ايله ….جارة البحر وسادنته

ايله ….جارة البحر وسادنته
الدكتور عبدالمهدي القطامين
هي جارة البحر ومعشوقته وسادنته تأوي اليها النوارس التي اتعبتها رحلة البحار فتحط على شواطئها تنشد الامن والسلام… تلقي السلام على نوافذها المشرعة على هبوب الغرب اذ يجيء محملا بالندى ورائحة زيتون عتيق في القدس والخليل ونابلس رغم حصاره بالموت ظل يقاوم….. ثمة حكاية عاشق يسترق الخطى يكتب على رمله قصة ذكرى لم تزل تتعلق بجدران القلب والذاكرة معا ….انها ايله تنهض من رماد التاريخ حاضرة بهية تتسلل من عبقه باثواب جديدة نسجتها على اطراف ملعب الجولف حين يضم عشاقه من شتى بقاع الارض تجمعهم ايلة في صباحاتها الندية وصوت المعازيب هناك ترتفع مرحبة…. يا هلا بالضيف.
ما بين ايله في اللغة السامية والتي تعني شجرة البلوط وبين ايلا والتي تعني ضوء القمر في اللغة الايرلندية جاءت ايله المعاصرة لتكون مزيجا ما بين البلوط بقساوته وبين خيوط الشمس المتسللة على غفلة من جبال الشرق المطلة على العقبة فما ان يبدأ قرص الشمس في الاطلالة من بين الجبال حتى تحط خيوطه على منتجع ومارينا ايله الحديثة التي اصر على بنائها رجل الاعمال صبيح المصري ” ابو خالد” الشاب الثمانيني المتوهج بالحياة والعطاء….. كان يفرك يديه بفرح طفولي وهو يشير الى صحراء مزروعة بالالغام…..هنا ستقام ايله وكانت ارض ايله ارضا حراما تملؤها الالغام خوفا من شر ياتي من الغرب .
عندما كانت ايله فكرة تدور في ذهن ابي خالد وحدثنا عنها ذات لقاء اخذتنا الدهشة مما سيكون واذ كنا نسمع الكثير من الكثيرين عن مشاريع عملاقة سوف تقام كنا احيانا نصدق واحيانا نصمت على مضض وقد كان صمتنا في الكثير من الاحيان صادقا لكنه خذلنا مرة واحدة …..فقد نهضت ايله وراحت منجزاتها تتسامى والبحر يهدر على اطرافها فايقنا ان الحلم اصبح حقيقة وان ايله او شجر البلوط او ضوء القمر باتت حقيقة تعج بالناس الباحثين عن السكينة قرب بحر قليلا ما يغضب .
في ايله ثمة دهشة تتملك الداخل منذ يلج اول بوابة للدخول فعلى تلك البوابات ثمة شباب اردني متعلم يستقبلك بابتسامة مرحبا مهليا لتدخل بسلام رحاب ايله… ثمة موج خفيف يرتد عن شاطيء بي تويلف متهاديا مختالا فيما راح سرب نورس يحلق في الافق احيانا واحيانا يلامس سطح الماء بحثا عن سمكة استوطنت لجون ايله .
معاكسا ومشاكسا لكل المنتجعات التي نشأت في العقبة لم تغلق واحة ايله ابوابها في وجه زوارها وليس على ابوابها حراس غلاظ شداد فيمكن للزائر ان يدخلها ترافقه دهشته للسوق الذي اتيح للعامة ضمن ضوابط تنظيمية والسوق الآخذ من الشرق بعض امتداداته ومن الغرب بعض ملامحه يستمتع فيه الزائر حين يحتسي قهوته على ضفاف اللجون الرقراق بينما يروح الموج الخفيف يداعب اقدامه لا يبدد سكون اللحظة سوى طفل يركض لاهيا خلف لعبته التي غابت في الماء او كادت بينما يقف المنقذ على مقربة منه يراقب بحذر متأهبا لعمله الوحيد ان يمد يد العون لمن خانته يداه او خانته انفاسه امام موج احيانا يستبد به الغصب .
في ايله ثمة ظاهرة قلما تجد لها مثيلا في منتجعات سياحية انفق عليها الكثير …هي ظاهرة …سهل …وسهل الذي له من اسمه نصيب هو المدير التنفيذي للمشروع كله ونادرا ما تفارقه ابتسامته وهو يرحب بالوفود التي تؤم المكان….. حين كنا نلتقيه وايله لم تزل ارضا حراما كان يسهب في الحديث عن الحلم الذي سينهض على ارض ملغومة وحين كانت الشمس في تموز تلقي بلهيبها على رمال تبادلها اللهيب ذاته كان سهل يبتسم هو يومي الى بقعة جرداء ويقول….هنا سيقام فندق حياة ريجنسي….نتلفت فلا نرى شئيا يحس ان شك بنا تنامى فيسترسل ….وهذه مواصفاته .
ايله التي كانت حلما اضحت اليوم حقيقة تنبض بالحياة والناس وبالطيور التي جاءت تبحث عن سكينة فقد استوطن الواحة اكثر من مئة صنف من الطيور المهاجرة التي خلدت الى الواحة وحطت في ركابها كانت تريد الراحة لتواصل الهجرة لكنها اذ احست بدفء المكان قررت ان لا تعود الى موطنها وان تمضي ما تبقى لها من عمر في واحة ضوء القمر .