لم تكن مثلَ غرناطةٍ

9/4/2003
هشام عودة
لم تكن مثلَ غرناطةٍ
لم يكن يومُها حالكاً بالسوادْ
كان يوماً طويلاً
طوت صفحةَ القهرِ فيهِ
وعادت إلى وعيِها المستعادْ
على الأرض تجلسُ بغدادُ
محروسةً بالنخيلِ
تُداعبُ أمواجَ دجلةَ
تُعطي لنيْسانَ بهجتَهُ
في خريف الغزاةْ
وكانت لنا ليلةٌ مشتهاةْ
تنزّلَ فيها دمُ الشعراءِ
تناثرَ فيها دمُ الغرباءِ
ولم تدْلَهِمَّ الخطوبُ
ولم تَخْتَفِ الطرقاتْ
* * * *
لنيسان شعلته الناصعة
منذ فجرِ دمشقَ البعيدِ
إلى دمِ دبابةٍ في شوارعِ بغدادَ
واقفةٍ في الطريقْ
كان لنا عيدُنا
صار لنا عيدُنا
حين جاءت من الأفْقِ
طائرةٌ من ورقْ
فأنجزَ نَيْسانُ وعْدَ الحياةِ
لأرضٍ مبللةٍ بالندى
* * * *
لم يكن يومَنا وحدَنا
كان يومَ العراقِ الكبيرَ
ويومَ الذين أناخوا قوافلَهم
في طريقِ المطارْ
واحتَمَوْا بالحريقْ
شوارعُ بغدادَ في زِيِّها العسكريِّ
بساتينُ بغدادَ في زِيِّها العسكريِّ
وفتيةُ بغدادَ إذ آمنوا بالرسالةِ
يلْوُونَ عُنْقَ الغُزاةِ
يُعيدونَ ما قد تأرجحَ من وعْيِنا العربيْ
* * * *
كان يوماً طويلاً
فقال لنا حاديُ الركبِ
ذو القامةِ العاليةْ
قِفوا
واقرأوا الصفحةَ الثانيةْ
كان يومَ العراقْ
تمنطَقَ فرسانُهُ بالرَّصاصِ
ولم تكُ غرناطةٌ حاضرةْ
كان نيْسانُ مستنفِراً
بأصابِعِهِ يحفرُ الأرضِ
كي لا يبلِّلَ دمعُ السماءِ
مناديلَها الطاهرةْ
كان يوماً طويلاً
وبغدادُ حارسةُ الشِّعرِ
لمـّا تزلْ ساهرةْ
حين أرْخَتْ جدائلَها غيمةٌ ماطرةْ
منذ قال الرشيدُ
اذهبي حيثُ شئتِ
تدلَّتْ على سارياتِ الرياحِ
وغنَّتْ قصائدَها الساحرةْ
* * * *
منذ ذاك المساءْ
تجمَّعَتِ النارُ في سَعْفَةٍ من نخيلْ
على الأرض ما يُشبِهُ المستحيلْ
أطلّتْ علينا بنادقُهم من جميعِ الجهاتْ
ونامَ على ناصياتِ الشوارعِ
من يحرسون الحياةْ
في انتظارِ الغُزاةْ
منذ ذاك المساءْ
أضاءَ لنا الفتيةُ العاشقونَ
حدودَ السماءْ
فنِمْنا على كَتِفِ الأرضِ
يحرُسُنا طائرُ الكبرياءْ