الغواص نيوز
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يوفال ابراهام – (مجلة 972+)
مقدمة المترجم:
تشير التقارير الواردة من مصادر مختلفة إلى أن المعتقلين الفلسطينيين الذين اختطفتهم قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة يواجهون انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان على أيدي السلطات الإسرائيلية.
وتشمل الاتهامات ممارسات التعذيب أثناء الاستجواب، والإخفاء القسري حيث يتم احتجاز الأفراد من دون إجراءات قانونية مناسبة، بل وحدوث وفيات بين المحتجزين أثناء الاعتقال. وتثير هذه الأخبار تساؤلات خطيرة بشأن التقيد بالقانون الإنساني الدولي ومعايير حقوق الإنسان.
لطالما كانت معاملة المحتجزين في أي نزاع شاغلا قانونيا وأخلاقيا بالغ الأهمية يتطلب الاهتمام. وبغض النظر عن الظروف، ينبغي معاملة جميع الأفراد، بمن فيهم المحتجزون، بكرامة، واحترام حقوقهم الإنسانية الأساسية.
ولا تتعارض التقارير عن التعذيب والاختفاء القسري في مع القانون الدولي فحسب، بل انها تشوه أيضا الموقف الأخلاقي للطرف الذي يرتكب المخالفات. ومن شأن مثل هذه الأعمال أن تقوض قيم العدالة والإنصاف والإنسانية، وأن تلغي تماما مصداقية الطرف المتورط في ممارستها.
يحظر القانون الإنساني الدولي استخدام التعذيب والإخفاء القسري وأي شكل من أشكال الإعدام بإجراءات موجزة وخارج القانون. وينبغي أن تكون الدول ملزمة بهذه بتطبيق هذه المبادئ، كما ينبغي أن تؤدي الانتهاكات من هذا النوع إلى عواقب قانونية.
وعلى مستوى المحاسبة، تعمل “محكمة العدل الدولية” كهيئة للفصل في النزاعات بين الدول، وفي بعض الحالات معالجة مزاعم الإبادة الجماعية.
وإذا تم تقديم أدلة على إساءة معاملة المحتجزين بشكل منهجي في السجون والمعتقلات ومراكز الاحتجاز في الكيان الصهيوني، فقد تكون لذلك آثار على القضية المنظورة ضده بتهمة ممارسة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.
بطبيعة الحال، ينبغي أن يكون لتأكيد ارتكاب الكيان الصهيوني انتهاكات إضافية لحقوق الإنسان تأثير عميق على الصورة الدولية التي يحاول أن يرسمها لنفسه. ويخاطر الكيان، الذي لطالما واجه انتقادات بسبب تعامله مع الصراعات في المنطقة، بإلحاق المزيد من الضرر بسمعته المتضررة أصلًا إذا تم إثبات الاتهامات بسوء معاملة المحتجزين.
وينبغي أن يكون المجتمع الدولي بصدد المراقبة عن كثب لرصد وتوثيق الإجراءات التي تتخذها سلطات الاحتلال في النزاع الجاري في فلسطين. وفي الحالة المثالية، ينبغي أن تؤدي الخروقات المؤثقة لمعايير حقوق الإنسان إلى عزلة دبلوماسية لكيان الاحتلال وإخضاعه للعقوبات.
من المهم تعزيز قضية الإبادة الجماعية المنظورة في محكمة العدل الدولية، التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الكيان بأكبر عدد ممكن من الوثائق للمخالفات التي لا حصر لها والتي يرتكبها الكيان في هذه الحرب الوحشية، ولا بد أن يكون ملف سوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين جزءًا أصيلًا من القضية، والذي يجب يؤثر على قرار المحكمة.
ويجوز لمحكمة العدل الدولية أن تنظر في هذه الادعاءات كجزء من مداولاتها بشأن ما إذا كانت الإبادة الجماعية قد وقعت، -وإذا كان الأمر كذلك، فتحميل المسؤولية للكيان.
في هذا التحقيق الذي أجراه الناشط والكاتب أبراهام يوفال لصالح “مجلة 972+” وموقع “لوكال كول”، يصف الفلسطينيون الذين تعرضوا للاعتقال في شمال قطاع غزة كيف أساء الجنود الإسرائيليون بشكل منهجي إلى المحتجزين، المدنيين والمقاتلين منهم على حد سواء، بممارسات تمتد من الحرمان الشديد من الأساسيات إلى العنف الجسدي الوحشي. وكما يظهر التحقيق، اعترف الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي بما قد تصل إليه أحوال المحتجزين الفلسطينيين، وقال: “هناك حالات معروفة عن وفيات حدثت بين المعتقلين الذين تم احتجازهم في مركز الاعتقال.
