بعد عام من الجائحة.. الاقتصاد يترنح بشدة

قبل 365 يوما بدأ الأردن يواجه “القاتل الصامت” في معركة مفتوحة لم تحسم بعد… فالأخير شرس عنيد يفرض نفسه بقوة على تفاصيل حياة الناس.
اغلاق كامل وجزئي وحظر شامل وجزئي ومنع قطاعات بأكملها عن العمل، سلاح استخدمته الحكومة في مجابهة الوباء لكن الحال اليوم بات أصعب بكثير مقارنة بالعام الماضي ..وثمة سؤال يلوح بالأفق ..أوكجسين الاقتصاد..هل ينفد ؟
ولم تفلح إجراءات اغلاق المطارات واغلاق المنافذ الحدودية في السيطرة على الوباء وكأنه شبح لا يمكن السيطرة عليه.
وفي ظل هذه الانعطافة الحادة كان الاقتصاد اكبر الخاسرين وحال الناس يقول ” لم يعد هناك صبر”.
اليوم، بعد مرور عام كامل على هذه المعركة والتأزم المستمر للوضع الوبائي يجد الإقتصاد الوطني نفسه في أزمة عميقة زادت فيها مؤشراته سلبية ووضعته أمام تحديات لا يمكن استيعابها من تراجع الإيرادات العامة وتباطوء النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة بنسب غير مسبوقة مما ينذر بتهديد بقاء الاقتصاد الأردني وتهديد السلم الاجتماعي.
ويعبتر خبراء اقتصاديون أن الاقتصاد الوطني اليوم يدفع ثمن سوء إدارة أزمة كورونا وما اتخذ من إجراءات مبالغ فيها وأدت إلى تعطيل النشاط الاقتصادي وتحميل الاقتصاد الأردني أعباء إضافية وتعميق أزمته التي كان يعانيها أصلا قبل وصول الجائحة.
ويطالب هؤلاء الحكومة بضرورة العمل على تحقيق معادلة التوازن الصحي والاقتصادي في تعاملها مع ملف كوورنا وأن لا يتم التعامل مع كوورنا على أنها مشكلة صحية فقط بل يجب التعامل معها على أنها مشكلة صحية واقتصادية واجتماعية ولا يمكن تجاوز مشكلة على حساب أخرى.
ودعا هؤلاء الحكومة إلى ضرورة اتخاذ عدة إجراءات بشكل مستعجل لحماية الاقتصاد الوطني من خطر الانهيار وتخفيف حدة مؤشراته السلبية وذلك من خلال تحديد أولويات الإنفاق الحكومي وزيادة حركة النقد في السوق وإعادة النظر بالسياسات النقدية والمالية بشكل يؤدي إلى زيادة نشاط السوق إلى جانب تنشيط القطاعات الاقتصادية التي تزخر بفرص تصديرية وتوفر المزيد من فرص العمل إضافة إلى تخفيف كلف الإنتاج على كل القطاعات الاقتصادية وتوفير التمويل اللازم كذلك للقطاعات الاقتصادية وسن تشريعات مؤقتة ومرنة لحل مشكلة المالكين والمستأجرين وبالتوازي مع ذلك تطبيق بروتوكول صحي صارم في كل الأماكن العامة وإنشاء صندوق يضمن توفير قدر كاف من اللقاحات وإلزام المواطنين بتلقيها.
وكانت الحكومة السابقة التي ترأسها د.عمر الرزاز قد اتخذت في 17 آذار(مارس) من العام الماضي قرار بإعلان الحظر الشامل في المملكة لمجابهة تفشي كورونا وكان الأردن بذلك أول دولة في المنطقة تتخذ هذا الإجراء الصارم قبل ان تعود بعد ذلك إلى إجراءات أقل حدة.
وتشير الكثير من الإحصاءات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الى تراجع كثير من المؤشرات الاقتصادية المحلية وسلبية أدائها خلال مدة عام ، إذ انكمش الاقتصاد العام الماضي بنسبة 3.5 % فيما تتوقع الحكومة نموه 2.5 % العام الحالي.
وزادت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق ووصلت في نهاية العام الماضي إلى 24.7 % مقارنة مع 19 % نهاية العام 2019.
وكذلك تراجعت الإيرادات العامة خلال العام 2020 بنسبة
7.1 % مقارنة مع العام الذي سبقه كما سجل مؤشر الدخل السياحي الذي يعد احد أهم المؤشرات للاقتصاد الاردني تراجعا كبيرا بنسبة 76 % خلال 2020 مقارنة مع العام 2019.
وقال نائب رئيس الوزراء الأسبق والخبير الاقتصادي جواد العناني “جائحة كورونا تركت ندبات بجسد الاقتصاد الأردني كغيره من اقتصادات دول العالم إلا أن الحال الذي عليه الاقتصاد الأردني قبل الجائحة جعل هذه الندبات أكثر عمقا وتاثيرا”.
