في مسألة التنمية والنمو الاقتصادي في الأردن

الدكتور عبدالمهدي القطامين
يبدو ان هناك خلطا لدى الكثيرين من غير المختصين بالطبع بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية فليس بالضرورة ان يكون النمو الاقتصادي مؤشرا فعليا على تعافي الاقتصاد وتعافي التنمية ففي النمو الاقتصادي هناك مؤشرات دالة على تحسن البيئة الاقتصادية لدى أي اقتصاد لكن مدى انعكاس ذلك على تنمية المجتمع وعلى حياة الناس فان المسألة هنا تستوجب إعادة النظر في الخلط الواضح بين المفهومين .
وعادة ما يخلط الناس بين مفهومي التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي، حيث يعتقد البعض أنهما نفس الشيء، فتنطلق الشائعات من قبل العامة لتطعن في الأرقام المقدمة من قبل الحكومة والتي تزعم ان الأرقام التي تعلنها الحكومات ارقام مزيفة والسبب انهم لم يلمسوا ذلك في واقع حياتهم اليومية ولم تتحسن مستوياتهم المعيشية تبعا لما يعتقدون .
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشعر مواطنو دولة ما بنهضة اقتصادية تحدث ، أو يستشعروا انعكاس ذلك عليهم خلال مدة زمنية قصيرة ، لكن يمكن الاستدلال بمعدلات النمو المرتفعة على سير البلاد نحو تحقيق الرخاء لشعبها.
اذن ما النمو الاقتصادي؟
النمو الاقتصادي هو مقدار الزيادة في إنتاج السلع والخدمات خلال فترة محددة، ولكي يكون أكثر دقة، يجب أن يستبعد القياس آثار التضخم ويعرف ذلك بـ”النمو الحقيقي” للناتج المحلي الإجمالي للبلاد و والنمو الاقتصادي ينعكس في الغالب على أصحاب رؤوس الأموال وليس بالضرورة ان ينعكس على الطبقتين المتوسطة والفقيرة لأنه نمو آني لحظي في المداخيل وليس نموا ظاهرا في المقومات الاقتصادية وبالتالي لا لا يضمن وصوله الى كافة شرائح المجتمع وطبقاته .
ويجزم الكثير من المحللين الاقتصاديين ان مقياس الناتج المحلي الإجمالي مؤشر لرفاهية الشعوب، مع ان هذا الامر محل شك بين النظرية والتطبيق ولكن لماذا النمو الاقتصادي يختلف عن التنمية؟
هنا يأتي الخلط غير الواعي بين النمو والتنمية، فعندما يسمع المواطنون أن بلادهم حققت نموا كبيرا في سنة ما، يسارعون لتكذيب ذلك، أو التشكيك في ارقام الحكومة حيث يعتقدون أن النمو الاقتصادي ينبغي أن ينعكس على معيشتهم بشكل فوري وآني مع ان تحسين مستوى المعيشة، يحتاج إلى خطة عمل تستمر لسنوات طويلة، وتحقيق الرفاهية أمر يتخطى النمو الاقتصادي، إذ يضم جوانب أخرى مثل التعليم والصحة والأمان وغيرها من أساسيات الحياة وقد حقق الأردن على سبيل المثال نموا اقتصاديا في عام 2004 تجاوز 8 % وهو رقم متقدم جدا في المقياس الاقتصادي لكن ذلك لم يظهر على حياة الناس ولم يلمسوا اثره لأنه نمو طارئ ولحظي لكن لو تحققت التنمية الاقتصادية فان ذلك يستلزم بالضرورة تطور المؤسسات التعليمية، وتطور الخدمات الطبية وتوافر سكن ملائم للجميع، ومستوى معيشي مقبول في النمط الاستهلاكي وغيرها من الأساسيات التي تشكل رفاهية الإنسان. كما ان التنمية الاقتصادية البرامجية تضمن وصول النمو الاقتصادي واختراقه لكافة شرائح المجتمع وطبقاته ومن المفارقة ان نموا يعادل 2 % على سبيل المثال قد يكون افضل من نمو 7% اذا كان نموا طارئا نتاج شراء اسهم مثلا او المتاجرة فيها لأنه مختص بطبقة رؤوس الأموال وليس عابرا لكافة طبقات المجتمع وهنا يبرز السؤال لماذا لم تتحقق التنمية الاقتصادية في الأردن تبعا لزيادة النمو الاقتصادي في بعض السنوات الجواب لا يحتاج الى مزيد من التكهن او الرجم بالغيب فالسبب الرئيس هو ان الحكومات الأردنية التي تتسم بسرعة التقلب والتغيير والتعديل والتبديل لا تقوم بالبناء التراكمي على ما حققته أي حكومة سابقة وبالتالي فان أي حكومة تبدأ من حيث تشكلت وتتسابق كل حكومة جديدة على بناء استراتيجيات جديدة تجب ما قبلها وهنا يبدأ الخلل الاقتصادي سواء في النمو او في التنمية الاقتصادية وفي ظل وضع كهذا كيف يمكن لنا ان نحقق أي تنمية اقتصادية تنعكس على واقع الناس الذي اصبح مأزوما الى حد بعيد .
يرى الأردنيون ان مسألة تغيير الحكومات وتغيير الرؤساء والوزراء لا تعنيهم كثيرا فما يعنيهم هو الأداء ومدى ما تقوم به الحكومة لتحسين واقع الناس ورفع سوية التنمية الاقتصادية التي تمس حياتهم مباشرة وفي ظل فشل تراكمي للحكومات في هذه المسألة يرتفع الصوت العالي للناس وتنعدم الثقة بين المواطن وحكومته وترتفع العدائية بين الطرفين الذي من المفترض ان يكونا طرفا واحدا موحدا لا غالب فيهما ولا مغلوب .
ملاحظة لا بد منه
وضعت الحكومة الأردنية عام 2018 والتي كان يرأسها الدكتور هاني الملقي خطة برامجية تنفيذية اعتمدت على محورين المحور الأول استهدف تحقيق اختراق للنمو الاقتصادي الى داخل الطبقات الوسطى والفقيرة وإعادة الأموال المتحققة من النمو الضريبي وتوزيع عوائدها على مختلف الطبقات بدلا من استئثار طبقة محددة بعينها بعوائد النمو وهي الطبقة الرأسمالية والمحور الثاني كان زيادة اعتماد الخزينة على الذات حيث ارتفع هذا الاعتماد من 78 % الى 98 % نهاية عام 2018 وكانت الفلسفة من هذا الاعتماد الذاتي تتمحور حول التخلص من التوسع في الاقتراض والدين المرهق للخزينة حيث ان أي موارد تذهب لخدمة الدين ولا تصب في انشاء تنمية اقتصادية حقيقية تلمسها كافة طبقات المجتمع كما استهدفت تلك الخطة الوصول الى نمو اقتصادي يتجاوز 6 % في نهاية عام 2021 وتخفيض الدين العام نسبة للناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام ٢٠٢١ الى 77 % …….. والسؤال الى الحكومتين اللتين تلتا تلك الحكومة ماذا تحقق من هذه الخطة وماذا تحقق من المؤشرات المستهدفة اذا علمنا ان الدين العام بلغ في نهاية العام الماضي 2020 ما نسبته 110 % من الناتج المحلي الإجمالي فيما بلغ الانكماش الاقتصادي في العام ذاته وحسب احصائيات البنك المركزي الأردني سالب 1.2 % ؟.