ليس تطاولا على الرئيس

ماهر أبو طير

هذه مناقشة هادئة في كلام رئيس الوزراء الذي يكرره دائما، وهي مناقشة لا تتعمد التطاول، لكنها محاولة صادقة للفهم، دون أي همز أو لمز مبطن.
يكرر الرئيس دوما عبارته الشهيرة، إن أجمل أيامنا لم يأت بعد، وفي مرات يقول إن القادم أجمل، وإذا كان الكلام هنا على سبيل رفع المعنويات، فهذا جيد، برغم أن رفع المعنويات يجب أن لا يتجاوز الحقائق، وإذا كانت تعليقاته هذه تعني أن لديه معلومات لا يريد إعلانها الآن، حول مستقبل الأردن الاقتصادي، وأن هناك ازدهارا مقبلا على الطريق، فيتوجب على الأقل التخفيف من صيغة الغموض في تعليقه الشهير، وإخبارنا عن الكيفية التي سيكون بها القادم أجمل.
هذا كلام الرئيس، لكن كل وزراء الرئيس يتحدثون فنياً بطريقة عكس كلام الرئيس، من الوضع المالي الحرج، إلى ضرورة رفع أسعار مشتقات النفط، وارتفاع المديونية والعجز، واضطرار الحكومة لاستيراد القمح بضعف السعر بما يعنيه ذلك من تأثير لاحق علينا، إلى الوضع المائي الحرج، مرورا بمشاكل البطالة والفقر الذي تعترف به الحكومة بسقف يصل إلى ربع الأردنيين حتى الآن، وغير ذلك من غلاء أسعار الأدوية والمواد الغذائية والمواصلات والقائمة تطول.
الرئيس حساس للنقد، ونحن هنا نحترمه ولا نتعمد مس مكانته، أو إدارته لموقعه، فلا أجندة في الظلال، ولا أحد يريد إفشال الرجل، لكننا نحاول ضمن حقوقنا في النقد، أن نفهم ماذا يجري؟.
من سنصدق هنا، كلام الرئيس الذي يبشر بالخير المقبل على الطريق، أم كلام الوزراء الفني الذي يتحدث دوما عن معالجات صعبة على المستوى الداخلي في أبرز الملفات، إضافة إلى ما يجري على أرض الواقع من تغيرات تكتسح العالم، اصلا، حتى وصل الأمر برئيس وزراء بريطانيا أن يتحدث عن ضرورة خفض الأجور، بسبب التضخم، وأن يتحدث الرئيس الأميركي عن التضخم الخطير، مع ما نراه من موجات مرعبة من التغيرات الاقتصادية في دول العالم.
لا أحد فينا يريد نفي كلام الرئيس، بل لعلنا نتمنى أن يكون كلامه صحيحا، لكنني أتحدث عن أن الشعارات وحدها وجدولة الوعود أمر غير مناسب، في ظل ما نراه في الأساس من تغيرات تضرب العالم، ومن تأثيرات ترتد على الأردن، وهي تأثيرات يلمسها كل الأردنيين، هذا فوق ما يتخذه الوزراء من قرارات فنية في ملفات كثيرة، تدفع الأمور بشكل اختياري أو إجباري، لأن يكون القادم أصعب، وليس أجمل، كما يقول ويكرر الرئيس دوما في كل اللقاءات والجلسات.
ذاكرة الأردنيين حادة، وحساسة، وتتصيد كل خطأ لأي مسؤول، وحتى اليوم ما يزال الأردنيون يستدعون تصريحات كل رئيس وزراء سابق، خصوصا، تلك الوعود أو القوالب الشهيرة التي التصقت بهذا أو ذاك من تعبيرات لغوية، ثبت أنها مجرد مضيعة للوقت، وتبديد للأحلام.
الخلاصة التي تراد أن تقال هنا، أن لا أحد يعلم الغيب، أصلا، ولا يجوز أيضا خلط الزيت بالماء في بئر واحدة، فالرئيس يبشرنا بكلام طيب، فيما الأرقام والواقع والقراءات تدل على أن القادم أصعب، بل إن المفارقة أن التبشير يأتي من الرئيس، فيما فريقه يأخذ الأمور نحو اتجاه آخر.
ربما هناك معلومات يستند إليها الرئيس، وسوف تنكشف لاحقا، بحيث تكون بشرى للأردنيين في مجالات مختلفة، وقد يرد الرئيس هنا، مجددا أن القادم أجمل، وأنه يقصد أن القادم أجمل برغم الظرف الصعب الذي نعبره مؤقتا، وأن هناك بشائر سوف تعلن للأردنيين عما قريب في قطاعات ومجالات مختلفة، وهذا يفسر اصراره على هذا التعبير، واذا كانت الخارطة الذهنية لدى الرئيس مركبة بهذه الطريقة، فعليه ان يقول لنا ذلك صراحة او تلميحا، حتى لاتبدو القصة محملة بالتناقضات في مجتمع يبحث عن بارقة امل لحياته، من اجل حقه في حياة كريمة.

Exit mobile version