وحسب الإجراءات، يتم إجراء فحص لكل حالة وفاة لمعتقل، بما في ذلك فحص يتعلق بظروف الوفاة. ويتم احتجاز جثث المحتجزين المتوفين بناء على الأوامر العسكرية”.
***
في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، انتشرت صور في جميع أنحاء العالم تظهر عشرات الرجال الفلسطينيين في مدينة بيت لاهيا، في شمال قطاع غزة، تم تجريدهم من كل ملابسهم سوى الملابس الداخلية، راكعين أو جالسين منحنيين، ثم عصبت أعينهم ووضعوا في مؤخرة الشاحنات العسكرية الإسرائيلية مثل الماشية.
وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء المحتجزين من المدنيين الذين لا ينتمون إلى حماس، كما أكد مسؤولو الأمن الإسرائيليون أنفسهم فيما بعد، وأخذ الجيش الرجال من دون إخطار عائلاتهم بمكان وجود المحتجزين. وبعضهم لم يعد بعد ذلك أبدًا.
تحدثت مجلة “مجلة 972+” وموقع “لوكال كول” مع أربعة مدنيين فلسطينيين كانوا قد ظهروا في هذه الصور، أو اعتقلوا بالقرب من مكان الحادث واقتيدوا إلى مراكز الاحتجاز العسكرية الإسرائيلية، حيث تم احتجازهم لعدة أيام -أو حتى أسابيع- قبل إطلاق سراحهم والسماح بعودتهم إلى غزة.
وتشير شهاداتهم –إلى جانب 49 شهادة مصورة نشرتها وسائل إعلام عربية مختلفة لفلسطينيين اعتقلوا في ظروف مماثلة في الأسابيع الأخيرة في أحياء الزيتون وجباليا والشجاعية الشمالية– إلى وجود انتهاكات وتعذيب منهجيين مارسها الجنود الإسرائيليون ضد جميع المعتقلين، المدنيين والمقاتلين على حد سواء.
ووفقا لهذه الشهادات، عرض الجنود الإسرائيليون المعتقلين الفلسطينيين للصعق بالكهرباء، وقاموا بإحراق جلدهم بالولاعات، وبصقوا في أفواههم، وحرموهم من النوم والطعام والوصول إلى الحمامات حتى تغوطوا على أنفسهم.
كما تم ربط العديد منهم إلى سياج لساعات، وقيدت أيديهم، وعُصبت أعينهم معظم اليوم. وشهد بعضهم بأنهم تعرضوا للضرب في جميع أنحاء أجسادهم وإطفاء السجائر على أعناقهم أو ظهورهم. ومن المعروف أن عدة أشخاص لقوا حتفهم نتيجة احتجازهم في هذه الظروف.
وقال الفلسطينيون الذين تحدثنا إليهم إنه في صباح 7 كانون الأول (ديسمبر)، عندما التقطت صور بيت لاهيا، دخل الجنود الإسرائيليون الحي وأمروا جميع المدنيين بمغادرة منازلهم. وقال أيمن لُبد، الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي اعتقل في ذلك اليوم مع شقيقه الأصغر، لـ”مجلة 972+” وموقع “لوكال كول: “كانوا يصرخون: على جميع المدنيين النزول وتسليم أنفسهم”.
ووفقا للإفادات، أمر الجنود جميع الرجال بخلع ملابسهم، وجمعوهم في مكان واحد، والتقطوا الصور التي تم نشرها لاحقا على وسائل التواصل الاجتماعي (قام مسؤولون إسرائيليون كبار منذ ذلك الحين بتوبيخ الجنود لنشرهم الصور). وفي الوقت نفسه، أُمرت النساء والأطفال بالذهاب إلى مستشفى كمال عدوان.
وقال أربعة شهود مختلفين بشكل منفصل لـ”مجلة 972+” و” لوكال كول” أنه بينما كان المحتجزون جالسين مكبلي الأيدي في الشارع، دخل الجنود منازل في الحي وأشعلوا فيها النيران.
وقد حصلت “مجلة 972+” و”لوكال كول” على صور لأحد المنازل المحترقة. وقال الجنود للمعتقلين أنهم يقومون باعتقالهم لأنهم “لم يخلوا إلى جنوب قطاع غزة”.
ما يزال عدد غير معروف من المدنيين الفلسطينيين يقيمون في الجزء الشمالي من القطاع على الرغم من أوامر الطرد الإسرائيلية منذ المراحل الأولى من الحرب، التي أدت إلى فرار مئات الآلاف من سكان الشمال جنوبا.