وزاد ” في حال استمرار تدهور الوضع الوبائي في الأردن دون تحسن حتى منتصف العام فإن نمو الاقتصاد الأردني لن يتجاوز0.5 % وفي حال تحسن الوضع الوبائي واستقر وتم تطعيم عدد كاف من المواطنين حتى الشهر السادس من العام فإن نسب النمو الاقتصادي ستترواح بين 1-1.5 % ولن يمكن تحقيق النسب التي توقعاتها الحكومة عند 2.5 %”.
وطالب العناني الحكومة بضرورة اتخاذ إجراءات وحلول مستعجلة قد يكون لها أثر إيجابي في حماية الاقتصاد الوطني وتخفيف حدة أزمته الحالية وتتمثل هذه الإجراءات بما يلي تحديد أولويات الإنفاق الحكومي وزيادة حركة النقد في السوق إلى جانب إعادة النظر بالسياسة النقدية والمالية ولا سيما فيما يخص تخفيض الفوائد البنكية وضريبة المبيعات إضافة إلى إعادة النشاط إلى بعض القطاعات الاقتصادية الزاخرة بالفرص التصديرية والقادرة على خلق فرص العمل إلى جانب الاهتمام بالقطاع الزراعي والعمل على جذب استثمارات له وتقديم التسهيلات اللازمة لها إضافة إلى سن تشريعات مؤقتة لحل قضية المالكين والمستأجرين بما يضمن حقوق الطرفين ويحافظ على بقاء كل منهما.
إلى ذلك، قال وزير تطوير القطاع العام الأسبق ماهر مدادحة “الاقتصاد الأردني اليوم يدفع ثمن سوء الإدارة التي قادت جهد مواجهة الوباء في بدايته إذ كان القرار الحظر الشامل المبالغ به أثر سلبي على الاقتصاد الوطني خاصة وأن الاعداد كانت في تلك الفترة قليلة إلا أن سوء الإدارة أوصلنا اقتصاديا إلى ما نحن عليه كما أن لسوء الإدارة وما حدث من تراخ على المنافذ الحدودية دور في عودة تفشي الوباء خلال الفترات الماضية”.

وبين مدادحة أن هامش الحركة والمناورة الاقتصادية من قبل الحكومة في تعاطي مع الوضع الاقتصادي الذي نعيشه اليوم يبدو غير ممكن وليس من حل ممكن لذلك إلا تحقيق الاستقرار الصحي من خلال تشديد تطبيق البرتوكول الصحي محذرا من خطورة الإقدام على الحظر الشامل الذي سيضرب الاقتصاد المحلي بمقتل وينجم عنه حالة عدم استقرار اجتماعي
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي زيان زوانة أن التعامل الحكومي مع الأزمة في بداياتها وما رافقها من إجراءات إغلاق عام وضعت الاقتصاد الأردني اليوم أمام تحديات كبيرة وزادت من سلبية مؤشراته كما أنها أدت إلى حالة قلق وعدم استقرار اجتماعي قد يكون له بعض العواقب الوخيمة التي بدأت تظهر ملامحه خلال الأيام الأخيرة
وأوضح زوانة أن إصابات الفيروس المرتفعة والضغوط على القطاعين الصحي والمالية العامة وارتفاع سعر النفط مع رفض القطاعات الاقتصادية للإغلاقات وحظر التجول ومع ارتفاع المعدل الرسمي للبطالة الى قرابة 25 % وعدم امتلاك الحكومة المال الكافي لدعم المتضررين وإمكانية استمرار الفيروس معنا لسنوات طويلة واثره الاقتصادي يدعو لاجراءات جدية.
وقال ” الحكومة مطالبة بإطلاق خطة عمل تركز على تقديم معالجات سريعة للاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقرار الصحي حيث تبدأ بتنفيذ خطوات من أجل تحقيق الاستقرار الصحي أولا وذلك من خلال تسريع إجازة اللقاحات وتوفيره وتجويد عملية تلقيح المواطنين و ضبط ورفع مستوى تواصل الحكومة عموما مع المواطنين وخصوصا الجائحة بدلا من الحالة المنفلتة كما هي الآن”.
ودعا لتطبيق صارم لقواعد الوقاية الصحية وتوفير أقصى درجات الشفافية الحكومية مع المواطن بخصوص كل ذلك، أما على مستوى الخطة الاقتصادية فبين زوانة أن المطلوب تخفيض كلف التشغيل بتخفيض نسبة اشتراك الضمان الاجتماعي و تخفيض فاتورة الكهرباء والاهتمام بملف الاستثمار والعمل على الخروج من حالة الارتباك التي يعيشها هذا الملف منذ سنوات ووضع خطة إعفاءات ممكنة للقطاعات المأزومة.