الأردن: جرأة غير مسبوقة للحكومة في تنفيذ اتفاقيّة وشروط البنك الدولي الأخيرة برفع أسعار المحروقات والكهرباء ولاحقاً المياه

الغواص نيوز
المهندس سليم البطاينة
أكتسب رئيس الوزراء بشر الخصاونة سمعة سالبة في موافقته على رفع أسعار المحروقات والكهرباء وتنفيذ شروط البنك الدولي دون اعتراض برضوخ وارتهان غير مسبوق ، من خلال توقيع حكومته على اتفاقية مع مجموعة البنك الدولي مدتها 3 سنوات ابتداءً من مطلع هذا العالم تضمّنت 28 شرطاً ، علماً أن تقارير البنك الدولي خلال الأربع سنوات السابقة أشارت إلى أن أكثر من ٤٠٪ من الأردنيين أصبحوا فقراء وأن نسبة البطالة تعدّت أيضاً ال40٪.
بشكل عام يُعرّف الأردن في الأوساط الدولية على أنه طالب مُطيع في المدارس المالية ولطالما التزَم حرفياً بالتوصيات والإتفاقيات مع تلك الأوساط … فقد أدمن منذ عشرون عاماً على الإستدانة والقروض والمنح ممّا ساعد على تباطؤ عمل الحكومات في الإبتكار والإبداع والإعتماد على الإستدانة .. فإفتقار السياسة وعدم قدرة الحكومة على القيام بدورها التفاوضي مع البنك الدولي يعطي انطباع بضعفها في وضع بدائل وحلول.
حيث باتَت السياسات الإقتصادية ترضخ وترتهن لشروط المؤسسات المالية الدوليّة المُقرضة ولا تنبع من المصلحة الوطنية ومن حاجتنا إلى التنمية بقدر ما هي إلا استجابة لشروط تلك المؤسسات.
فالبنك الدولي ومعه صندوق النقد الدولي يتدخّلان بقوة في السياسة الماليّة والإقتصادية بشكل غير مسبوق خصوصاً هذه الأيام ، والحكومة لم تقدّم حلول تُذكر لأيٍ من المشكلات الإقتصادية والماليّة التي تُعاني منها البلاد ، بل إنها تستسهل الحلول وتلجأ إلى إجراءات عنيفة بالتفتيش في جيوب مواطنيها.
فالمشهد كما تراه الأغلبية الآن هو أن الفريق الإقتصادي في الحكومة لا يوجد له دور حقيقي في تدوير عجلة الإقتصاد .. فقد جرت العادة بأن تأخذ الحكومات في الأردن القرارات الصعبة ثم تُدافع عنها من خلال أذرعها الإعلامية معطيةً انطباعاً بأنها لمصلحة الوطن والمواطن .. الخ.
وأصعب ما يواجه الحكومة هو غياب البدائل والإبتعاد قدر الإمكان عن الأسوء وأن لا تفقد الحيلة .. أما الأكثر صعوبة هو أن يراك المفاوض الآخر وقد أصبح ظهرُك للحيط ولا مفر لك إلا القبول بشروطه .. علماً بأن معظم التقييمات الصادرة عن وكالات الإئتمان الدولية بخصوص الأردن لا تسُر الخاطر.
وعليه فإن معظم القرارات التي أخذَتها الحكومة منذ بدء تشكيلها يدخل في نطاق السياسات المالية وسد عَجز الموازنة العامّة فقط وبأية طريقة كانت .. فلم نرى أو نشاهد إجراءات حقيقية وملموسة ساهمت في عملية تحفيز النمو الإقتصادي وزيادة الناتج القومي وخلق فرص عمل.
فتخفيض المديونية لمن لا يعرف لن يكون بلُغة الأرقام بل بالنّسب (أي أن تكون نسبة الناتج المحلي الإجمالي أسرع من نمو الدّين العام للدولة) .. فعلى ما يبدو أن العلاقة بين الإنفاق العام للدولة حالياً والنمو عكسية.
والمتابع لسير حركة الحكومة يلمس تراجعاً حاداً في أدائِها وبرامجها الإقتصادية التي أطلقتها عشية تشكيلها .. فهناك حالة من الجمود السياسي أصابها والأدلة كثيرة منها إصرارها على تحميل المواطن بأن يظّل يدفع من جيبه إلى أن يسقط صريعاً.
فالأداء السلبي للإقتصاد مازال مستمراً حيث يظهر لنا في مؤشرات كثيرة كارتفاع الدين العام للدولة والفجوة الكبيرة في الميزان التجاري وصافي ميزان المدفوعات كنسبة من معدلات نمو الناتج المحلي .. والأخطر من تلك المؤشرات هو ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي لمستويات لم نعهدها سابقاً.
فالهشاشة التي تصيب اقتصادنا لا يمكن لها أن تتوارى خلف عناوين افتراضية كالثقة والإستقرار واللآجئين وكورونا .. فلم يعد يصلح التنظير فهناك انهيار متمادي للأوضاع الإقتصادية والمعيشية للأردنيين وتدهور مُريع للبنية الإقتصادية للدولة.
فنحن إذاً أمام موجات قادمة من طوفان الغلاء ، والدولة كل ما يهمّها أن يتجرّع الأردنيين كل هذا الغلاء دون مظاهرات أو تجمّعات احتجاجية.
فالأزمات ضاغطة وتتزايد يومياً دون أن يملكَ أحدٌ جرأة التنبؤ وصبر الأردنيين بدأ ينفذ .. والطوفان في معاجم اللغة هو سيل يغرق يجتاح كل شيء .. وهناك مخاوف من الكُلف الإجتماعية والأمنية المحتملة لأية قرارات قادمة ستتّخذها الحكومة في الإستمرار في رفع الأسعار دون مبالاة أو مراعاة لشعور المواطنين .. وهنا أذكر مقولةً للدوبلوماسي والسياسي البرطاني والمستشار السابق لرئيس وزراء بريطانيا Robert Cooper بأن السير في ركب البنك الدولي وصندوق النقد يؤدي إلى الهاوية ويخلق توتراً شديداً يصل في مرحلة ما إلى الإنفجار.
نائب اردني سابق