وقد ذكر أولئك الذين تحدثنا إليهم عدة أسباب لعدم مغادرتهم: الخوف من التعرض للقصف من قبل الجيش الإسرائيلي خلال الرحلة جنوبًا أو أثناء الاحتماء هناك؛ الخوف من أن يُطلق نشطاء حماس النار عليهم؛ صعوبات التنقل أو الإعاقات الجسدية بين أفراد الأسرة؛ وعدم اليقين بشأن الحياة في مخيمات النازحين في الجنوب. وعلى سبيل المثال، كانت زوجة لُبد قد أنجبت للتو، وكانوا يخشون المخاطر التي تنطوي عليها مغادرة منزلهم مع مولود جديد.
في شريط فيديو تم تصويره في مكان الحادثة في بيت لاهيا، يقف جندي إسرائيلي يحمل مكبر صوت أمام السكان المحتجزين -الذين يجلسون في صفوف، عراة وعلى ركبهم، وأيديهم خلف رؤوسهم- ويعلن: “لقد وصل الجيش الإسرائيلي. لقد دمرنا [مدينة] غزة وجباليا على رؤوسكم. لقد احتللنا جباليا. ونحن نحتل كل غزة. هل هذا ما تريدونه؟ هل تريدون حماس معكم”؟ ويرد الفلسطينيون صارخين بأنهم مدنيون.
”لقد احترق منزلنا أمام عيني”، يقول ماهر لـ”مجلة 972+” و”لوكال كول”، وهو طالب في جامعة الأزهر في غزة يظهر في صورة للمعتقلين في بيت لاهيا، وقد طلب استخدام اسم مستعار خوفا من انتقام الجيش الإسرائيلي من أفراد عائلته، الذين ما يزالون محتجزين في مركز احتجاز عسكري). وقال شهود عيان أن النيران انتشرت بشكل لا يمكن السيطرة عليه، وامتلأ الشارع بالدخان، واضطر الجنود إلى إبعاد الفلسطينيين المقيدين بضع عشرات من الأمتار عن النيران.
ويتذكر نضال، وهو فلسطيني آخر يظهر أيضا في صورة من بيت لاهيا، والذي طلب استخدام اسم مستعار لنفس الأسباب: “قلت للجندي: “احترق منزلي، لماذا تفعلون هذا”؟ وقال: انس أمر هذا المنزل”.
“سألني أين يؤلمني، ثم ضربني بشدة”
من المعروف حاليا أن أكثر من 660 فلسطينيا من غزة يخضعون للاحتجاز في السجون الإسرائيلية -معظمهم في سجن كتسيعوت في صحراء النقب.
وهناك عدد إضافي يرفض الجيش الكشف عن مكانهم، لكنّ هناك عدد مرتفع يمكن أن يصل إلى عدة آلاف، محتجزين في عدة قواعد عسكرية، بما في ذلك قاعدة “سديه تيمان” العسكرية بالقرب من بئر السبع، حيث يُزعم أن الكثير من الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون تحدث.
وفقا للإفادات، تم تحميل المعتقلين الفلسطينيين من بيت لاهيا على شاحنات ونقلهم إلى شاطئ البحر، وتُركوا مقيدين هناك لساعات، وتم التقاط صورة أخرى لهم وتداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ورو لُبد كيف طلبت إحدى المجندات الإسرائيليات من عدة معتقلين الرقص ثم صورتهم.
ثم اقتيد المعتقلون، الذين كانوا ما يزالون في ملابسهم الداخلية، إلى شاطئ آخر داخل إسرائيل، بالقرب من “قاعدة زيكيم” العسكرية، حيث قام الجنود، وفقا لإفادات المعتقلين، باستجوابهم وضربهم ضربا مبرحا.
ووفقا لتقارير إعلامية، قام أفراد من الوحدة 504 التابعة للجيش الإسرائيلي، وهي وحدة مخابرات عسكرية، بإجراء هذه الاستجوابات الأولية.
روى ماهر تجربته لـ”مجلة 972+” و”لوكال كول: ” “سألني جندي: “ما اسمك”؟ وبدأ بلكمي في بطني وركلي. قال: “أنت في حماس منذ عامين، أخبرني كيف جندوك”. قلت له إنني طالب.
وعندئذٍ فتح جنديان رجلي ولكموني هناك ولكموني على وجهي. بدأت أسعل وأدركتُ أنني لم أكن أتنفس. قلت لهم: “أنا مدني، أنا مدني”.
