تحلّ أمورها تحت راية الوطن، وتحت راية ولي الأمر، خاصّةً أنّ هُناك لجنة تظلّم أمر بها الأمير المُفدّى على حدّ قوله.
أمّا الشيخة مريم آل ثاني، فيبدو أنها التقطت رسالة تهديد قائد الاحتجاج الدكتور المحامي المري، وردّت على طريقتها بشَكلٍ حاد، وقالت: “يعتقد البعض أنه بالتطاول وقلة الأدب وأسلوب التعالي والتهديد سيحصل على ما (يعتقد) أنه (حق)! ما تريد التفاوض عليه هو (مطلب) والمطالب لا تؤخد بهذا الأسلوب الذي يجعل منك شخصًا في نظر الآخرين (عديم التربية ومنبوذًا ومكروهًا)! طالب بما تشاء، ولكن بأدب واحترام لذاتك قبل غيرك!”، ووصفت الشيخة المحامي “بدكتوراة في الجهل وقلّة الأدب، قانوني، وهو أوّل من يخترق القوانين” تعليقاً على انتشار مقاطع الاحتجاج القبلي.
ومن غير المعلوم كيف سيكون تصرّف قبيلة آل مرة، التي هدّد قائد حراكها المحامي المري بأنّهم سيذهبون للسّجون حال عدم التّراجع عن قانون الانتخاب الجديد، خاصّةً مع اعتقال المري، إلى جانب لغة الانتقاد الحادّة والتوصيفات التي استخدمها البعض في الدولة القطريّة، وعدم تقبّلهم للحِراك السّلمي، وهو ما قد يشي بأنّ الدولة القطريّة لن تتراجع عن قانونها الانتخابي المُثير للجدل، وأنها ستُواجِه الحِراكات بجميع أنواعها، بالاعتِقالات، وهو ما يضع حُكومتها في مرمى الانتقادات الغربيّة، ومنظّمات حُقوق الإنسان، خاصّةً أنّ كُل هذا الجدل والاعتِراض، يأتي لنقل البِلاد على خطّ مسير الديمقراطيّة الحقيقيّة، والعمل البرلماني الذي يُحاسِب الدّولة، ويكون رقيباً على أعمالها، هو اختبارٌ حقيقيّ إذاً أمام الدولة القطريّة.