المعارضة الأردنية ، وهم ام حمل كاذب ؟

الدكتور عبدالمهدي القطامين
في كل دول العالم هناك بصمات واضحة للمعارضات الوطنية التي تنبع من اختلافات في ا لرؤية بين الحكم وبين توجهات المعارضة والأحزاب السياسية وهي اختلافات تصب في النهاية لصالح تعزيز المنعة الوطنية وكينونة الدولة وبقائها لكن على ما يبدو ان المعارضة الأردنية ان صحت هذه التسمية لم تقم حتى اللحظة باستثناء بعض الهبات الانية غير المتواترة بمعنى انها معارضة انية مصلحية مرتبطة بردات فعل على الاحداث وفي ذلك ينبغي التوضيح ان المعارضة الأردنية لم تتشكل طيلة المئة العام الأولى من عمر الدولة الأردنية ولم تقم على مرتكزات راكزة تستلهم ضرورات الواقع وتسعى الى بناء صورة مستقبلية لما يمكن ان يكون عليه الوطن ولم تضع خططا وبرامج لنهجها وبالتالي ظلت فردية انية مشوشة تركب موجات الغضب الشعبي ثم تموت اذا ما خمد الغضب او تم اخماده .
في فترة الربيع العربي والربيع الأردني الذي كان خجولا شهدت مختلف محافظات المملكة حراكات شعبية رافضة لسياسات الحكومات خاصة في بعدها الاقتصادي وامام الزخم الشعبي الحراكي الذي بدأ يلوح في الأفق ظهر مجموعة من الأشخاص الذين ركبوا هذه الموجة في محاولة استعراض القوة والتلويح بجدية ظهور معارضة تقول كفى للبنية السياسية والاقتصادية لكن هذه الأصوات سرعان ما اختفت بعد ان مارست دور الصقور في الكثير من المناسبات وعادت الى بيوتها دون ان تفسر للجمهور لماذا ظهرت ولماذا اختفت ولماذا كانت تغرر بالكثير من الشباب الذين رأوا في بعضهم ملامح الابطال المخلصين لكن الخيبة كانت مدوية بعد ان نكص الجميع عما رفعوا من مطالب وظل السؤال يتردد عن أسباب النكوص تلك هل كانت بفعل العصى ام بفعل الجزرة اما بهما معا في ظل غياب حقيقي لاي برنامج عمل ممكن تطبيقه على الواقع الأردني الذي يمتاز على الدوام بعدم اليقين وسرعة التبدل في التحالفات وربما كان تلك ضرورة املاها على الدولة الأردنية واقعها الجيوسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعرض الى العديد من الهزات بفعل عوامل الهجرة واللجوء من دول الإقليم التي عصفت بها احداث جسام واقتتال وحروب كانت تندلع بين الفينة والأخرى .
لا ينكر احد ان الأردن الذي يقع على تخوم إقليم ملتهب ظل على الدوام اقرب ما يكون الى واحة امن يقصدها الهاربون من جحيم الدكتاتوريات المنتشرة في المنطقة العربية وبالتأكيد هذا لا يعني ان الأردن بلد ديموقراطي يضرب به المثل في صون الحريات وانتهاج ديموقراطية حقيقية تتكىء على نموذج الحكم الغربي مثلا لكنها وفي ظل ما هو حاصل مقارنة بدول الإقليم بلا شك تشكل حالة متقدمة من الاستقرار المرحلي والاحتكام الى منطق العقل والحكمة في الكثير من الأحيان لمعالجة أي اختلالات او هبات شعبية تظهر هنا او هناك .
ولكن هل سيظل الاردن بمنأى عن التغيير بعد ان فشل الإصلاح وما هي حدود ذاك التغيير ومبرراته ومن ممكن ان يقوم به وما هي اليات تنفيذه لعل ما يشكل شبه اجماع في مسالة التغيير انه تغيير النهج …. تغيير نهج تشكيل الحكومات تغيير نهج انتخاب البرلمان تغيير نهج أداء عمل البرلمان وطرق الوصول اليه وعدم التدخل الحكومي فيه ومحاربة المال الأسود الذي يستخدمه الكثير من المترشحين …. ثم تغيير النهج الاقتصادي الذي دمر البلاد ودمر الناس واورثهم الهم والغم والفقر كل هذه التغييرات لن تقوم بها الحكومات ولن يقوم بها النواب بل هي من صلب اختصاصات الملك بحكم سلطاته الدستورية الواسعة التي يتمتع بها وهنا على الملك ان يوم بدورين محورين لإنقاذ الأردن مما يعاني الدور الأول هو دور الوالي والحاكم مالك السلطات دستوريا والدور الثاني هو دور المعارضة فحين تخرج المعارضة من سلسلة الحكم والنفوذ لأسبابها الخاصة ولعدم قدرتها على الاقناع اقناع الناس وإقناع الحاكم فأن الوحيد الذي يمكن ان يملأ فراغ المعارضة هو الملك وقد تبدو مثل هذه الإشارة درامية لدى البعض صعبة التفسير وقد يقول قائل من يعارض الملك هل يعارض ذاته ويعارض حكومته واذا سلمنا ان المعارضة تقوم بدور وطني يمكن لنا ان نفهم كيف يمكن ان يكون الملك معارضا واذا كانت المعارضة برامج وخطط فقد صاغ الملك عند تشكيل كل الحكومات برامج وخطط لكنها لم تنفذ واوراق عمل استرشادية ظلت محفوظة في الادراج وهنا يأتي دور الملك ليس كحاكم بل كحكم يوازن بين ما هو مطلوب وبين ما ينفذ ويحاسب حين لا ينفذ وهذا يستدعي وجود حلقة استشارية مكينة حول الملك ليست تلك التي عهدناها في السابق والتي تختبئ خلف الملك في أي قرار وانما عقول وازنة استراتيجية ذات خبرة عميقة ودراية في اجتراح الحلول والتفكير بحلول غير تقليدية لما يعاني الوطن من أزمات .
ما اردت قوله ان الحالمين بتغيير نظام الحكم في الأردن سيظلوا في احلامهم الواهمة وهم اضعف بكثير من احداث أي تغيير لأسباب أهمها انهم غير مقنعين وابرزها أيضا ان نظام الحكم الملكي في الأردن وجد ليبقى وقد سمعنا شعارات كثيرة في فترة الستينيات من القرن الماضي والتي دعت لتحرير عمان تمهيدا لتحرير فلسطين فظلت عمان صامدة عصية ولم تحرر فلسطين ولا نصفها ولا ربعها ودمرت بغداد ودمشق وصنعاء وثبت ان النظام الأردني الذي كان يوصف بالرجعي نظام قابل للحياة والاستمرار والبقاء فيما اكلت الحروب والتهمت كل العواصم التي كانت تدعى بالتقدمية وتراجعت عقودا طويلة للوراء .
الأردن في ازمة نعم لكن علاجها ليس عصيا ولا مستحيلا وحين تكون في عين العاصفة عليك الابتعاد عنها بما تيسر من سبل لتطل عليها وتحللها وفي كل الموازين الاستراتيجية فان التحليل هو اهم خطوة للوصول الى الحل .