سر “الشجاعية” – الحي الغزي الباسل الذي لا تستطيع إسرائيل كسره

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

‏عندما يدعي الإسرائيليون أن “الحل” الوحيد لغزة هو تهجير الفلسطينيين، لا يبدو أن لديهم الكثير من المعرفة بتاريخ غزة.‏
* * *
قبل وقت قصير من قيام المقاتلين الفلسطينيين بقتل وجرح العديد من الجنود الإسرائيليين يوم الثلاثاء 12 كانون الأول (ديسمبر) في “حي الشجاعية”، شرق مدينة غزة، كانت تلك المجموعة من الجنود قد عقدت اجتماعًا على مشارف البلدة.‏

‏وأظهر مقطع فيديو ‏‏انتشر‏‏ على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي أحد الضباط – الذي قتل لاحقًا– وهو يتعهد بالانتقام لجنود إسرائيليين آخرين كانوا قد قُتلوا في هذا الحي بالذات في الحرب الإسرائيلية على غزة في العام 2014.‏

ويُعتقد أن ‏‏”معركة الشجاعية”‏‏ التي جرت في العام 2014، كانت المعركة الأكثر حسمًا بين القوات الإسرائيلية الغازية والمقاومة الفلسطينية في ما تسمى بعملية “الجرف الصامد” الإسرائيلية.‏

وفي ذلك الوقت، اعترفت إسرائيل بمقتل 16 جنديًا من قواتها.‏

‏بعد وقت قصير من ذلك الخطاب، كان الضباط الذين تعهدوا بالانتقام للجنود القتلى منذ ما يقرب من عشر سنوات هم أنفسهم ضحايا لكمائن المقاومة.‏

وقالت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة “حماس”، إن عدد الجنود الإسرائيليين الذين قضوا في ثلاثة كمائن متتالية تقودها المقاومة، يتجاوز عدد الضحايا الذين أعلنتهم إسرائيل بكثير.‏

‏”حدث صعب”‏

‏في صباح الأربعاء، قال الجيش الإسرائيلي أن ثمانية جنود، معظمهم ضباط، قتلوا في كمين في “الشجاعية”.

ومن بين هؤلاء العقيد إسحاق بن باسات، قائد لواء غولاني، والمقدم تومر غرينبرغ – الجندي الذي كان يتحدث في الفيديو.‏

وفي وقت لاحق، ذكر الجيش الإسرائيلي أنه تم إجلاء المزيد من القتلى وعشرات الجرحى من الشجاعية.‏

ووصف‏ رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتزل هاليفي، ما حدث في الشجاعية بأنه “حدث صعب”. وفي وقت لاحق، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنهم ‏‏يحققون في‏‏ هذا “الحادث الصعب”.‏

‏لكن التحقيق قد يقترح أن هؤلاء الجنود قتلوا بالصدفة، أو بسبب نوع من سوء التقدير من جانب الجيش الإسرائيلي.‏

ويغلب أن لا يكون هذا هو واقع الحال. فوفقًا للجيش الإسرائيلي، الذي نقل عنه موقع “الجزيرة”، فإن الجيش الإسرائيلي يقاتل “كتيبة الشجاعية الفتاكة” منذ أسبوع ونصف، وهي معركة يبدو من المستحيل تقريبا الفوز بها.‏

‏من المستحيل الفوز لأن القتال يدور في مناطق دمرت بالكامل، وبشكل متكرر، بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.

ولا أحد يعرف من أين يأتي المقاتلون، وأين يختفون.‏ وقد توصل الجيش الإسرائيلي نفسه إلى استنتاج أنه لا يمكن كسب معركة الشجاعية من الجو، أي من خلال الغارات الجوية.‏

وقد وصل الجيش الإسرائيلي نفسه إلى استنتاج أن معركة الشجاعية لا يمكن الفوز بها من الجو، بمعنى من خلال الغارات الجوية.

‏ولكن لا يبدو أنه يمكن الفوز بها من الأرض أيضًا، حيث يستمر دفق مستمر من الأخبار ومقاطع الفيديو بالظهور من منطقة الشجاعية، عن جنود إسرائيليين يتم قنصهم، ودبابات يتم تفجيرها، ومعارك شرسة يحدد المقاتلون الفلسطينيون نتائجها دائمًا تقريبًا.‏

لن يكون من المبالغة الادعاء بأن معركة الشجاعية يغلب أن تكون أحد العوامل الرئيسة التي ستؤدي إلى هزيمة الجيش الإسرائيلي في غزة.‏

ومع ذلك، فإن أسطورة حي الشجاعية ليست قصة جديدة يتراوح عمرها من تموز (يوليو) 2014 إلى كانون الأول (ديسمبر) 2023. فما هي قصة “الشجاعية”؟‏

‏”ماذا في الاسم”؟‏

الشجاعية هو واحد من أكبر أحياء مدينة غزة. وهو يقع مباشرة إلى الشرق من المدينة وينقسم إلى منطقتين؛ المنطقة الجنوبية المعروفة باسم حي التركمان، والمنطقة الشمالية المعروفة باسم الجدَيدة -التي بنيت في العصر الأيوبي- حيث تأسست في القرن 12.‏

‏غالبًا ما يساء فهم أصل كلمة “شجاعية”. تشير الكلمة إلى علاقة مباشرة بالاسم “شجاعة”.