وتابع ماهر: ”أتذكر أنني مددت يدي إلى جسدي لأتحسسه وشعرت بشيء ثقيل، لم أكن أدرك أنها ساقي. توقفت عن الشعور بجسدي. قلت للجندي أن هذا يؤلمني، فتوقف وسأل أين. قلت له في بطني، وعندئذٍ ضربني بقوة في بطني. قالوا لي أن أنهض. لم أستطع الشعور بساقي ولم أستطع المشي. في كل مرة أسقط فيها كانوا يضربونني مرة أخرى. كان فمي وأنفي ينزفان، وأغمي علي”.
قام الجنود باستجواب بعض المعتقلين بنفس الطريقة، وصوروهم، وفحصوا بطاقات هوياتهم، ثم قسموهم إلى مجموعتين. وتمت إعادة معظمهم، بمن فيهم ماهر وشقيق لًبد الأصغر، إلى غزة ووصلوا إلى منازلهم في الليلة نفسها. وكان لبد نفسه جزءا من مجموعة ثانية من حوالي 100 محتجز في بيت لاهيا في ذلك اليوم تم نقلهم إلى مركز احتجاز عسكري داخل إسرائيل.
أثناء وجودهم هناك، سمع المحتجزون بانتظام “أصوات طائرات تقلع وتهبط “، لذلك من المحتمل أنهم يكونوا قد احتُجزوا في قاعدة سديه تيمان بجانب بئر السبع، التي تضم مطارًا. وهذا، وفقًا للجيش الإسرائيلي، هو المكان الذي يُحتجز فيه المعتقلون من غزة للمعالجة –أي تقرير ما إذا كان ينبغي تصنيفهم كمدنيين أو “مقاتلين غير شرعيين”.
ووفقًا لمكتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، فإن مراكز الاعتقال العسكرية مخصصة فقط للتحقيق والفحص الأولي للمعتقلين، قبل نقلهم إلى مصلحة السجون الإسرائيلية أو حتى إطلاق سراحهم. لكن شهادات الفلسطينيين الذين احتجزوا داخل المنشأة ترسم صورة مختلفة تمامًا.
”تم تعذيبنا طوال اليوم”
داخل القاعدة العسكرية، احتُجز الفلسطينيون في مجموعات من حوالي 100 لكل واحدة. ووفقا للشهادات، تم تقييد أيديهم وتعصيب أعينهم طوال الوقت، ولم يُسمح لهم بالراحة إلا ما بين منتصف الليل والساعة 5 صباحًا.
كان أحد المعتقلين في كل مجموعة، الذي اختاره الجنود لأنه يعرف العبرية وأطلق عليه لقب “شاويش” (مصطلح عام للخادم أو المرؤوس)، هو الوحيد الذي لم يكن معصوب العينين. وأوضح المحتجزون السابقون أنها كانت لدى الجنود الذين يحرسونهم مصابيح ليزر خضراء يستخدمونها لتمييز أي شخص يتحرك أو يغير وضعه بسبب الألم أو يصدر صوتًا. وكان الشاويش يُحضر هؤلاء المعتقلين إلى الجنود الواقفين على الجانب الآخر من سياج الأسلاك الشائكة المحيطة بالمنشأة، حيث يقومون بمعاقبتهم.
ووفقًا للشهادات، كانت العقوبة الأكثر شيوعا هي ربط المعتقلين بسياج وإجبارهم على رفع أذرعهم لعدة ساعات. وكل من ينزلها كان الجنود يأخذونه ويضربونه.
قال نضال لـ”مجلة 972+” و لوكال كول: “لقد تعرضنا للتعذيب طوال اليوم، كنا نركع ووجوهنا إلى أسفل. وأولئك الذين لم ينجحوا في البقاء كذلك كانوا يُربطون إلى الشريط لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات حتى يقرر الجندي السماح لهم بالمغادرة. تم تقييدي لمدة نصف ساعة. كان جسدي كله مغطى بالعرق. وأصبحت يداي مخدرتين.
يتذكر لُبّد القواعد في المعتقل: “لا يمكنك التحرك. وإذا تحركت، يوجه الجندي الليزر نحوك ويقول للشاويش: أخرجه، ارفع يديه. وإذا أنزلت يديك، يأخذك الشاويش إلى الخارج، ويضربك الجنود. تم ربطي إلى السياج مرتين.
وأبقيتُ يدي مرفوعتين لأن هناك أشخاصًا من حولي كانوا يؤذونهم حقًا. عاد واحد بساق مكسورة. أنت تسمع الضرب والصراخ على الجانب الآخر من السياج. وتكون خائفا من النظر أو إلقاء نظرة خاطفة من خلال عصابة العينين. إذا رأوك تنظر، فإن هناك عقابا. سوف يخرجونك أو يربطونك بالسياج أيضا”.
