عندما يمسي الكيان عاريا في لاهاي..
أ.د. احمد القطامين
خلال الاربعة والسبعين عاما الماضية من عمره، قام الكيان بارتكاب كل اصناف الجرائم ضد الفلسطينيين والعرب، وتمكن ايضا من الافلات من العقاب مرة تلو اخرى بدعم من الدول الغربية خاصة بريطانيا التي اقدمت على جريمة انشاء الكيان في ارض فلسطين قبل ان تسلم موقع قيادة هذه العملية الى الولايات المتحدة الامريكية التي عمقت الدعم الاعمى له مما ادى الى تعمق وتعقد عملية ارتكابه للجرائم بعد ان اقتنع ان لا احد في العالم قادر على وقفه، وانه فوق القانون بكل ما يعنيه ذلك من اختلال في المعايير الانسانية لسلوك الدول ومنطق التاريخ.
ثم جاءت عملية طوفان الاقصى لتخلط كل الاوراق دفعة واحده، وتضع الكيان امام حالة فريدة غير مسبوقة، تمثلت في اقدامه على ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، نقلت حيا على الهواء، فتلقفتها احدث اجيال الامة المزودة بمهارات العصر الحديث، ونقلتها الى العالم من خلال منصات التواصل الاجتماعي فتلقفتها اجيال الامم الغربية والشرقية الجديدة ونشرتها وعلقت عليها بغضب كبيروتفعَلت حالة غير مسبوقة من الوعي العالمي بخطورة افعال هذا الكيان على السلم والامن الدوليين وعلى مستقبل البشرية وعلى القيم الانسانية المشتركة بين الامم.
عند هذه النقطة، تهيأت فرصة تاريخية نادرة لمحاسبة الكيان فاستغلتها دولة جنوب افريقيا، الدولة التي يؤهلها تاريخها النضالي وتشابه حالتها مع الحالة الفلسطينية لأن تكون اكثر قدرة على التاثير في العالم، فرفعت شكواها الى محكمة العدل الدولية، واجبر الكيان صاغرا على الحضور، ليتم محاكمته على جرائم الابادة التي ارتكبها جيشه علنا ودون تردد وعلى رؤوس الاشهاد في غزة.. وكان المشهد في لاهاي مهيبا، تابعته البشرية دقيقة بدقيقة بينما الكيان يتعرى امام العالم وهو في موقع دافعي لم يعتاده من قبل في كل تاريخه الاجرامي ضد الفلسطينيين والشعوب العربية منذ عام 1948.
اما من حيث الاجواء التي سادت المحكمة في جلستيها الاولى والثانية، فعند مقارنة ما قدمه الفريق الجنوب افريقي امام المحكمة من عرض تفصيلي ابداعي للحالة مع رد الكيان في اليوم التالي يتضح حجم المأزق النفسي والاخلاقي الذي يواجهه الكيان، الذي وقف امام العالم عاريا تماما من كل شئ الا حالة الخزي وممارسة الكذب المكشوف وضعف وتآكل الحجة وضآلة الحضور لفريقه القانوني امام المحكمة وكان ذلك مصدرا لفزع كبير شاهدناه من خلال ردات فعل قادة الكيان بعد ان انتهت المحكمة من جلستي الاستماع لمرافعات طرفي القضية.
ان قادة الكيان ومفكريه واستراتيجييه يعلمون علم اليقين ان ما جرى صبيحة السابع من اكتوبر لم يكن حدثا عاديا عابرا، بل هو في الواقع بداية لحرب تحرير فلسطين من غاصبيها، وهي حرب طويلة شاقة تتطلب ان يدفع الفلسطينيون والعرب اثمانا باهضة جدا، وستسيل الكثير من الدماء وستسقط الكثير من المسلمات السائدة حاليا، وسوف يشهد الواقع السياسي في المنطقة تغيرات عميقة جدا وواسعة جدا، وتبعا لذلك سيتغير وجه العالم.