هذا التفسير منطقي للكثيرين بسبب الشجاعة الواضحة التي يتسم بها المحاربون المنبثقون من هذا الحي على مر السنين.‏

لكن المصادر التاريخية تشير إلى أن الاسم ينسب إلى شجاع الدين عثمان الكردي، وهو محارب مشهور توفي في معركة بين الأيوبيين والجيوش الصليبية الغازية في العام 1239 ميلادية.‏

‏بوابة غزة‏

‏كانت أهمية الشجاعية العسكرية واضحة منذ مئات السنين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تل المنطار، وهو تل إستراتيجي يقع في الشجاعية ويعتبر بوابة غزة.

ويكون لدى أولئك الذين يسيطرون على تل المنطار وصول بصري واستراتيجي إلى مدينة غزة بأكملها.‏

وهذا بالضبط هو السبب في أن نابليون بونابرت قاتل للسيطرة على تلك المنطار، وفي النهاية خيم مع جيشه الغازي بالقرب من التل.‏

‏وهناك أيضًا، مات الآلاف من جنود “الحلفاء”، بعد سنوات عديدة، بالقرب من ذلك التل بالذات، وهو ما يفسر وجود “مقبرة الحرب العالمية الأولى” في غزة، وهي واحدة من العديد من المواقع التاريخية التي تحكي قصةً أكبر بكثير من حرب إسرائيل وهدف تل أبيب المعلن المتمثل في الرغبة في “القضاء على حماس”.‏

وحتى التركيبة السكانية للشجاعية متجذرة في قصة مطولة من الغزوات والشجاعة والهزائم النهائية للغزاة.

وقد سُميت الشجاعية نفسها على اسم محارب كردي، وأحد أحيائها، التركمان، سمي على اسم القبائل التركمانية، التي انضمت إلى صلاح الدين الأيوبي –”صلاح الدين”، في سعيه إلى تحرير فلسطين من الصليبيين وفلولهم.‏

‏وفي هذه الشجاعية نفسها، هللت الجيوش المنتصرة لانتصاراتها، حيث امتطى قادتها الفخورون خيولهم العربية في تل المنطار، محدقين في مدينة غزة وضواحيها.‏

وكان في الشجاعية أيضًا، حيث عاش المسلمون واليهود والمسيحيون جنبُا إلى جنب. وجاء الغزاة وغادروا، وهو ما تغيرت بعده التركيبة السكانية.

وهي الآن موطن لما يقرب من 100,000 فلسطيني، يعيشون تحت حصار عسكري غير مسبوق، وقد شهدت، اعتبارا من 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أخطر محاولة إبادة على الإطلاق يقوم بها جيش غازٍ.‏

‏سرّ الشجاعية‏

يقال الكثير عن “كتائب الشجاعية” التابعة لـ”القسام”، وهي واحدة من أفضل جماعات المقاومة الفلسطينية تدريبًا واستعدادًا.‏

ومثل “كتائب الشاطئ” و”كتائب جباليا”، تتألف كتائب الشجاعية في الغالب من قوات النخبة، وهي وحدات النخبة في قوات “القسام”.

وهذا ما يفسر الكثير عن المعارك الشرسة الجارية الآن في الحي.‏

وثمة تفسير آخر هو أن “الشجاعية” عانت أكثر من غيرها خلال الثورات والانتفاضات السابقة، خاصة خلال الانتفاضة الأولى في العام 1987، التي رسخت ثقافة المقاومة بين سكانها.‏

‏لكنَّ هناك في القصة ما هو أكثر من الإبادة الجماعية المستمرة في غزة ووحشية الجيش الإسرائيلي.‏

‏إن قصة شجاعية هي قصة متجذرة في التاريخ، والتي تربط بين شعوب تلك المنطقة بأسرها– العرب، والأكراد، والتركمان، والمسلمين، والمسيحيين واليهود– بحيث تفصح بذلك عن أهمية التاريخ في كيفية رؤية الفلسطينيين، بشكل جماعي، لأنفسهم ولمقاومتهم الباسلة.‏

عندما يدعي الإسرائيليون أن “الحل” الوحيد لغزة هو تهجير الفلسطينيين، لا يبدو أن لديهم معرفة كبيرة بهذا التاريخ.

ولو أنهم علموا أن هؤلاء المقاتلين الشباب من الشجاعية هم أحفاد الجيوش العظيمة التي هزمت الصليبيين وحاربت الفرنسيين والبريطانيين لتوقفوا طويلاً قبل أن يظنوا أن حي الشجاعية سيسقط في يوم، أو أسبوع، أو ألف سنة.‏

‏*رمزي بارود: صحفي ورئيس تحرير مجلة “وقائع فلسطين”. وهو مؤلف لستة كتب.

كتابه الأخير، الذي شارك في تحريره مع إيلان بابيه، هو “رؤيتنا للتحرير: القادة والمثقفون الفلسطينيون الملتزمون يرفعون أصواتهم” “Our Vision for Liberation: Engaged Palestinian Leaders and Intellectuals Speak out”.. وهو هو زميل باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون الدولية CIGA.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Secret of Shejaiya – The ‘Brave’ Gaza Neighborhood

that Israel Cannot Break

Exit mobile version