وقال شاب آخر أطلق سراحه لوسائل الإعلام بعد عودته إلى غزة أن “الناس كانوا يتعرضون للتعذيب طوال الوقت. سمعنا صراخًا. قالوا لنا [الجنود]: “لماذا بقيتم في غزة، لماذا لم تذهبوا إلى الجنوب”؟ وقلت لهم: “لماذا يجب أن نذهب إلى الجنوب؟ بيوتنا ما تزال قائمة، ونحن لسنا على صلة بحماس”. قالوا لنا: انزلوا إلى الجنوب – لقد احتفلتم [بالهجوم الذي قادته حماس] في 7 تشرين الأول (أكتوبر)”.
في إحدى الحالات، كما قال لبد، اقتيد محتجز رفض الركوع وخفض يديه بدلاً من إبقائهما مرفوعتين خلف سياج الأسلاك الشائكة ويداه مكبلتان. سمع المعتقلون ضربًا، ثم سمعوا المعتقل يشتم جنديًا، ثم سُمع طلق ناري. ولا يعرفون ما إذا كان المعتقل قد أصيب بالفعل، أو ما إذا كان حيًا أم ميتًا. على أي حال، لم يعد لبقية الوقت الذي أمضاه الأشخاص المحتجزون الذين تحدثنا إليهم هناك.
وفي مقابلات أجرتها معهم وسائل إعلام عربية، شهد محتجزون سابقون بأن نزلاء آخرين محتجزين في المنشأة ماتوا بجوارهم. وقال أحد الأشخاص لقناة الجزيرة: “كان الناس يموتون في الداخل. كان أحدهم مصابا بمرض القلب. وقد طردوه ورموه خارجا، ولم يرغبوا في الاعتناء به”.
كما أن العديد من الأشخاص الذين كان محتجزين مع لُبّد أخبروه عن مثل هذه الوفيات في المعتقلات. قالوا إنه قبل وصوله، توفي رجل مسن من مخيم الشاطئ للاجئين، كان مريضا، في موقع الاحتجاز نتيجة لظروف الاحتجاز.
وقرر المعتقلون الإضراب عن الطعام احتجاجًا على وفاته وأعادوا قطع الجبن والخبز إلى الجنود. وقال المحتجزون للُبد أن الجنود دخلوا ليلا وضربوهم وهم مكبلون بالأصفاد، ثم ألقوا عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع. وتوقف المعتقلون عن الإضراب.
أكد الجيش لـ”مجلة 972+” و”لوكال كول” أن محتجزين من غزة ماتوا في مكان الاحتجاز. وقال الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي: “هناك حالات معروفة عن وفيات بين المعتقلين الذين تم احتجازهم في مركز الاعتقال.
وحسب الإجراءات، يتم إجراء فحص لكل حالة وفاة معتقل، بما في ذلك فحص يتعلق بظروف الوفاة. ويتم احتجاز جثث المحتجزين بناءً على الأوامر العسكرية”.
في إفادات مصورة بالفيديو، يصف الفلسطينيون الذين أفرج عنهم وعادوا إلى غزة حالات قام فيها الجنود بإطفاء السجائر على أجساد المعتقلين، وحتى صعقهم بالكهرباء. وقال شاب لقناة الجزيرة: “تم احتجازي لمدة 18 يوما، [الجندي] يراك تغفو، ويأخذ ولاعة، ويحرق ظهرك. أطفأوا السجائر على ظهري عدة مرات.
وقال أحد الشبان [معصوب العينين] لـ [الجندي]: “أريد أن أشرب الماء”، وطلب منه الجندي أن يفتح فمه ثم بصق فيه”. (يُتبع)
منزل فلسطيني أحرقه جنود الاحتلال في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، كانون الأول (ديسمبر) 2023 – (المصدر)
*يوفال أبراهام Yuval Abraham: مخرج أفلام وناشط إسرائيلي مقيم في القدس، من مواليد العام 1995. أمضى سنوات في الكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي، معظمه باللغة العبرية.
وهو صحفي مستقل يتمتع بخبرة في العمل في أطر تعليمية ومدارس إسرائيلية فلسطينية ثنائية اللغة. درَس اللغة العربية بشكل مكثف ويقوم الآن بتدريسها لمتحدثين آخرين بالعبرية، إيمانًا منه بالكفاح المشترك من أجل العدالة والمجتمع المشترك في إسرائيل وفلسطين.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Inside Israel’s torture camp for Gaza detainees