البطاينة يهزم العوائق المهنية والاجتماعية ويثبت ذاته في سوق العمل بالعقبة – صور

الأيادي المحبة، هي من ساندت الشاب فراس البطاينة ابن الـ31 عاما، وكانت الملهم والمرشد له في الأوقات الصعبة وفي لحظات حاسمة من حياته، فضلا عن ارادته التي هزمت العوائق.
ايمانه بقدراته مكنته من أن يكون الشخص الذي هو عليه اليوم، صمد في وجه العوائق لم يفكر مطلقا بأن يتراجع أو يمل بل ظل عازما على أن يعيش كغيره ويحقق ذاته ويصنع مستقبلا فيه التميز حاضرا والقوة لا تلين مهما عصفت بها رياح المتاعب.
فراس احتمى بالقلوب التي أحبته ووثقت به ورأت فيه الأمل لحياة أفضل، دخل سوق العمل كأي شخص لديه قدرة على الجد والمثابرة والنجاح، ليثبت حقه كإنسان قادر على الحلم والتحدي، وأن يكون أهلا للثقة مميزا ومقبولا لدى الجميع.
حصوله على وظيفة في أحد فنادق العقبة كان دليلا على أن لا شيء أبدا بإمكانه أن يقف في وجه الإرادة والطموح.
بالإرادة تهزم المخاوف وتذلل العقبات وتضاء العتمة؛ بكلمات ملؤها الفخر تتحدث أم فراس نجوى الأغا لـ”الغد” عن أشياء كثيرة في الحياة تبدأ صعبة وكبيرة لكن مع مرور الوقت “تأخذ حجمها الطبيعي وتحديدا عندما نقرر أن نعتاد عليها ونتقبلها”.
هذا تماما ما حدث معها عندما علمت بالصدفة أن ابنها من متلازمة داون، وقدر عليه أن يعيش مختلفا على الأقل في نظر الآخرين، لافتة إلى أن مراحل كثيرة مر بها ابنها كان لها دور كبير في صقله ودعمه نفسيا وجسديا، مثل اهتمامهم به كعائلة وتأهيله وتعليمه أهم الخبرات التي تلزمه في حياته، لكن ذلك دون جدوى كما تقول الأم. لذا وجدت أن عليها أن تكرس كل وقتها له وتكون المعلم والمرشد لابنها بوصلة لخطواته نحو حياة أكثر إنصافا وأمانا.
نجحت في أن تحقق ذلك كله بصبرها وعزيمتها. هي عرفت كيف توازن بين مشاعرها وتكون تارة قاسية وصلبة معه وتارة أخرى تغمره بحنانها وحبها الكبيرين. هذه المعادلة الصعبة وفق قول الأم هي ما ساعدتها على أن تكون أقوى من كل الظروف.
وتبين أن وجودهم في العقبة كان سببا رئيسا في تعقيد الأمور وزيادة الصعوبات، إذ إن الخدمات المقدمة لفئة ذوي الإعاقة هناك قليلة جدا بالمقارنة مع العاصمة عمان.
وتلفت إلى المعاناة الكبيرة التي يعيشها أهالي الأشخاص من ذوي الإعاقة ممن يسكنون محافظة العقبة وخاصة الأشخاص من متلازمة داون، لكون هؤلاء الأبناء يواجهون بعض المشاكل الصحية منذ صغرهم وهذا يترتب بالطبع زيارات متكررة للأطباء وأكثر هذه المشاكل هي أمراض الغدة.
وحسب قولها، كانوا مجبرين على قطع كل هذه المسافة بين العقبة وعمان ليراجعوا بأبنائهم لعدم وجود طبيب مختص بأمراض الغدة داخل المحافظة. هذا الأمر حتما يزيد من متاعبهم ويحملهم فوق طاقتهم.
ما يميز فراس هو حبه الشديد للرسم والتصوير وكذلك هو اجتماعي بطبعه محبوب يتمتع بقدر كبير من اللباقة، إضافة إلى أنه ملتزم ودقيق جدا، كل هذه السمات أهلته لأن يصل إلى حلمه ويكون موظفا نشيطا ومجتهدا وأحد العاملين في فندق المنارة.
التحاقه بهذه الوظيفة منذ ستة أشهر تقريبا غيرت فيه أشياء كثيرة حسب رأي الأم، ووجدت أن عمله زاده أملا وطموحا وقوة واصبح أكثر إقبالا على الحياة وأيضا تحسنت نفسيته، وتمكن من أن يكون شخصا مستقلا لديه راتبه الخاص.
أما عن دور جمعية سنا في دعم فئة ذوي الإعاقة وخاصة متلازمة داون وذوي الإعاقة الذهنية، فتؤكد الأم أن الجهود التي تبذلها هذه الجمعية جبارة جدا وتستحق كل الاحترام والتقدير من حيث الاهتمام الكبير بأبنائهم والعمل ليل ونهار على تأمينهم في وظائف مناسبة والسعي بكل طاقتهم لتقديمهم للمجتمع على أنهم أفراد لهم حقوق وعليهم واجبات كلها أولويات تؤمن بها سنا وتركز عليها.
وتطالب الأم جميع المسؤولين بدعم هذه الفئة وتشغيلها وإعطائها حقوقها كاملة حتى تستطيع أن تنجح وقادرة على الاندماج مهنيا واجتماعيا.
وعن رسالتها للمجتمع تقول أم فراس أن على الجميع أن يدركوا أن هذه الفئة جزء أساسي من المجتمع لا يحق لأي أحد إهمالها أو تجاهلها، داعية كل أم لديها ابن من ذوي الإعاقة أن تبني فيه الثقة وتقويه نفسيا وجسديا حتى يتمكن من الخروج للعالم والوقوف باتزان.
وتشعر الأم بالحزن لأسر ما تزال “تتنكر” بأن لها ابنا من ذوي الإعاقة وتتعمد إخفاءه عن الأنظار وسجنه لكونهم يرون في الإعاقة وصمة عار اجتماعية ستلتصق بهم مدى العمر. لذا تتمنى فقط أن يحكموا ضمائرهم بهؤلاء الأبناء ويتعاملوا معهم بإنصاف وحب ويقدموا لهم كل ما يستطيعونه ليكونوا نماذج ناجحة يفتخرون بهم.
وتبين أهمية التخلص من فكرة أن من يعانون من الإعاقة مختلفون حتى لا تكون ذريعة بأيدي البعض تجيز لهم التنمر عليهم وإيذاءهم ويتحقق ذلك بتوعية الناس وتثقيفهم، إضافة إلى إعطائهم الفرصة للاحتكاك مباشرة بمن حولهم وتمكينهم من معرفتهم عن قرب.
وتستحضر موقفا حصل مع ابنها عند تعرضه لحادث سير واضطرارهم لنقله إلى أحد المستشفيات في عمان لتصويره وبينما هي خائفة على ابنها وتريد الاطمئنان عليه قال لها الطبيب هناك جملة ما تزال عالقة في ذاكرتها لليوم، “إنت ليش حارقة دمك كثير هذول ما بيعيشوا أكثر من 18 سنة”. لا تنسى الأم ذلك الألم الذي لا يوصف وشعرت به في تلك اللحظة، فهي لم تتوقع هذه القسوة من أي شخص، فكيف إذا كان هذا الشخص طبيبا.
لهذا، تطالب أم فراس المجتمع ككل بأن يراعوا هذه الفئة ويدعموها فهم ليسوا بحاجة لشفقتهم وإنما كل ما يريدونه هو أن يعيشوا بكرامة وسط أناس يحبونهم ويحترمونهم ويثقون بإمكاناتهم.


