الموازنة تتوه بين النمو والتنمية!

كتب الدكتور نضال المجالي
لست خبيرا اقتصاديا أو محاسبا متخصصا أو مديرا ماليا أو نائبا في البرلمان سيُمنح دقائق للحديث في نقاشات الموازنة تحت قبة البرلمان، وحتى أني كنت طالبا في الفرع الأدبي في الثانوية العامة، ولكن أكتب كمواطن استمع إلى خطاب الموازنة ويملك من علم الإدارة أقل القليل وله وجهة نظر.
أولا أتحدث عن تميز البلاغة في خطاب الموازنة أكثر منها في الحساب والتي نسمعها بحُلة بهية دائما بين ثنايا الكلام ضمن عبارات تصلح لمادة التعبير في اللغة العربية استقطابا للمشاعر ترسل المستمع لها بعيدا عن جوهر الحساب، ظنا أن المجتمع بسيط يخلو من الوعي فيما يستعرض من أرقام متناسين أن «حارتنا ضيقة»، لدرجة أن من يسكن خيمة في بادية أردنية يعلم متى نستمع إلى موازنة رقمية ومتى نستمع إلى موازنة تنموية.
في الأردن لصغر حجم الدولة مساحة، ولسهولة التعرف ووصول الخبر بين الجميع، ولاتساع الوعي الأكاديمي والتنموي كان على أي مقدم لموازنة أن يؤمن بالكفاءة التحليلية المجتمعية، ويختار أسلوبا مختلفا في قراءة خطاب الموازنة السنوية، لا أن يستغل ظرفا مؤقتا ليعلن عن موازنة غير مسبوقة على حد قوله وكأننا سنصفق فرحا! فغير مسبوق فقط عندما يُقرأ لنا نموا في قطاع يشعر به المواطن فكان القرار تعزيزه، وليس أن يرى فيه تنمية تثقل عبء تحقيق نتائج في قطاعات حيوية أخرى تمس المواطن مباشرة، وهنا الفرق بين النمو الاقتصادي وبين التنمية الاقتصادية!
غير مسبوق أن نعيش النمو الاقتصادي ونلمس أثره مجتمعيا، لا أن نسمع به أرقاما صاعدة فقط، وإن كانت أرقاما فتكون الزيادة في رأس المال والتقدم التكنولوجي وتحسن مستوى التعليم، فهي الأسباب الرئيسة للنمو الاقتصادي للدول. غير مسبوق يكون بالنمو والزيادة في العائد على الوطن والمواطن معا، وغير ذلك هو تكرار للضغط على حياة المواطن بما سيعانيه من تراجع في خدمات وامتيازات قطاعات أخرى هي الأقرب له، فالمزارع الذي ترك أرضه والمدرسة التي لا يتخرج منها طالب واحد ناجح في الثانوية والمركز الصحي بدون أدوية لأمراض مزمنة، وغياب طبيب مختص، وانعدام فرصة عمل جديدة، وجلوس الآلاف ممن تقاعدوا بأول عمر الأربعين ومثل ذلك كثير في قرى ومحافظات الوطن البعيدة عن العاصمة هو ما يحتاج للاهتمام وتخصيص أرقام غير مسبوقة!
ما نحتاج أن نسمعه من المعني بالموازنة بأن هناك تغييرا إيجابيا في مستوى إنتاج السلع والخدمات في العام الماضي وما هي مؤشرات هذا التغير على حياة المواطن عاملا كان أم صاحب عمل مقارنة مع موازنة العام القادم وما هي اتجاهاته المالية فيها؟
ما نحتاج أن نسمعه كيف ستتم عملية تسريع النمو الاقتصادي فهي وظيفته الأساسية إلى جانب غيره من اقتصاديين ورجال التخطيط والسياسيين، فالمجتمع يعي أن تحقيق النمو الاقتصادي ليس فقط هو العامل الأساسي الذي يحدد مستويات المعيشة، فثمة عامل آخر يحدد مستويات المعيشة وهو عدم المساواة في الدخل وسوء توزيع الثروة في المجتمع، فزيادة النمو الاقتصادي لا تعني بالضرورة تحسن مستويات المعيشة، ما لم تتوزع ثمار النمو بصورة عادلة، وغالبا ما تستأثر القلة بمعظم منافع النمو.
ولهذا فثمة فرق جلي بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، فالتنمية ذات طبيعة كيفية في الأثر وليست كمية بالرقم، وتحقيق التنمية الاقتصادية يحتاج زيادة النمو الاقتصادي، ولكن هذا النمو يكون مرتبطا بإحداث تغيرات نحو الأفضل في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة مع التنسيق فيما بينها، وأبرزها التعليم والصحة والتوظيف، فهل فعلا يتم ذلك؟ وهل النمو الاقتصادي للمجتمع يحقق الرفاهية للجميع أم فقط يطال ثلة من أفراده؟ وهذا سؤال يجيب عليه المواطنون بكل سهولة، ولكن لا زالت جهة التنفيذ لا تسمع الإجابة.

Exit mobile version