الشاشة الرئيسيةمحلياتمقالات

عن المئوية …كي لا ننسى بقلم د. عبدالمهدي القطامين

د.عبد المهدي القطامين

بعيدا عن التاريخ غير الدقيق لملابسات ثورة العرب الكبرى التي اطلقها الشريف الحسين بن علي وعن مآلات تلك الثورة التي لم تكن بالحسبان نتيجة تعقيد الظروف الدولية آنذاك وتجاذبات الاطراف المستعمرة لبلاد العرب فان الدولة الاردنية الحديثة هي نتاج لتلك الثورة تحمل مضمونها وتوجهاتها ومنطلقاتها .
فالثورة العربية الكبرى لم تكن كما يحلو لبعض المؤرخين وكتاب التاريخ وفقا لأهوائهم ومنطلقاتهم الفكرية انها جاءت لإنهاء الخلافة العثمانية المسلمة بولاية انجليزية مسيحية مستعمرة لكنها كانت استجابة لطموحات العرب بعد ان اوغل الاتراك العثمانيون في طمس معالم اللغة العربية في محاولة لتتريك كل شيء في الوطن العربي المتشرذم آنذاك لكنه رغم كل ذلك كان متمسكا بهويته العربية اولا المسلمة ثانيا وكانت الثورة العربية الكبرى اول من اشعل شرارة القومية العربية واطلق مارد النزعة القومية الساعية الى اعادة الاعتبار للوطن العربي الممزق بين دول الاستعمار المحارب بهويته وانتمائه.
كان “الجندرمة التركي ” يصول ويجول في بلاد العرب منكلا جابيا ضاربا عرض الحائط بكل تقاليد المجتمع وعاداته ولعل من عايش تلك الفترة روى لأبنائه من بعده ان جنديا واحدا كان “يهد ” على قرية بأكملها ويجرعها الهوان والذل وان تمرد احد او ثارت عصبة كانت المشانق منصوبة لاستقبالهم في استانبول وكانت ملامح طمس الهوية العربية والسير في تصفيتها تبدو في نهايات الرجل المريض الذي بدأ العالم يتقاسم تركته الواسعة.
الدولة الاردنية التي نحتفل بمئويتها هذه الايام لم تكن وليدة اللحظة او دولة مرتبطة بدور حدد لها مسبقا كما يزعم البعض بل كانت نتاج مجتمع اردني واعي لواقع المنطقة كلها وفلسفة سياسية تستند الى شرعيتين شرعية دينية وشرعية قومية هالها ان ترى الامة ممزقة بين شرق وغرب فعزمت النية الخالصة لتوحيد على الاقل بلاد الشام في دولة واحدة لذلك حوربت من قبل قوى الغرب الاستعماري ليظل من حلم الدولة هذه البلاد المتكئة على حواف شرقي نهر الاردن والتي رغم قلة موردها وصغر حجمها اصبحت لاحقا بمثابة بيضة القبان في مصير المنطقة برمتها.
الدولة الاردنية الحديثة التي مر مائة عام على تأسيسها لم تكن يوما دولة هامشية متأرجحة بين شك البقاء ويقين الرحيل بل ظلت على الدوام دولة قائدة حربا وسلما فحين احتدمت الحروب كان جيشها اول من دفع الثمن وكانت عقيدته القتالية دوما تتجه صوب العدو التاريخي للامة ولعل ذاكرة الناس بعد وذاكرة الامة كلها لم تنسى بعد الجنود الذين سقطوا على اسوار القدس وباب الواد واللطرون دفاعا عن درة اوطان الامة وتاج مقدساتها وقبلتها الاولى المغتصبة .
لقد صمد الاردنيون في وجه مؤامرات كانت تحاك ضد دولتهم بعد ان ارتفعت نداءات البعض لإسقاط عمان وتحريرها قبل تحرير القدس والتقط الناس الرسالة تماما وهي اما ان نكون او لا نكون واستطاع الاردن بقيادة الراحل الملك الحسين بن طلال ان يقدم نموذجا مشرقا لدولة مصنفة على انها من العالم الثالث فقد تسارعت وتيرة التنمية الشاملة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي وشهدت البلاد ثورة تعليمية هائلة وصحية وتطورت حياة الناس لتصبح مدنية الى حد بعيد وشيدت المصانع والجامعات والمدارس واصبحت البلاد مصدرا للكوادر البشرية المؤهلة التي قادت عمليات التنمية في بلدان الجوار الشقيقة ثم جاء عهد المملكة الرابعة بقيادة الملك عبدالله الثاني الذي واصل مسيرة الوطن وخاطب العالم بلغة صريحة واضحة وكان بحق قائدا مقداما سار بالوطن الى بر الأمان وسط حقول الغام تتوارى في ثنايا المجتمع الدولي ولعبة الأمم التي تبدو غير مفهومة او تنقصها الصراحة او تبدي غير ما تعلن .
تزامن ذلك مع تنامي الدور القيادي للدولة الاردنية في كافة القضايا الدولية وتصدرها المشهد الدولي كدولة متوازنة وسطية في إقليم تتنازعه الصراعات والتشدد وشهدت كل مناطق الصراع تواجد للجيش الأردني الذي اخذ على عاتقه نشر السلام والامن في كل البؤر الملتهبة .
لا ينكر احد ان الدولة الأردنية ظلت عبر عمرها الحديث ومئويتها الأولى في عين العاصفة على الدوام تتهددها الاخطار وتحدق بها من كل الاتجاهات لكن ذلك لم يمنعها من ان تكون واحة امن وامان فقد كانت مأوى لكل من هجرتهم ظروف بلدانهم فوجدوا في الأردن مستقرا لهم عاشوا فيه وانتموا اليه واصبحوا جزءا من نسيج المجتمع الأردني غرما وغنما .
في مئوية الدولة الأولى ثمة الكثير من الأسئلة التي تطرح هنا وهناك اين نحن هل تقدمنا هل تأخرنا هل بنينا هل هدمنا ثمة من يقول ان سألته انها ” خربانة ” وثمة من يطل من وسائل التواصل الاجتماعي متحزما بسوداوية مطلقة ليقول انها تسير الى النهاية وثمة مسؤولين لفظتهم مواقعهم وحين خرجوا منها اطلقوا سهام نقدهم تجاه كراس كانوا يشغلونها لكل هؤلاء وأولئك أقول ادعوكم الى صفنة صادقة مع النفس ولتنظروا غربا وشرقا وشمالا وجنوبا وفي العمق وفي العالم اين نحن من دول لم تعد ترى سوى الدم المسفوك في شوارعها والاقتتال المحموم على قيادتها وضياع أجيال بأكملها في غمرة البحث عن تحقيق مغنم سياسي او جهوي او فئوي او طائفي لنكن صادقين مع انفسنا ونقول ان الأردن في مئويتها الثانية تسير بخطى واثقة نحو المستقبل وان ما نسمعه من جعجة بالهمس أحيانا وعلى رؤوس الاشهاد أحيانا ما هو الا سلوك سيء وتوجيه بغيض يستهدف معنويات هذا الشعب الصامد المرابط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى