بداية لا بد من التأكيد على نوعية الاختيار في التعديل الوزاري الأخير، وان هناك فعلاً لمسة ذكاء في العمليّة التي أتت بسرية كاملة حتى ساعة حلف القسم الدستوري. فالوزراء الخمس الجدد وهم النجار ودودين والحنيفات والفراية والعزايزة يملكون رصيدا وظيفيّاً عاليا في مجالات عملهم ولهم بصمات مهمة، فالنجار ابن وزارة المياه وهو خبير في القطاع وله باع طويل في إدارة شؤونه ويعرف تفاصيله وخباياه، ودودين موسوعة ومثقف على مستوى عال جدا ومتمكن من الشاشة والظهور أمامها بأداء إعلامي مميز اعتدنا على مشاهدته بثبات واضح، والحنيفات الذي ظلم بالتعديل الوزاري الأول لحكومة الرزاز هو أحد أفضل الاشخاص في الاداء سواء أكان في البلدية أو في الوزارة، والفراية كان واضحا في ادائه خلال ترؤسه لمركز الأزمات وإدارته لملف التعاطي مع جائحة كورونا، والعزايزة شخصية سياسيّة وإدارية بامتياز، لها خبرة طويلة في مؤسسات الدولة وهي شخصية دمثة وازنة.
اقتصاديا الأمر مختلف تماما بالتقييم إذا ما نظرنا لأبعاد التعديل الوزاري، فخروج نائب الرئيس وزير الدولة للشؤون الاقتصاديّة الدكتور أمية طوقان جاء لسببين رئيسين، الأول متعلق بكونه وزيرا للدولة، وان التوجه العام يأتي لتقليل عدد وزراء الدولة في إطار تخفيض الحجم الكلي للوزارة، والثاني متعلق بأن ما كان يقوم به نائب الرئيس من خلال ترؤسه للجنة التنمية، يستطيع اي وزير اقتصادي متابعة الأمر والملفات التي تعرض عليها بالشكل المعتاد، فالنائب ليس مسؤولا عن ملف اقتصادي معين.
إعفاء وزير الاستثمار من مهمته في هذا الملف إجراء طبيعي بعد ان أعلن الوزير بوضوح عن مشاكل وتعقيدات في بيئة الاستثمار المحليّة، وهو ما اظهره بمظهر العجز عن إدارة الملف بكامله، وعدم قبوله بحقيبة العمل وقبول استقالته فورا وخروجه من الحكومة هو ايضا نتاج طبيعي لعدم قدرته على الانسجام مع الطاقم الوزاري الاقتصادي من جهة، وعدم معرفته الحقيقية بتفاصيل عمل القطاعين الخاص والعام.
عدم التغيير في باقي أعضاء الفريق الوزاري ايضا له أهمية، فالرئيس الخصاونة مرتاح نسبياً لأداء ومتابعة وزراء الاقتصاد من جهة، والتزام الفريق الوزاري وتفهمه تحديدا من وزارة الماليّة لموضوع اتفاق الاردن مع صندوق النقد الدولي والالتزام ببنوده والمحافظة على علاقة متزنة ورشيدة مع هذه المؤسسة العالمية التي ينظر المانحون من خلالها لأداء الاقتصاد الوطني.
المخفي في التعديل الوزاري هو ان هيئة الاستثمار بعد خروج الوزير السابق منها ستكون في المرحلة المقبلة تحت اشراف مباشر من رئيس الوزراء، والذي أكد في اكثر من مناسبة ان هناك ثورة ستكون في العناية الاستثماريّة خلال الفترات القادمة، وهو ما يفسر انه سيعطي صلاحيات واسعة للهيئة ومباشرة منه في إنجاز الملفات الاستثماريّة العالقة.
التعديل لن يغير او يعطي شكلا سياسياً او اقتصاديا جديداً للحكومة بقدر ما سيعطيها حماسة جديدة للعمل من قبل الفريق الجديد الذي يرتبط بوزارات خدمية لها ارتباطات مباشرة مع المواطنين.